برامج الأحزاب الألمانية الانتخابية: هوة بين الممكن وغير الممكن
النظام السياسي الألماني نظام ديمقراطي قائم على مبدأ التمثيل النيابي وعلى دستور (قانون أساسي) يستند في جوهره على الميثاق الأممي لحقوق الإنسان. وقد وُلد هذا الدستور من رحم أنقاض الحرب العالمية الثانية، حيث تمت صياغته في عام 1949 بهدف وضع حجر الأساس لنظام سياسي ديمقراطي جديد قادر على مواجهة "أعداء الديمقراطية والحرية". ويخص الدستور الأحزاب بدور كبير في رسم الخريطة السياسية الألمانية، حيث تنص مادته رقم 21 على "مشاركة الأحزاب الأساسية في تشكيل الإرادة السياسية للشعب". كما أنه لا يمكن للديمقراطية الحديثة أن تعمل بدون أحزاب سياسية تتنافس مع بعضها حول أفضل السبل لمواجهة تحديات الواقع السياسي. ويقوم ممثلو هذه الأحزاب من خلال انتخابهم لفترة زمنية معينة باستيفاء مهامهم السياسية القيادية وممارسة وظائف الرقابة السياسية.
ونظراً لدور الأحزاب السياسية المميز في عملية صناعة القرار السياسية نقوم بتسليط الضوء على الخطوط العامة، والمحاور الرئيسية لبرامجها الانتخابية بهدف توضيح توجهاتها المستقبلية ونقاط التباين بينها، وخاصة التي تهم الأجندة السياسية العربية.
برنامج الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم
الخطوط العامة: الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم عاقد العزم على مواصلةسياسة المستشار شرودر الإصلاحية التي تهدف إلى إصلاح الضعف البنيوي للاقتصاد الألماني وتكييف آليات سوق العمل مع متطلبات الاقتصاد العالمي المتعولم. ويراعي برنامج الحزب حقوق العاملين حيث يريد الحفاظ على القوانين التي تحول دون تسريحهم بسهولة. ولكن هدفه الأسمى يبقي متمثلاً بالموافقة بين "العدالةالاجتماعية ومتطلبات الاقتصاد العالمي السالك طريق العولمة ".
السياسة الخارجية: يدعم الحزب انضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي، ويسعى إلى حصول ألمانيا على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي، كما أنه يشير إلى ضرورة استمرار سياسة المستشار الخارجية الطامحة إلى دور ألماني أكبر وأكثر فاعلية على مسرح السياسية الدولية والتي تمخضت عنها سياسية ألمانية خارجية مستقلة. كما يشدد الحزب على ثقل ألمانيا كقوة تساهم في حفظ وتكريس السلام الدولي وتعمل من خلال المنظمات الدولية على إعادة الهيبة للأمم المتحدة وللقانون الدولي.
السياسة الداخلية وقوانين الهجرة والاندماج: ينوي الحزب في حالة فوزه بالانتخابات تحديث آليات عمل أجهزة الأمن الألمانية و"الفصل الكامل بين مهام الشرطة (الأمن الداخلي) والجيش (الأمن الخارجي)". كما يريد تقديم دروس للدين الإسلامي في المدارس الألمانية يقوم مدرسون تلقوا تعليمهم في الجامعات الألمانية بتبنيها. وعلاوة على ذلك فهو يدعم عملية اندماج الأجانب في المجتمع الألماني وسيسن قانوناً لحظر ومعاقبة "الزواج القسري" عند عائلات المهاجرين ذوي الأصول الشرقية.
سياسة التعليم والجامعات: يعارض الحزب الاشتراكي الديمقراطي فرض رسوم جامعية لأنها تقلل من فرص التعليم وتتناقض مع مبدأ تكافؤ الفرص الذي يعد من أهم أولوياته. وهو يريد من جانب آخر تشجيع البحث العلمي وجامعات النخبة.
حزب الخضر (الشريك الأصغر في التحالف الحكومي الحالي)
الخطوط العامة:لا يشير برنامج حزب الخضر إلى رغبته في التدخل المباشر في منظومة عمل الاقتصاد الألماني، كما يود الحزب الحفاظ على الحماية القانونية لحقوق العاملين والعمل على تشجيع قطاعات الاقتصاد المحافظة على سلامة البيئة.
السياسة الخارجية: لا يختلف برنامج حزب الخضر كثيراً عن برنامج حليفه الأكبر في التحالف (الأحمرـ الأخضر). كما أنه يريد إعادة "بناء العلاقات عبر الأطلسي" وفقاً لرؤية وزير الخارجية فيشر. وعلاوة على ذلك سيعمل حزب الخضر على دعم مشروع الوحدة الأوروبية بقوة.
السياسة الداخلية وقوانين الهجرة والاندماج: وفقاً لبرنامجه سيسعى الحزب إلى تسهيل عملية تجنيس الأجانب والحفاظ على التوازن بين حقوق المواطن الأساسية ومتطلبات الأمن الداخلي.
سياسة التعليم والجامعات: يعارض الحزب فرض رسوم جامعية خلال الدراسة الجامعية الأولى ويرفض فكرة إنشاء جامعات النخبة. غير أنه يقترح في برنامجه الانتخابي إنشاء مراكز أبحاث مستقلة ومتخصصة.
أحزاب المعارضة المحافظة: الحزب المسيحي الديمقراطي
الخطوط العامة: شددت قيادة الحزب المسيحي الديمقراطي على أن أولوية سياستها القادمة ستكمن في خلق فرص عمل جديدة. وفي مقدمة برنامجه الانتخابي يتم الإشارة إلى ضرورة "تغيير الذهنية الألمانية" وتجاوز مفهوم الدولة الاجتماعية التي تضمن للمواطنين حياة مادية آمنة. كما تمحورت ركائز برنامجه الرئيسية حول تغيير بنية سوق العمل الألمانية حيث ينوي رفع نسبة الضريبة المضافة لتمويل برامج إنعاش الاقتصاد الألماني، وتشجيع أرباب العمل على خلق فرص عمل جديدة عن طريق خفض تكاليف العمل والتقليل من الحماية القانونية لحقوق العاملين، علاوة على خفض نسبة ضريبة الدخل وإقرار مبلغ تشجيعي للأسر يرفع من مستوى معاشها.
السياسة الخارجية: أحزاب المعارضة المحافظة تنوي التركيز على "إعادة إحياء العلاقة الخاصة" مع الولايات المتحدة الأمريكية وتنشيط آليات التعاون مع الحليف الأطلسي الأكبر، بالإضافة إلى تحديد "هوية وماهية الإتحاد الأوروبي" التي تقوم على"الجذور والإرث المسيحي الأوروبي". كما يشدد الحزبان المسيحيان المحافظان على رفضهما القاطع لعضوية تركيا الكاملة في الإتحاد الأوروبي وتقديمها عرضاً بديلاً للحكومة التركية أطلقا عليه اسم "الشراكة المميزة". والجدير بذكره في هذا السياق أن أنجيلا ميركيل اتخذت موقفاً مؤيداً للحرب الأمريكية ـ الإنجليزية على عراق صدام حسين في عام 2003 مما أوقعها ضحية لسهام النقاد الذين حذروا من عواقب "عسكرة" السياسة الأمريكية، وهو ما دفعها الى توخي الحذر في تصريحاتها الأخيرة التي أكدت فيها على أن "الجنود الألمان لن يشاركوا في عمليات عسكرية في العراق مهما كانت الظروف".
السياسة الداخلية وقوانين الهجرة والاندماج: وفيما يخص السياسة الداخلية فإن الإتحاد الديمقراطي المسيحي عاقد العزم على تشجيع اندماج الأجانب في ألمانيا وتحديد نسبة المهاجرين إلى ألمانيا عن طريق تشديد قوانين الهجرة. ولم يشر برنامج الحزب إلى اقتراح جونثر بكشتاين، وزير الداخلية في ولاية بافاريا الألمانية، والذي طالب فيه بأن تسجن ألمانيا أو ترحل الأجانب التي تعتبرهم يمثلون "خطراً إرهابيا".
سياسة التعليم والجامعات: لا يشير برنامج الحزب إلى مسألة فرض الرسوم الجامعية، ولكنه من المتوقع موافقته علي فرضها ضمنياً.
الحزب الليبرالي الديمقراطي
الخطوط العامة: يشدد برنامج الحزب الليبرالي الديمقراطي الانتخابي على ضرورة خفض الضرائب من أجل إنعاش الاقتصاد الألماني، كما ينوي العمل على القضاء على قيود البيروقراطية التي تحد من ديناميكية الاستثمار والعمل الحر.
السياسة الخارجية: لا يرفض الحزب الليبرالي الديمقراطي عضوية تركيا في الإتحاد الأوروبي بصورة مبدئية، بل يربط ذلك بشروط تطبيق قوانين تحمي حقوق الإنسان على أرض الواقع، كما يشير الحزب إلى ضرورة توثيق العلاقات مع الحليف الأطلسي الأكبر.
السياسة الداخلية وقوانين الهجرة والاندماج: لا ينوي الحزب تشديد قوانين الهجرة إلى ألمانيا ويريد العمل على تسهيل تجنيس الأجانب وتشجيع مشاركتهم في الحياة السياسية والاجتماعية الألمانية.
سياسة التعليم والجامعات: يؤيد الحزب فرض رسوم جامعية لتحسين تمويل الجامعات الألمانية، كما أنه عاقد العزم على منح قطاع التعليم استقلالية أكبر فيما يتعلق بتنظيم وإدارة شؤون الجامعات.
تحالف اليسار الجديد
حزب اليسار الجديد على المشهد السياسي الألماني والمكون من حزب الاشتراكية الديمقراطية ( الحزب الشيوعي السابق في ألمانيا الشرقية) والحزب البديل من أجل العمل والعدالة الاجتماعية الذي أنشأه منشقون عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم يرفض السياسة الإصلاحية للمستشار الألماني جملة وتفصيلاً ويؤيد تقوية حقوق العاملين تجاه أرباب العمل. كما يشير الى ضرورة فرض "ضرائب ترف" على الطبقة الغنية في ألمانيا. وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية فإن هذا الحزب اليساري يتبنى مواقف تشذ عن إجماع النخبة السياسية الألمانية، فهو يرفض الدستور الأوروبي رفضاً قاطعاً، وينوي منع بيع وتصدير أسلحة ألمانية إلى الخارج والعمل على حل حلف الناتو.
لؤي المدهون