اتفاق السلام في ليبيا هل يقضي على "داعش"؟
١٧ ديسمبر ٢٠١٥وأخيرا تم في الصخيرات المغربية التوقيع على اتفاق السلام بين الطرفين المتنازعين في ليبيا: برلمان طرابلس، والذي يسيطر عليه الإسلاميون، وبرلمان طبرق ذي الغلبة العلمانية، إن صح التعبير. وكان رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح عيسى قد صرح في ختام المفاوضات في مالطا: "سنجعل العالم يعرف أننا في وضع يسمح لنا بحل مشاكلنا بمفردنا".
في حقيقة الأمر يرتكز الاتفاق على وحدة الجماعات المعتدلة، أما باقي القوى وعلى رأسها قادة الميليشيات المسلحة فلم يشاركوا في صياغة اتفاق السلام. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، هو إن كان هؤلاء يشعرون أنهم ملزمون بتنفيذ هذا الاتفاق أم لا، وهو الأمر المتوقف عليهم.
إستراتيجية المماطلة الخطيرة
وكان التأخر في التوقيع على الاتفاق في الأيام الماضية قد سلط الضوء على الثقافة السياسية القائمة في ليبيا حاليا، والتي تتجلى في صعوبة الحوار وإيجاد حل سلمي. فبعد سقوط القذافي في أكتوبر 2011 كانت ليبيا تتوفر على ظروف تسمح لها بإنهاء الثورة بشكل سلمي، كما يقول أندرياس ديتمان أستاذ الجغرافيا الأنثربولوجية في جامعة غيسن. ويضيف ديتمان: "غير أن بعض زعماء العشائر أدركوا أنه بإمكانهم تحقيق أهدافهم السياسية عن طريق الميليشيات المسلحة. وعندما تم تطبيق هذا المبدأ لم يعد أي قائد ميليشية مسلحة مستعدا لترك السلاح".
ولهذا السبب استمرت حالة عدم الاستقرار في البلد لحد اليوم. إضافة إلى ذلك يجد ممثلو البرلمانين الليبيين صعوبة واضحة في التغلب على ذلك، أو تقديم بديل لتلك الميليشيات. ويعلق الكثير من الليبيين الأمل على هذا الاتفاق، لأن تنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي (داعش) يستغل الفوضى القائمة في البلاد للتوغل أكثر والتجذر فيها.
ففي الوقت الذي يقف فيه "داعش" على أبواب بنغازي ودرنة شرق البلاد، كان التنظيم الإرهابي قد أعلن مسبقا سيطرته الكاملة على مدينة سرت الساحلية. وقد تغلب التنظيم على انتفاضة شعبية قبل أيام قليلة، كما يروع السكان بأحكام قاسية قائمة على أساس تفسيرهم الخاص للشريعة الإسلامية. ففي هذا الأسبوع على سبيل المثال تم قطع رأس امرأة بعد اتهامها أنها "ساحرة".
سلطة تنفيذية عاجزة
لحد الآن لم تُعرف بعد مصادر دخل تنظيم "داعش" الإرهابي، غير أم مجلة "جون أفريك" الفرنسية ذكرت نقلا عن سكان مدينة سرت أن التنظيم الإرهابي "يمول نفسه بشكل أساسي عن طريق التهريب وتجارة السلاح والمخدرات وتهريب السلع الاستهلاكية كالسجائر". وحسب تقارير إعلامية أخرى فإن لتنظيم "داعش" في ليبيا هدفا آخر وهو الاستيلاء على حقول النفط المجاورة لها والأكثر أهمية في إفريقيا كلها. إضافة إلى ذلك ووفقا لوسائل إعلامية فإن التنظيم يدمر الناقلات النفطية لضرب اقتصاد البلاد.
وللقضاء على "داعش" ليس هناك حل سوى الاتفاق السياسي، كما يقول أندرياس ديتمان. وهو ما تحقق الآن عبر التوقيع على اتفاق الصخيرات، فمن خلاله يمكن تحقيق متطلبات إضافية. على سبيل المثال لابد من تعزيز السلطة التنفيذية في البلاد،" ينبغي بناء أجهزة الشرطة، والجمارك والجيش". غير أن هذا الأمر يفشل مع تمسك الميليشيات بالسلطة، ورفضها أن تكون خاضعة لسلطة الدولة. ومع ذلك ينبغي لها، مع مرور الوقت، أن تتخلى عن سلاحها وتقوية هياكل الدولة. "حينها ستصبح عملية محاربة داعش قائمة من تلقاء نفسها."
مهمة ليبية
الأمر نفسه يراه المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا مارتن كوبلر، فخلال المفاوضات حول حكومة وحدة وطنية ساد إجماع بين كل الأطراف على ضرورة محاربة "داعش"، حسب ما أفاد به الديبلوماسي الألماني للقناة الألمانية الأولى ( ARD). فلا أحد يمكن أن ينتزع هذه المهمة من الليبيين:"الحرب ضد داعش ينبغي أن تكون حربا ليبية." كما يقول كوبلر.
ويتطلع المجتمع الدولي إلى إنهاء النزاع على الحكم في ليبيا المتواصل منذ عام ونصف، عبر توحيد السلطتين، للدفع باتجاه محاربة "داعش". بيد أن التساؤل القائم هو كيف يمكن تحقيق ذلك بعد التوقيع على اتفاق السلام؟ غير أن أندرياس ديتمان يرى أن"الاتفاق في حد ذاته هو الفرصة الوحيدة".