انقلب السحر على الساحر.. أوروبا كلها أصبحت ناتو!
٣٠ يونيو ٢٠٢٢أضحى الطريق سالكا أمام فنلندا والسويد للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي ويمكن أن تصبح الدولتان عضوين في الناتو نهاية العام الجاري، بعد أن تخلت تركيا عن اعتراضها على انضمام الدولتين.
وفي القمة التي عقدت في مدريد وجه رؤساء ورؤساء حكومات الدول الأعضاء الدعوة رسميا للدولتين. رئيسة وزراء السويد ماغدالينا اندرسون تحدثت عن مكاسب أمنية لبلادها وكذلك للناتو. كما علق الرئيس الأمريكي جو بايدن على الحياد الطويل الأمد الذي كانت تتمتع به فنلندا مع جارتها روسيا، قائلا "إن بوتين كان يريد أن تصبح أوروبا فنلندية، وبدلا من ذلك أضحت أوروبا ناتوية"، حصل (بوتين) على تواجد واضح وقوي لقوات عسكرية من جانب الولايات المتحدة وكذلك استعداد كبير من جانب الحلفاء.
من شريك إلى عدو
واضحة هي لغة المبدأ الاستراتيجي الجديد للناتو، إذ بينما كان الكلام يدور في قمة عام 2010 حول الشراكة الاستراتيجية مع روسيا، أصبحت اليوم "روسيا هي التهديد المباشر والأهم لأمن الحلف بالإضافة إلى السلام والأمن في المنطقة الأورو-أطلسية"، الأمر الذي يستدعي إعادة توجيه سياسي وعسكري، خصوصا بالنسبة للدول الأعضاء في الحلف التي راهنت في العقود الماضية على علاقات شراكة مع روسيا.
الأمين العام للحلف ينس ستولتبيرغ قال إن "حرب بوتين خلفت أكبر أزمة أمنية منذ الحرب العالمية الثانية". هذا الأمر أدى إلى تغيير جوهري في كيفية توزيع الحلف لقواته في مهمات الردع والدفاع. "سوف نعزز قواتنا القتالية على الجانب الشرقي، ونزيد قوات الرد السريع لدينا إلى 300 ألف، وسننشر المزيد من المعدات والمزيد من مراكز القيادة"، أضاف أمين عام الحلف.
رغم هذا، يبقى تنفيذ هذه النيات بحاجة إلى تفصيل وكثير من العمل. فزيادة عديد قوات الناتو العملياتية بمقدار سبعة أضعاف - لا سيما في الدفاع عن الجناح الشرقي للحلف - تعني ارتفاعا كبيرا في الميزانيات الوطنية المخصصة للتسلح. الرئيس جو بايدن أعلن عن زيادة كبيرة في الوجود الأمريكي في أوروبا، فإلى جانب إرسال مدمرتين أخريين إلى إسبانيا، سيتم إنشاء مقرقيادة دائم في بولندا ونشر لواء قتالي في رومانيا يضم 5 آلاف جندي. كما سيتم زيادة وجود القوات الأمريكية في دول البلطيق ونشر طائرات مقاتلة إضافية من طراز F35 في بريطانيا، وكذلك تعزيز الدفاعات الجوية والقدرات الأخرى في ألمانيا وإيطاليا.
"نثبت أن الناتو مطلوب أكثر من أي وقت مضى" ، خلص بايدن بالقول. وبهذا يناقض الرئيس الأمريكي بشكل واضح موقف سلفه دونالد ترامب، الذي هدد بمغادرة الحلف في قمة الناتو عام 2018 في بروكسل. حينها استند في انتقاداته إلى حقيقة أن العديد من شركاء الناتو لاينفقون نسبة 2 بالمائة المتفق عليها من ناتجهم المحلي على التسليح والدفاع. اليوم تعتبر الـ 2 بالمائة الحد الأدنى للإنفاق على السلاح. والمستشار أولاف شولتس وعد برفع قدرات الجيش الألماني الذي يعاني من نقص التمويل.
دعم أوكرانيا في مواجهة روسيا
أمين عام الحلف ستولتنبيرغ وعد هو الآخر بدعم أوكرانيا "طالما تطلب الأمر ذلك". والرئيس الأوكراني زيلينسكي بعث برسالة فيديو إلى المشاركين في القمة، طالبا المزيد من الدعم بالسلاح. فيما قال الأمين العام إن المزيد من المعدات والأسلحة سترسل مباشرة من ألمانيا وهولندا والنرويج.
وتعليقا على الحالة المزاجية السائدة في مدريد، قال دبلوماسيون في الناتو: إن الدول الأعضاء أبدت في القمة عزما حقيقيا على مواصلة شراكة طويلة الأمد مع أوكرانيا ودعمها في كفاحها، ولا ينبغي لأحد أن يشك في هذا الالتزام، لا الحكومة ولا مواطني أوكرانيا ولا الشركاء الآخرين، حسب المصادر الدبلوماسية.
من جانبه يرى كريستوف هويسغن، رئيس مؤتمر ميونيخ للأمن، أن المفهوم الاستراتيجي الجديد لحلف الناتو يعد تعديلا ضروريا تماشيا مع الواقع الجديد. وقال هويسغن في مقابلة مع DW: "روسيا الآن عدونا، وهي دولة تنتهك القانون الدولي وترتكب جرائم حرب - ويجب على الناتو الرد على ذلك". عندما يتعلق الأمر بتسليم الأسلحة، فهو لا يريد تحليل أخطاء الماضي، بل الرد على الحاضر بأن أوكرانيا الآن في موقف دفاعي. ويضيف هويسغن: "علينا أن نفعل المزيد. يجب أن نمنحهم الدبابات الحديثة الجاهزة لدى الشركات المصنعة، يجب أن نسملها لهم".
رغم ذلك، فإن الاختبار الحقيقي لوحدة الناتو في مواجهة التهديد الروسي لم يأت بعد. "بوتين ديكتاتور وعلينا أن نقف في وجهه. يعتقد أننا لا نستطيع ذلك، وأن مجتمعاتنا منحلة وغير مستعدة لدفع ثمن حرية أوكرانيا". لكن يجب على الغرب أن يفهم أن هذا يتعلق بحريته، يقول هويسغن الذي يعتقد أن الأمر يتعلق بقيادات سياسية عليها شرح حقيقة الوضع لمواطنيها، حتى لو نفد الغاز. وهو متفائل بأنهم سيكونون على استعداد لتقديم التضحيات اللازمة.
وفيما إذا كان هيوسغن يرى سببا يدفع أعضاء الناتو للخوف، يجيب بأن بوتين انتهك كل معاهدة وكل اتفاق دولي، و"علينا إدراك أن بوتين ليس لديه أي وازع داخلي يردعه. ولهذا السبب يجب أن نشعر بالقلق. لكننا نرى التغييرات في مجالات الدفاع والطاقة، وعلينا أن نستمر في الحركة ونظهر أن لدينا المرونة اللازمة".
باربارا فيزل/ ع.خ