بريطانيا العظمى وأهمية الثامن من أيار/مايو من عام 1945
استقبل مواطنو بريطانيا خبر انتهاء الحرب العالمية الثانية بارتياح عارم. وكانت بريطانيا تعلم أن سيطرتها الامبريالية قد أوشكت على الانتهاء بالرغم من خروجها منتصرة في الحرب، فقد غير بروز النظام الاجتماعي العادل في بريطانيا الوجه العام للمجتمع البريطاني.
أعلن رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل في خطاب بثته الإذاعة من قاعة الحكومة في شارع داونينغ ستريت رقم 10 في العاصمة لندن عن استسلام ألمانيا في الثامن من أيار/مايو في عام 1945 وقاد تشرشل بلاده منذ 1940 في حربها مع ألمانيا. لكن خطابه لم يكن حماسياً بسبب استمرار الحرب مع اليابان: "يجب أن لا نسمح لأنفسنا إلا بفرحة قصيرة، ويجب علينا أن نبذل قصارى جهدنا للانتصار على اليابان وحيلها وأطماعها." لكن الشعب البريطاني انتهز هذه الفرصة للاحتفال، فقد تجمعت جماهير غفيرة في ساحة ترافيلغار في لندن، بينما توجه آخرون إلى قصر بوكينغهام متوقعين ظهور الأسرة الحاكمة. أما تشرشل فقد ظهر على شرفة وزارة الصحة كي يخطب في الناس المتجمعين واستمرت الاحتفالات حتى منتصف الليل.
"الحرب الجيدة" تخفف الخسائر
ألحقت الحرب خسائر فادحة بالبريطانيين إذ قُتل 270 ألف جندي ولقي أكثر من 60 ألف مدني حتفهم ومعظمهم خلال ما كان يسمى "التدمير الخاطف" في المدن البريطانية. وعلى الرغم من كل خسائر البريطانيين في الحرب العالمية الثانية لكنها تبقى أقل من خسائرهم في الحرب العالمية الأولى. ويقول الخبراء إن هذا قلل آلام الخسائر في نظر الرأي العام البريطاني.
"آمن الكثير من الناس بفكرة "الحرب الجيدة"" هذا ما قاله أستاذ التاريخ ريشارد أوفيري في جامعة أكسيتر والذي ألف كتاب: "لماذا ربح الحلفاء الحرب العالمية الثانية". وبالإضافة إلى حقيقة أن النصر في الحرب خفف الإحساس بالخسائر لكنه ساعد على التفكير بأوقات السلام، ويضيف المؤرخ قائلاً: "هيمن النصر على ذكريات الحرب الأليمة"، "ولكن باستثناء وحيد وهو انه لم يكن هناك تحليل ذاتي للدور البريطاني في الحرب عدا التدمير المريع لمدينة دريسدن الألمانية." يؤكد ذلك البروفسور باول أديسون هو مدير مركز الأبحاث ودراسات الحرب العالمية الثانية في جامعة ادنبره ومؤلف كتاب "الطريق إلى 1945" ويشير إلى خطاب لتشرشل ألقاه في أيار/مايو من عام 1945 في البرلمان البريطاني وقال فيه: "نحن جماعة مؤدبة في هذا البلد". ويقول أديسون إن هذه الجملة تعبر بوضوح عن الرأي العام البريطاني الذي ساد بعد نهاية الحرب.
نهاية الإمبراطورية البريطانية
كان النصر في الحرب العالمية الثانية فخراً عظيماً للبريطانيين وساعدهم على بلورة هوية قومية متكاملة تتألف من أهالي ويلز والإنكليز والاسكوتلنديين. ولكن لم يمض وقتاً طويلاً حتى اضطروا إلى مواجهة حقيقة أن دور بريطانيا العظمى كقوة امبراطورية عالمية قد أخذ بالتراجع. ويقول أوفري: "كشفت الحرب ضعف الإمبراطورية البريطانية" ويضيف: "الحرب كانت لحظة النصر وبعد ذلك السقوط." فقد منحت بريطانيا الهند استقلالها بعد سنتين فقط من انتهاء الحرب وبعد عشر سنوات سحبت بريطانيا قواتها من القارة الإفريقية. ويتابع أديسون: "كانت الحرب بمثابة الطلقة القاتلة للامبراطورية البريطانية، على الرغم من ان هذا لم يكن واضحاً في ذلك الحين." إن الدور البريطاني كقوة عظمى على الساحة العالمية بدأ ينحسر تدريجياً مع تنامي قوة الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وبداية الحرب الباردة.
نشوء نظام العدالة الاجتماعية
في الوقت الذي تسببت فيه عوامل جيوسياسية بنهاية الإمبراطورية البريطانية أضعف تحول فكري في بريطانيا الدعم الشعبي للحفاظ على هذه الامبراطورية. الحصص التموينية الموزعة في الحرب والعذاب الجماعي ساعد على تقوية المساواة الاجتماعية لينشأ واجب جديد بالدفاع عن هذه المساواة في المجتمع البريطاني: كل شخص له الحق بالحصول على "حصة مناسبة".
أرادت اغلبية الشعب البريطاني بعد الحرب العالمية الثانية تطويع الوعي الجديد في السياسة الاجتماعية الجديدة. مثلاً باستحداث نظام اجتماعي شامل وخدمات صحية وطنية. هذا المزاج أدى إلى قطع البريطانيين لعلاقتهم بتشرشل حين انتخبوا حزب العمال بشكل غير متوقع ليحقق فوزا عظيما ذلك بعد شهرين فقط من يوم النصر في أوروبا. ويقول أوفيري: "كانت أوقاتا حاسمة في بريطانيا ولم يحدث مثلها لا قبل ذلك ولا بعد ذلك"، فقد بدأ العمل بالنظام الاجتماعي والصحي الحكومي في عام 1946 وخلال عقد من السنين أممت نسبة 20 بالمائة من المعامل الصناعية.
شكوك مستمرة تجاه أوروبا
يقول أديسون إن الحرب وعواقبها أدت إلى تعزيز انغلاق بريطانيا على نفسها وازدياد شكوكها تجاه أوروبا. "كان البريطانيون فخورين بمؤسساتهم ومقارنة بذلك اعتبروا المؤسسات في القارة الأوروبية غير ثابتة." ويضيف: "وهذا ما أدى إلى خوف من القارة أوروبا واعتبروها تهديداً لهم." وفي الوقت نفسه أصبح واضحاً لسياسيي بريطانيا أنهم لا يستطيعون الاستغناء عن أوروبا لتجنب أزمات محتملة في المستقبل. ولذا أصبحت بريطانيا في السنوات اللاحقة عضواً مشكوكاً فيه بعض الشيء في الاتحاد الأوروبي. ويبدو أنه لم يتغير شيء على هذا الموقف حتى يومنا هذا.
كريستينه تسيفيكا/ ترجمة سمير مطر