انقلاب عسكري بالعراق.. فكرة تدغدغ العسكريين ويحلم بها كثيرون
٢٥ نوفمبر ٢٠١٩مع دخول الحراك الشعبي العراقي شهره الثاني، لا توجد مؤشرات في الأفق تدل على حل أو محاولة جادة لحل للأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد. وفي وقت بلغت الأزمة، إثر الاحتجاجات الشعبية ذروتها، باتت البلاد أمام طريق مسدود مع تمسّك قادة الأحزاب والتيارات بمكاسبهم المالية والسياسية ورفضهم لأي تنازل، بحسب خبراء ومسؤولين.
وعلى ضوء تمسك النخبة الحاكمة بموقفها وعدم تحركها نحو حل واقعي يرضي الشارع ويعيد المياه إلى مجاريها، جاء خرق قراصنة لموقع جهاز مكافحة الإرهاب مؤخرا وما تبعه من حديث عن وجود تحرك لصالح المحتجين، وبروز فكرة الانقلاب العسكري وكأنها الحل لإنهاء الأوضاع الحالية ووضع البلاد على سكة جديدة تؤدي إلى تغيير جذري يحلم به المواطن العادي.
بيد أنه تبين فيما بعد أن الأمر يتعلق بواقعة قرصنة لا صلة لها بالواقع. ولكن السؤال يبقى مطروحا: هل يمكن أن يحدث انقلاب في العراق ينهي نظام المحاصصة الطائفية وسيطرة النخب السياسية ويصلح ما أفسده النظام السياسي ما بعد 2003، كما أصبح الحال في السودان مثلا؟
فكرة تحرك العسكر ليست ببعيدة عن الحراك الشعبي الحالي، فبدايات الاحتجاجات جاءت على خلفية حدث عسكري تمثل في تغيير قائد جهاز مكافحة الإرهاب المعروف بمواقفه أثناء معارك تحرير الموصل من قبضة تنظيم "داعش" الإرهابي واستبداله بشخص آخر في عملية تشبه المؤامرة، كما يقول بعض المطلعين على تفاصيل الأمور.
ولكن هل يمكن أن يحدث انقلاب في العراق؟ ومن المرجح أن يقود حركة من هذا القبيل؟ وهل يمكن أن يكتب النجاح للمحاولة الانقلابية؟
فكرة لم تغادر أذهان العراقيين
يعتقد الخبير العسكري العراقي معن الجبوري في حديث مع DW عربية "أن فكرة الانقلاب لم تغادر أذهان العراقيين الذين عانوا كثيرا من سوء إدارة الحكومات ما بعد 2003، حيث يحلمون أن تظهر قوة عسكرية لتغيير الواقع، على الأقل لأن الواقع السياسي لا يمكن تغييره عن طريق الانتخابات أو عن طريق التظاهرات وذلك نظرا لحجم الفساد المستشري".
ويشير الجبوري في حديثه إلى أن هناك همسا كثيرا في أروقة العسكريين عن هذه المحاولات، لكنها تبقى مجرد أفكار نظرية، ترجمتها إلى الواقع على الأرض صعبة جدا، حسب تعبيره. ويوضح الخبير العسكري سببين لذلك ويقول: "نحن نعلم أنه بعد 2003 هناك وجود أمريكي، من خلال الجيش الأمريكي، لا يمكن تجاهله ولا يمكن لأي قوى أن تعمل إلا خلال القواعد المتفق عليها في البلاد. ثانيا هناك واقع آخر ترسخ بعد عام 2011 ويتمثل في الانسحاب الأمريكي وبرز تأثير إقليمي على الواقع العراقي. لهذا لا يمكن لأي انقلاب أن ينجح ما لم يكن يحظى بدعم إقليمي ودولي حتى يترسخ الانقلاب".
انقلاب مصر والسودان حافز كبير
لكن معن الجبوري وفي حديثه مع DW عربية، يشير إلى وقائع مستجدة في المحيط الإقليمي، حيث يوضح أنه ظهرت أكثر من حركة عسكرية في الشرق الأوسط، خصوصا في مصر، حيث قاد الجيش انقلابا بقيادة عبدالفتاح السيسي. وفي السودان أخيرا انقلب الجيش على نظام الرئيس عمر البشير ليحفظ مصالحه، وحتى في الجزائر لا يزال الجيش يلعب الدور القوة المهيمنة في الحياة السياسية للمجتمع. هذه المعطيات أعطت زخما كبيرا للمؤسسة العسكرية العراقية أن تناقش الموضوع أو على الأقل أن تأخذ الفكرة مأخذ الجد.
ما الذي يمنع وقوع انقلاب؟
"لكننا نعلم أن في العراق هناك أكثر من مؤسسة عسكرية"، كما يقول معن الجبوري ويتابع "على سبيل المثال هناك مصادر متعددة للجيش، فهناك مثلا قوات البيشمركة الكردية في إقليم كردستان العراق وكذلك قوات الحشد الشعبي. وبالإضافة إلى وجود عشائر مسلحة، فإن هناك قوى عسكرية تتمتع باستقلالية القرار العسكري. ولهذه الأسباب تكون فكرة الانقلاب العسكري على ضوء تعدد مصادر قوة الجيش غير واردة وصعبة التحقيق وخطيرة أيضا"، حسب قناعة الجبوري.
كما يبدو أن فكرة الانقلاب العسكري غير مرغوب بها سياسيا من قبل قوى تدافع عن الديمقراطية في البلاد تحت كل الظروف. فالمحلل السياسي المعروف هشام الهاشمي يقول على صفحته على موقع الفيسبوك: إنه رغم شعوره بخيبة أمل تجاه قرارات الحكومة الاتحادية بالاستجابة البطيئة والتشبث بالسلطة بعد سقوط 16000 عراقي بين قتيل وجرح ومعاق، لكنه ليس مؤيدا للحل العسكري من طرفي المعادلة وأنه لا يوجد مبرر للانقلاب العسكري.
وعن الشائعات بهذا الصدد كتب الهاشمي في موقع آخر من الفيسبوك منددا بعملية القرصنة التي تعرض لها موقع جهاز مكافحة الإرهاب ومطالبا قيادة الجهاز بضرورة محاسبة المسؤولين عن حساباته ومن ثم بغلقها إذا دعت الضرورة لذلك. فالجهاز برأيه يشبه في تكوينه قوات دلتا، وهي مزيج من من نشاط استخباراتي وعمليات عسكرية خاصة، وأن له سمعة طيبة بين المواطنين يجب الحفاظ عليها، حسب ما كتبه هشام الهاشمي.
انقلاب يحقق أهدف محددة في بغداد؟
ولكن يمكن تحقيق أهداف محددة عبر تحرك عسكري "شبيه بفكرة الانقلاب"، حسب تصورات الخبير العسكري معن الجبوري ويوضح: "مثلا تغيير الحكومة من خلال تحرك قوة عسكرية كبيرة داخل العاصمة بغداد، ولكن لا يمكن لقوة عسكرية أن تتحرك لتفرض سيطرتها على كل العراق". وعموما يمكن القول، حسب رأي الخبير العسكري ان كل القرارات العسكرية والسياسية في العر اق مشتتة لا يمكن جمعها في قبضة واحدة أو وضعها تحت إمرة شخص واحد أو مؤسسة واحدة بعد عام 2003.
ألا ترغب أمريكي في تحجيم النفوذ الإيراني؟
ورغم مساع أمريكية لإحداث تغير في إيران سواء أكان عبر إسقاط النظام القائم أو عبر إضعافه إلى أقصى درجة ممكنة، إلا أن جهود الولايات المتحدة في العراق لا تذهب بعيدا لتأييد انقلاب عسكري ينهي النفوذ الإيراني في بلاد الرافدين ويزيح الأحزاب والجماعات السياسية المتحالفة مع طهران. والسبب يعود، حسب رأي الخبير العسكري معن الجبوري، إلى أن النظام السياسي القائم في العراق هو من صنع الولايات المتحدة الأمريكية والنخب الحاكمة في العراق تحظى بدعم أمريكي.
ربما تكون الولايات المتحدة ضد هذه القضية أو تلك، لكنها لن تكون مع انقلاب عسكري يقضي على ما قامت هي ببنائه خلال السنوات التي تلت غزو العراق وإسقاط نظام الديكتاتور صدام حسين. ويعلل الخبير العراقي الموقف الأمريكي بأنه يدخل في حسابات جيوسياسية للولايات المتحدة في المنطقة عموما إلى جانب أن واشنطن غير مستعدة حاليا للاهتمام بالشأن العراقي من أجل "سواد عيون بعض الجماعات العراقية"، حسب تعبير معن الجبوري.
ويشير الجبوري في حديثه مع DW عربية إلى نقطة مهمة جدا بالنسبة لتحقيق فكرة الانقلاب في العراق، فمن يقود انقلابا عسكريا عليه أن يستعد لمجازفة كبيرة تتمثل في وقوف مئات الآلاف من المسلحين في الشوارع ضده. ويضيف لا يمكن لأي قوة أن تخطو مثل هذه الخطوة دون أن يحسب حساب الخصم الذي سوف يعارض الحركة العسكرية الانقلابية، فهناك المليشيات المسلحة التي وأن خضعت للمؤسسة العسكرية، إلا أنها وفي حالة الانقلاب ستتحرك بأوامر سياسية من القوى الداعمة لها في الداخل والخارج لمواجهة الانقلابين.
أضف إلى ذلك، وحسب رأي معن الجبوري، وجود قوى عسكرية داخل مؤسسة الجش مستفيدة من الوضع الحالي ولا مصلحة لها في تغييره، سواء كان لأسباب سياسية أو لأسباب تتعلق بالفساد والمصالح المادية المربحة لها. مثل هذه القوى ستقف بكل قوة ضد أي محاولة انقلابية تغيير ميزان القوى الحالي في البلاد.
على هذا الأساس يكون طريق الانقلاب العسكري لتغيير الأوضاع في العراق محفوفا بمخاطر كبيرة، حسب قناعة الخبير العسكري معن الجبوري، وأبرز تلك المخاطر، حسب قناعته، هو انزلاق البلاد إلى حرب أهلية مدمرة، أكثر شراسة من الحرب الطائفية التي شهدتها البلاد في عام 2006.
حسن ع. حسين