باحث ألماني: ثقافة الترحيب أفضل وسيلة لمكافحة الإرهاب
٢٠ سبتمبر ٢٠١٦يرأس المستشرق والصحفي والكاتب الألماني، شتيفان فايدنر، تحرير مجلة "فكر وفن" منذ عام 2001. ويصدر معهد غوته هذه المجلة الثقافية منذ عام 1963. وقد ترأس تحريرها في السنوات الأولى كل من أنا ماري شيمل، وهي واحدة من أشهر المستشرقين الألمان في العالم، والصحفي والمختص بتأريخ الفن، ألبرت تايلي. تُعنى المجلة، نصف السنوية، بالحوار بين ألمانيا والعالم العربي وكذلك بين العالمين الأوروبي والإسلامي. تتناول المجلة، بعمق، موضوعات جدلية في ميادين مختلفة منها الثقافية والاجتماعية السياسية. تطبع المجلة في كل عدد ما يقارب 20 ألف نسخة بثلاث لغات: العربية والإنجليزية والفارسية وتتيح نسخة باللغة الألمانية في موقعها على شبكة الإنترنت.
خصصت المجلة عددها الأخير لموضوع "الهجرة واللجوء". DWعربية أجرت الحوار التالي مع رئيس التحرير، شتيفان فايدنر:
DWعربية: كرئيس تحرير لمجلة "فكر وفن"، ما هو هدفكم من تخصيص العدد الأخير لموضوع "الهجرة واللجوء"؟
شتيفان فايدنر: أردنا مقاربة إشكالية "الهجرة واللجوء" من منظور جديد ومتعدد الثقافات؛ منظور جديد على العالم العربي وجديد على ألمانيا.
ورد في افتتاحية العدد: "ثمة مخاطرة لمجلة «بطيئة» تصدر مرتين في السنة أن تتناول موضوعا سريعا كملف اللاجئين يتطور في كل لحظة. بمعنى أنها قد تجد نفسها متأخرة ولن تأتي بجديد لو تناولته لأن الآخرين ربما كانوا قد ألقوا المزيد من الأضواء على كل جوانب الموضوع". برأيك إلام تعود هذه الديناميكية السريعة في ملف اللجوء؟
السرعة مسألة تتعلق بإدراك الشخص. في واقع الأمر، فإنه كانت ومنذ سنوات إشارات على قرب وقوع هذه الأزمة، غير أنه وفقط منذ السنة الماضية بدأت وسائل الإعلام، وعلى نطاق واسع، بتغطية الأزمة. ويعود سبب تغطية وسائل الإعلام لها إلى أن بعض الدول أرادت إغلاق الحدود. نريد من خلال هذا العدد من مجلة "فكر وفن" أن نعارض هذا التوجه القصير النظر لوسائل الإعلام وإعادة الأمور إلى نصابها بوضعها في منظور طويل الأمد.
ما القيمة المضافة التي قدمتموها في ملف اللجوء، لا سيما وأن وسائل الإعلام والرأي العام لا حديث لها منذ سنة إلا عن هذا الملف؟
نفسح المجال لكتاب لم يكن بالإمكان سماعهم بشكل مناسب لا هنا في ألمانيا ولا في العالم العربي. كما أننا نفسح المجال للاجئين أنفسهم للكتابة عن تجاربهم. يضاف إلى أننا نطرح تحليلات في العمق ونضع المسائل في سياقاتها المختلفة. نحن لا نثرثر هكذا ببساطة، ولكننا نفكر بما نقوله، أعني أن كتّابنا يفعلون ذلك. وهذا ما يميزنا عن باقي وسائل الإعلام.
بعد أن كانت قبل سنة من الآن على كل لسان تقريباً، ماذا بقي من "ثقافة الترحيب" اليوم؟
بداية لا بد من الإشارة إلى أن "ثقافة الترحيب" وُلدت من الحاجة إليها، بمعنى أن الواقع فرضها. قبل سنة كانت "ثقافة الترحيب" مجرد شعار وإعلان نوايا. اليوم يتم إخراج هذا الشعار إلى حيز الواقع. وهذا الإخراج صعب وفيه إثارة إعلامية أقل، غير أنه يدخل حيز الوجود الواقعي. الآن نعرف ما هي ثقافة الترحيب أو ما يجب أن تكون عليه. وأعتقد أنها ناجحة. هذا لا يعني أنها بلا مشاكل، ولم يتوقع أحد أن تكون بلا منغصات.
على العموم، أعرف من الكثير من أصدقائي المنخرطين في ملف اللجوء أن ثقافة الترحيب موجودة إلى اليوم أيضا. وحتى الساسة أنفسهم يعلمون أنه يتعين عليهم عمل المزيد. ومعظمهم يفعل ذلك.
هل ستعود "ثقافة الترحيب" غريبة عن القاموس الألماني، مثلما كانت كذلك قبل سنوات؟
لا أعتقد ذلك! أعتقد أنها ستبقى دائما في القاموس الألماني، وحتى عندما لا نستخدمها كل يوم. ولكنها ستبقى، وسيعرف الجميع ما هي وسيشعر الكثيرون بالفخر أن مثل هذا الكلمة موجودة في القاموس الألماني.
ما هي العوامل وراء التغير في المزاج العام الألماني وانقلاب "ثقافة الترحيب" إلى ما يشبه معادة الأجانب واللاجئين بشكل خاص، من قبل بعض الأوساط؟
يحاول الكثير من ساسة الأحزاب اليمينية، حزب "البديل من أجل ألمانيا" وحزب "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" (الحاكم بولاية بافاريا) استغلال حالة الشك لدى الألمان، وذلك بهدف الحصول على أصواتهم في الانتخابات. في الواقع المزاج العام ليس سلبياً، غير أن هؤلاء الساسة يستفيدون عندما يكون الوضع والمزاج العام سيئاً. وللأسف تعطيهم وسائل الإعلام منابرها ليتحدثوا منها. هذا المزاج العام مصطنع وليس طبيعياً.
هل أنهت المخاوف من الإرهاب والجدل الدائر حول البرقع والبوركيني "ثقافة الترحيب"؟
لا. الجدل حول البرقع مصطنع، لأنه لا يوجد امرأة في ألمانيا ترتدي البرقع. وهذا يظهر كيف أن حجج الأحزاب اليمينية مصطنعة وفيها القليل من الواقعية.
وبالنسبة للمخاوف من الإرهاب، هناك دائماً وأبداً خطر الإرهاب، ولكن هذا الخطر كان موجوداً أيضاً قبل أزمة اللاجئين. وحتى اليوم لم يوقع الإرهاب الإسلاموي ضحايا في ألمانيا. معظم الناس تعرف هذا ولذلك لم تزيد مخاوفهم عما كانت عليه قبل أزمة اللاجئين. ويمكننا حتى القول أن الخوف من الإرهاب قوّى ثقافة الترحيب، أي الترحيب بمن وصل ألمانيا من اللاجئين. ندرك أنه يتعين علينا الاهتمام ورعاية هؤلاء اللاجئين لكي لا يصبحوا فريسة سهلة لدعاية تنظيم "الدولة الإسلامية". ثقافة الترحيب هي أفضل وسيلة لمكافحة الإرهاب. من لديه إحساس بالمسؤولية من الساسة يعرف هذا أيضاً.
يرى أحد الكتاب المشاركين في العدد، بختيار علي، أن التصور السائد عن الفردوس الغربي ما هو إلا صورة مخادعة و"تصور غربي بحت لحكاية الهجرة". إلى أي حد تلعب التصورات المسبقة غير الصحيحة دوراً في سوء الفهم بين اللاجئين والألمان؟
في البدء لا بد أن يلتقي الطرفان ويتعرفا على بعضهما البعض. التصورات المسبقة موجودة عند الطرفيين وكذلك سوء الفهم. وهذا ليس كارثياً. عندها سيدرك الطرفان أن الكثير مما كان بتصوراتهم عن الآخر ليس صحيحاً. في معظم الحالات يتفاجأ الناس بشكل إيجابي. السيئ هو عندما لا يصحح الناس تصوراتهم المسبقة. بيد أن الناس الأغبياء فقط لا يفعلون ذلك.
كيف يمكن تجسير الهوة بين ثقافات اللاجئين والثقافة الألمانية وهناك بون شاسع بينهما؟
أعتقد أن الهوة ليست بهذا الكبر، كما يعتقد البعض. ما يجمع الألمان واللاجئين أكثر مما يفرقهم. وهناك فوارق لا تسبب مشاكل، بمعنى أنه لا يتعين علينا ردمها والتقريب بينها. وهناك بعض الفوارق المفيدة والتي تغنينا، كالفوارق في الطعام والطبخ. في أيامنا هذه يحب الكثير من الألمان المطبخ العربي. أمل بألا تختفي الفوارق بين المطبخ العربي والمطبخ الألماني، أقصد أن الطعام العربي ألذ طعماً!
من المهم أن يعرف الألمان واللاجئين بعضهم بعضاً. عندها سيتم إدراك أن معظم الفوارق ليست مشكلة والبقية الباقية من الفوارق يمكننا تدبر أمرها.
هل تعتقد أن عبارة المستشارة ميركل "نحن سننجز ذلك"، بخصوص اللاجئين والتي أطلقتها قبل سنة. قد تحققت؟ ولماذا؟
بالطبع، هذه عملية مستمرة وسنعرف بعد خمس أو عشر سنوات فيما إذا نجحنا بذلك أو لا. باعتقادي أن الوضع الآن يبدو جيداً. طبعاً لا يمكن إنكار أن مناهضي ميركل يريدون خلق الانطباع بأننا لا يمكننا إنجاز ذلك. وفي الحقيقة هم لا يريدوننا أن ننجز ذلك. وهذه عريضة اتهام في وجه سياسي حزب "الاتحاد الاجتماعي المسيحي"، الذين يفعلون ذلك ويشاركون في الحكومة في نفس الوقت. أي نوع من الساسة ذلك الذي يقول إننا لن نستطيع إنجاز ذلك؟ في كل دول العالم، من المفترض إقالة مثل هؤلاء الساسة من مناصبهم. وحتى في ألمانيا لن يكون النجاح من نصيبهم. فهم لا حلول سياسية لديهم، كل ما لديهم هو الرفض. وهم يذكروني بدونالد ترامب ومناهضي الاتحاد الأوروبي من البريطانيين. كل ما في الأمر أن عينهم على السلطة، ولا شيء غير ذلك. إنهم مستكلبون على السلطة. آمل أن يدرك الناس هذه الحقيقة ولا يمنحوهم أصواتهم الانتخابية.
أجرى الحوار: خالد سلامة
ولد المستشرق والصحفي والكاتب الألماني في مدينة كولونيا عام 1967. ترجم فايدنر لعدد من مشاهير الأدب العربي من بينهم الشاعر الفلسطيني محمود درويش والشاعر السوري أدونيس والعراقي بدر شاكر السياب. كما أصدر العديد من الكتب التي تتناول مواضيع تدور حول العالم الإسلامي. يرأس فايدنر منذ عام 2001 تحرير مجلة "فكر وفن".