باحث تونسي: أحداث سيدي بوزيد بطاقة صفراء لنظام الرئيس بن علي
٢٤ ديسمبر ٢٠١٠تشهد منطقة سيدي بوزيد الواقعة وسط تونس منذ أسبوع أحداث مواجهات بين قوات الأمن وشبان يتظاهرون احتجاجا على البطالة والتهميش الذي تعاني منه منطقتهم. وكان حادث محاولة انتحار أقدم عليها شاب في مدينة سيدي بوزيد قد أشعل فتيل الأحداث، التي يرى مراقبون بأنها تؤشر إلى وجود إختلالات اقتصادية واجتماعية وسياسية في تونس التي تشهد استقرارا نسبيا منذ أكثر من عقدين. وفي حوار مع دويتشه فيله يتناول خالد شوكات، رئيس مركز الدراسات حول التنمية والديمقراطية في روتردام، وهو أكاديمي تونسي مقيم بهولندا، بالتحليل خلفيات الأحداث الجارية في منطقة سيدي بوزيد، وعما إذا كانت لها خلفية سياسية.
وفيما يلي نص الحوار مع خالد شوكات:
دويتشه فيله: هل فاجأتك الأحداث التي تشهدها سيدي بوزيد باعتبارك أحد المنحدرين من المنطقة؟
خالد شوكات: من ناحية أولى فاجأتني تلك الأحداث، بالنظر للاستقرار السياسي والأمن الاجتماعي الذي تشهده البلاد منذ أكثر من عقدين من الزمن. ومن ناحية ثانية أعتقد أن ارتفاع نسبة البطالة ووجود حالات احتقان اجتماعي يمكن أن تفسر إلى حد ما حركة الاحتجاجات والاضطرابات المحدودة التي وقعت في ولاية(محافظة) سيدي بوزيد.
ولكن كيف تفسر تطور الأوضاع وبلوغها هذا الحد من المواجهات، رغم ما يتسم به الحكم في تونس من سيطرة أمنية على الأوضاع؟
أولا يتعين التأكيد على الطابع الاجتماعي الصرف لهذه الاحتجاجات، فهي حركة مطلبية شعبية اجتماعية تتعلق أساسا بمطالب تنموية وشكاوى من تفاقم البطالة وانعدام فرص العمل، وأي محاولة لإضفاء طابع سياسي على ما حدث هي محاولة للتوظيف أو الاستغلال السياسي لحركة اجتماعية عفوية.
وبرأيك ما الذي يدفع شابا إلى الإقدام على الانتحار، ثم تهب فئات من شباب المنطقة في مظاهرات ومواجهات مع قوات الأمن؟
يمكن لحادث منفرد أن يتسبب في تطورات دراماتيكية، وقد لاحظنا في بلد مثل اليونان كيف أدى حادث مصرع شاب على يد الشرطة إلى اضطرابات في اليونان البلد الأوروبي الديمقراطي. وأعتقد أن ما وقع في سيدي بوزيد كان في بدايته حادثا فرديا ولا علاقة له بأي تنظيم سياسي أو حزبي أو نقابي، وهي حادثة كان بمقدور والي (محافظ) سيدي بوزيد أو الموظفين المعنيين، حلها قبل أن تتطور الأمور. فقد كان حريا بالمسؤولين المحليين الحوار مع الشاب محمد البوعزيزي ( الذي أقدم على حرق نفسه) والتحدث معه حول مشاكله ومحاولة تسويتها. والملاحظ أن منطقة سيدي بوزيد مصنفة في تونس وباعتراف رسمي، ضمن المناطق الأقل تنمية ويعتمد سكانها على الزراعة، وأمام التطور الاجتماعي وارتفاع عدد خرجي الجامعات المنحدرين من المنطقة، أصبحت منطقتهم غير قادرة على استيعابهم وتوفير فرص العمل لهم، وظهرت في السنوات الأخيرة معضلة بطالة الكفاءات وخرجي الجامعات.
وبرأيك، لماذا اتسعت الاحتجاجات في منطقة سيدي بوزيد واكتست حدة أكبر مما حدث في السابق في مناطق أخرى؟
يتميز سكان المنطقة ببعض الخصائص مثل الحَمِية القوية وتمسكهم بالتقاليد والأخلاق والتضامن فيما بينهم. وقد غذى ذلك عملية التعاطف والتضامن الاجتماعي العفوي لدى فئات الشبان في المنطقة، مع الشاب محمد البوعزيزي، الذي يبدو أنه تعرض لحالة اكتئاب وانسداد في الأفق أمامه، مما دفعه إلى رد فعل مؤلم، من خلال إقدامه على محاولة الانتحار وإضرام النار في جسده بعد أن صب عليه مادة قابلة للاشتعال. فقد اعتبر بعض سكان المنطقة، وخصوصا هؤلاء الشبان الذين خرجوا يحتجون في الشوارع، اعتبروا أن ما تعرض له ابن منطقتهم، إنما ينم عن "حُكْرة" أي الشعور بالمهانة والاحتقار من قبل بعض المسؤولين الإداريين إزاء السكان المحليين.
تعتبر أحداث منطقة سيدي بوزيد الثالثة من نوعها في غضون عام تقريبا بعد أحداث أخرى شهدتها منطقتا الرديف المنجمية (الجنوب الغربي للبلاد) وبنقردان الحدودية مع ليبيا، كيف تقرأ هذه الأحداث في سياق تطور الأوضاع السياسية والاقتصادية في تونس؟
اعتبر أن الخيط الرابط بين كل هذه الأحداث المتعاقبة، هو كونها حركات احتجاجية اجتماعية تتصدرها مطالب توفير فرص العمل، ولا أرى أي خلفية سياسية وراءها أوجهات سياسية تحركها. واللافت في هذه الحركات الاحتجاجية أنها غالبا ما تثمر نتائج ايجابية، من خلال استجابة الحكومة للمطالب التي يرفعها المحتجون. فقد لاحظنا أن الاحتجاجات في ولاية سيدي بوزيد وصل صداها إلى الرئيس زين العابدين بن علي فأمر باتخاذ جملة من الإجراءات لتنمية المنطقة ودعم الاستثمار وإقامة 300 مشروع خاص ستديره كفاءات شابة وتم رصد 15 مليون دينار( الينار التونسي يعادل 0,55 يورو) لتمويل خطة عاجلة لتوفير فرص العمل للشباب في المنطقة. وهنالك بعض المحللين في تونس من اعتبر أحداث سيدي بوزيد بمثابة بطاقة صفراء توجهها فئات من الشعب للحكومة ولنظام الحكم، لحجم المشاكل الموجودة، وضرورة البحث عن قنوات للحوار على المستوى المحلي مع الشباب وفئات المجتمع لإيجاد حلول لها.
ألا تعتقد أن الأمر يتعلق بغياب أو ضعف الحريات والتأطير السياسي والحزبي وغياب دور المجتمع المدني؟
اعتقد أن هذه القضايا مرتبطة بملف الحريات وهو مطروح، ولكنني أرى في الأحداث الحالية في منطقة سيدي بوزيد أحداثا ذات طابع اجتماعي ولا خلفية سياسية لها، ولا تقف أية جهة سياسية معارضة خلفها، فالمعارضة أصلا ضعيفة وتواصلها مع الشارع محدود، وهذه قضية ربما تطرح على مستوى تنشيط الحياة السياسية. واعتقد أن المطلوب من النظام التونسي والرئيس بن علي نفسه فسح المجال وتوفير الفرص لأحزاب المعارضة كي تقوم بدورها في تأطير الشباب وبناء جسور وقنوات حوار دائمة تمكن من الإنصات إلى مشاغل الشباب. وبالتالي سيكون لهذه القنوات الحوارية دورا وسيطا في إقامة جسور تواصل بين المطالب الاجتماعية والمؤسسات السياسية.
نظم نشطاء سياسيون من المعارضة خارج تونس تجمعات احتجاجية أمام مقرات السفارات التونسية ببعض العواصم الأوروبية، ألا يُضفي ذلك على أحداث سيدي بوزيد أبعادا سياسية ما؟
اعتقد أن الحركة الاحتجاجية في سيدي بوزيد ليس لها أي تواصل أو علاقة بقوى سياسية معارضة خارج تونس، ولا أعتقد أن الأمر يحتاج إلى تضامن دولي. وكل ما في الأمر أن بعض النشطاء المعارضين يسعون لتحويل أمانيهم السياسية إلى حقائق على واقع الأرض في تونس. وربما هنالك أطراف من المعارضة لديها رغبة في إحداث حالة عدم استقرار في البلد، من خلال توظيف أحداث اجتماعية وصب الزيت عليها بهدف توظيفها وفق أجندتها السياسية مستفيدة من إمكانيات إعلامية تتوفر عليها، وخصوصا عبر بعض القنوات الفضائية. فما شهدته بعض السفارات التونسية في أوروبا من احتجاجات يتكرر في كل مرة تقع فيها أحداث في تونس، ولكن الشعارات السياسية التي ترفع هنا وهناك، ومصدرها إحدى جماعات المعارضة المعروفة، ليس لها علاقة في حقيقة الأمر بواقع الحركة الاجتماعية التي تقع في سيدي بوزيد أو ما سبقها من أحداث مشابهة.
أجرى الحوار منصف السليمي
مراجعة: طارق أنكاي