أي مستقبل لبريطانيا مع العرب بعد الانفصال؟
٢٤ يونيو ٢٠١٦شكل قرار البريطانيين بالخروج من الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء الذي أعلنت نتائجه اليوم الجمعة (24 يونيو/ حزيران 2016)، هزة قوية مازالت ارتداداتها تتواصل. فهناك خيبة أمل كبيرة لدى قادة الدول الأوروبية والجناح المناهض للخروج في بريطانيا، تقابلها احتفالات الجناح المؤيد للانفصال ودعوات من قبل الأحزاب اليمينية الشعبوية في عدة دول أوروبية لشعوبهم بحذو حذو البريطانيين. وداخل بريطانيا نفسها، أعلنت رئيسة وزراء اسكتلندا أن تنظيم استفتاء جديد على الاستقلال من بريطانيا وارد جدا.
من جهتها، عبّرت المستشارة الألمانية عن أسفها العميق لخروج بريطانيا من الاتحاد معتبرة أن هذه الخطوة تمثل "لحظة تحول" في مسار الاندماج الأوروبي، كما أعلنت المستشارة الألمانية أنها دعت زعيمي فرنسا وإيطاليا ورئيس المجلس الأوروبي للحضور إلى برلين يوم الاثنين القادم بهدف بحث سبل ضمان الوحدة الأوروبية بعد بريكست.
وكانت بريطانيا منقسمة بشكل كبير إزاء اتخاذ قرار الخروج أو البقاء لدرجة أن استطلاعات الرأي أخفقت في الكشف عن توجهات الناخبين وكانت نتائجها متقاربة جدا. وكذلك كانت بالفعل النتائج النهائية: الفارق بسيط بين المؤيدين والمعارضين لكن تداعيات القرار ليست بسيطة: هلع في أسواق المال، "استنفار أوروبي" لبحث مخلفات القرار التاريخي وتصريحات متضاربة، بعضها يشيد بالقرار وبعضها الآخر ينذر بنهاية وشيكة لبريطانيا وبأضرار بالغة سيتكبدها الأوروبيون.
انسجام أمريكي بريطاني أكبر؟
أما ما يتعلق بتأثيرات القرار على سياسة بريطانيا في الشرق الأوسط وهي التي تربطها علاقات اقتصادية قوية بالدول العربية خاصة دول الخليج، يقول زيدان خوليف أستاذ العلاقات الدولية بجامعة باريس في تصريحات لـDWعربية "سنرى انسجاما أكبر مع السياسة الأمريكية في المنطقة. وستصبح بريطانيا فعليا الضفة الأمريكية في أوروبا".
ويضيف الخبير الجزائري: "لطالما كانت بريطانيا قريبة من السياسة الأمريكية حتى في السابق رغم وجودها في الفيلق الأوروبي لكن ليس بنفس الحدة وذلك من أجل مراعاة السياسة الخارجية الأوروبية المشتركة عندما تكون هذه الأخيرة بعيدة عن التوجهات الأمريكية. أما الآن فلم يعد هناك هذا المبرر وستتحول بريطانيا إلى منظار أمريكي في المنطقة". أما بخصوص تأثير نتائج الاستفتاء على التوجهات الأوروبية في الشرق الأوسط يستبعد خوليف أن يؤثر خروج بريطانيا على السياسية الأوروبية في الشرق الأوسط في شيء، ليضيف "كل ما سيتغير هو أن ألمانيا وفرنسا ستقودان الآن الباخرة الأوروبية في المشرق أما بخصوص التوجهات الأوروبية فستبقى نفسها مع فارق غياب موجات الذبذبة التي كانت تطلقها بريطانيا من خلال معارضتها للكثير من قرارات الاتحاد".
بريطانيا و"عقدة الجزيرة"
وبهذا الخصوص قال الكاتب والمحلل السياسي عبد الباري عطوان في تصريحات سابقة لـDWعربية إن بريطانيا جزيرة صغيرة ولديها عقدة نفسية كونها جزيرة وهذا ما يدفعها لتضع قدما في الولايات المتحدة و قدما أخرى في أوروبا. وأضاف "تعتبر بريطانيا نفسها أنها تربطها علاقات تاريخية وتجارية وسياسية وحتى نفسية بالعرب وبالذات دول الخليج التي تشكل المخزون المالي الأكبر لها. فهناك أكثر من 60 مليار دولار من الاستثمارات العربية في بريطانيا حاليا".
غير أن عبد الباري عطوان يشير أيضا إلى أنه و"إذا العرب حريصين على استمرار التعاون مع بريطانيا بسبب عامل اللغة والاستعمار إلا أنهم يفضلونها ضمن أوروبا قوية لخلق التوازن مع الولايات المتحدة من جهة وروسيا من جهة أخرى".
وكان وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي عقدوا اجتماعا نهاية الشهر الماضي مع نظيرهم البريطاني فيليب هاموند أثناء زيارته إلى السعودية بهدف تعزيز العلاقات بين الجانبين. وقال حينها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إن دول مجلس التعاون تربطها علاقات عميقة مع بريطانيا تمتد جذورها إلى أكثر من مئة عام، مشيراً إلى أن التعاون بين دول المجلس وبريطانيا قائم وبناء في المجالات الاقتصادية والأمنية والعسكرية، والمجالات التعليمية والطبية.
وحتى الجناح البريطاني الذي طالب بالانفصال يرى، بحسب عطوان، في بلدان الخليج تحديدا بديلا اقتصاديا محتملا للاتحاد الأوروبي. وعقب إعلان قرار خروج البريطانيين علق عطوان في مقالة رأي له على صحيفة رأي اليوم الإلكترونية بالقول إن الاتحاد الأوروبي والعرب أكبر الرابحين بينما الخاسر الأكبر هو بريطانيا نفسها لكون أن البريطانيين "أطلقوا النار على أرجلهم بالسقوط في مصيدة “التخويف” التي مارسها اليمين العنصري المتشدد لدفعهم إلى التصويت لصالح الخروج، والتلويح بأخطار الهجرة، وتزوير الحقائق في هذا الخصوص، مثل التركيز على خطر “الإسلام” ضمنيا، وانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي".
وعلى ذكر تركيا يرى الخبير الجزائري خوليف تأثيرا آخر لانفصال بريطانيا ويتمثل في موقف الأوروبيين من انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي. ويقول في هذا الإطار: "القرار قد يسهل مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد ليس على المدى القريب ولكن على المدى المتوسط لأن الثقل الاقتصادي لبريطانيا سيترك فراغا بعد خروج البريطانيين وقد تلعب تركيا باقتصادها القوي حاليا دورا في خلق توازن في الاقتصاد الأوروبي".