اندماج المهاجرين ـ عوامل غير متوقعة لاكتساب اللغة الألمانية
٢١ أغسطس ٢٠٢٠اكتساب اللغة شرط الاندماج في المجتمع الألماني
المدرسون من خلفيات مهاجرة أنجح في تلقين اللغات
العوامل المؤثرة في اكتساب الألمانية لدى المهاجرين
زخم التنوع ـ ارتفاع مطرد في السكان من أصول أجنبية
تفاعل متبادل ـ تأثير الهجرة على اللغة الألمانية
اكتساب اللغة شرط الاندماج في المجتمع الألماني
يحتل موضوع إدماج المهاجرين أهمية خاصة في الأجندة السياسية للحكومة وعدد من الأحزاب الألمانية. وتعكس الطلبات على دورات اللغة الألمانية سواء في المدارس أو الجامعات الشعبية، الوعي بأهمية اكتساب المهارات اللغوية كشرط للاندماج الناجح. ويعتبر الخبراء تعلم اللغة بين المهاجرين واللاجئين واحدا من أكبر التحديات الاجتماعية والسياسية التي سترافق ألمانيا خلال السنوات المقبلة. ولا يزال الافتقار للمهارات اللغوية عائقا أساسيا في المدرسة وسوق العمل. ولا يزال عدد الذين يتركون المدرسة دون شهادة أعلى بمرتين بين الأطفال من أصول مهاجرة، مقارنة بالأطفال الآخرين. وهذا له تأثير أيضا على فرص الاندماج في سوق العمل.
العجز عن اكتساب المهارات اللغوية يؤدي إلى تشكيل ما يسمى بـ"المجتمعات الموازية"، ما يهدد بدوره التماسك الاجتماعي. اللغة ترتبط بشكل وثيق بأبعاد الاندماج الأخرى، بل وتعتبر مقياس الاندماج الأول. وفي الموقع الرسمي للمكتب الاتحادي لشؤون الهجرة واللاجئين يمكن قراءة ما يلي "إذا كنت ترغب في العيش في ألمانيا، يجب أن تتعلم اللغة الألمانية (..). هذا مهم في الوقت الذي ستبحث فيه عن عمل أو عليك ملء استمارات وطلبات، أو حين تسعى لدعم أطفالك في المدرسة أو ترغب في التعرف على أشخاص جدد. وفوق ذلك يتعين عليك معرفة بعض الأشياء الأساسية عن تاريخ ألمانيا وثقافتها وقانونها".
المدرسون ذوي الخلفيات المهاجرة أنجح في تلقين اللغات
يبدو أن المدرسين من خلفيات مهاجرةمزدوجي اللغة أفضل في تدريس اللغات من زملائهم الآخرين. وتم رصد تطور مهارات القراءة لدى طلابهم بشكل أفضل. كان هذا ضمن النتائج الرئيسية لدراسة أجراها باحثون بإشراق الدكتورة ليزا صوفي هوكل من Essen RWI، في معهد لايبنيز للبحوث الاقتصادية. فباعتبار تجاربهم وخبرتهم الخاصة في تعلم اللغة / اللغات، أظهرت الدراسة أن التحدث بلغتين يجعل الأستاذ مهيئ بشكل استثنائي لتعليم اللغات وتدريسها.
منابر إعلامية ألمانية اهتمت بشكل ملفت بهذه الدراسة، فقد أكدت إلونا توميك في موقع "بيزنس إنسايدر" (14 أغسطس / آب 2020) أن عدد أطفال المدارس في ألمانيا دون سن 15 عامًا من أصول مهاجرة يقارب 33% من مجموع التلاميذ في البلاد. ليزا صوفي هوكل صاحبة الدراسة أوضحت أن المدرسين من أصول مهاجرة لهم تأثير إيجابي على أداء القراءة لدى الطلاب. ومع ذلك، فمن الواضح حتى الآن أن تمثيلهم ناقص في المدارس الألمانية، إذ لا تتجاوز نسبتهم ثمانية بالمائة من أعضاء هيئة التدريس. وأوضحت أنه "من الضروري إجراء مزيد من البحث من أجل التمكن من استخدام معرفة وخبرة المعلمين مزدوجي اللغة بشكل أفضل من أجل تطوير أساليب تدريس اللغة التي تعمل على تحسين فهم اللغة لدى الطلاب من أصل محلي وأجنبي".
العوامل المؤثرة في اكتساب اللغة الألمانية لدى المهاجرين
يؤكد خبراء تعليم اللغة على ثلاثة عوامل رئيسية: الدوافع، فرص التعلم، والكفاءة في التعلم. في دراسة أجراها المكتب الألماني لشؤون الهجرة واللجوء عام 2017 تم فحص العوامل الفردية المحددة التي تؤثر على العوامل الرئيسية الثلاثة لتعلم اللغة. وتأكد أن الاستعداد الفردي للتعلم له تأثير كبير على اكتساب اللغة الألمانية، بما في ذلك الخبرة السابقة في تعلم لغات أخرى. بالإضافة إلى ذلك، الفرص المتاحة للتعلم على شكل دروس منظمة، أو عوامل الحياة اليومية التي تساعد المتعلم على ممارسة وتحسين مهاراته اللغوية. القدرة على اكتساب الألمانية له علاقة أيضا بمدى الاهتمام بالثقافة الألمانية.
الدراسة أوضحت أن اكتساب اللغة الألمانية بشكل سريع وناجح، له علاقة مباشرة بالتدريب اللغوي الممنهج، كما الاستخدام المستقل والعملي للغة خارج سياق الدروس. وعلى المدى الطويل يجب تطبيق المعارف اللغوية في بيئة طبيعية، حتى لو تم ارتكاب الكثير من الأخطاء في البداية. مقارنة بالعوامل المؤثرة الأخرى على مهارات القراءة، رصدت الدراسة تأثير المدرسين ذوي الخلفية المهاجرة، إذ كان أكبر بمرتين من تأثير عامل الجنس (متوسط ميزة الإناث بالمقارنة مع الذكور على سبيل المثال).
زخم التنوع ـ ارتفاع مطرد في السكان من أصول أجنبية
يشهد عدد سكان ألمانيا من أصول مهاجرة ارتفاعا مطردا. وحسب بيانات المكتب الفدرالي للإحصاء لعام 2017، يعيش في ألمانيا 19.3 مليون نسمة من أصول مهاجرة، أي بزيادة قدرها 4.4 في المائة مقارنة بعام 2016. وبلغت نسبة هذه الفئة من مجموع السكان 23.6٪. ويحمل حوالي 51 في المائة من السكان ذوي الأصول المهاجرة جنسية ألمانية، فيما يملك 49 في المائة جواز سفر أجنبي.
ويعيش في ألمانيا حوالي ثلاثة ملايين مواطن من أصل تركي (14% من مجموع السكان من أصول أجنبية). ومن إجمالي 24 مليون أسرة في ألمانيا، تتحدث 2.5 مليون منها لغة أجنبية. واللغات الأجنبية الأكثر شيوعًا هي التركية والروسية والبولندية والعربية. وبهذا الصدد كتب ديرك شومر موقع "فيلت" (11 أبريل/ نيسان 2016) "في منازل اللاجئين بألمانيا، غالبًا ما لا تفهم المجموعات العرقية المختلفة بعضها البعض على المستوى اللغوي (..)، إنه برج بابل، الذي تسبب، وفقًا للرواية التوراتية، في حدوث ارتباك للغات في جميع أنحاء العالم من خلال انهياره في بلاد ما بين النهرين".
وبمناسبة يوم اللغة الألمانية (14 سبتمبر/ أيلول 2019) نشر المكتب الفدرالي للإحصاء أحدث الأرقام بشأن الممارسات اللغوية بألمانيا اعتمادا على بيانات عام 2018. وظهر أن التحدث باللغة الألمانية يتم بشكل أساسي في 63 بالمائة من الأسر التي يوجد فيها شخص واحد على الأقل من أصول مهاجرة. وهناك سبعة بالمائة فقط من الأسر التي تتحدث التركية كلغة الرئيسية، فيما تتحدث خمسة بالمائة من الأسر الروسية بشكل أساسي. وتشكل اللغة البولندية والعربية ثلاثة بالمائة لكل منهما، وفقًا لتلك البيانات.
تفاعل متبادل ـ تأثير الهجرة على اللغة الألمانية
الهجرة تترك بلا شك بصماتها على الثقافة الألمانية، وعلى اللغة الألمانية بشكل خاص. فهل تغني هذه التأثيرات هذه اللغة أم أنها بالعكس تضر بها؟ التأثير يلاحظ خاصة في اللغة العامية. ويتم تبسيط اللغة فيزداد التباعد بين اللغة العامية واللغة المكتوبة. في الوقت نفسه، تتزايد مفردات المعجم الألمانية التي تتضمن الآن 5.3 مليون كلمة، والاتجاه آخذ في التصاعد. فاللغة تخترق كما هي قابلة للاختراق، فهي تمتص الكلمات والتراكيب من اللغات الأخرى. اللغة التركية على سبيل المثال، أغنت بكلمات كثيرة المعجم الألماني.
هناك اتجاه نحو التبسيط كلما التقت مجموعتان لغويتان يتم استبعاد كل شيء يجعل اللغة معقدة بشكل غير ضروري، كما يوضح الكاتب والصحفي ديتر إي زيمر في كتابه "هكذا يتعامل الإنسان مع اللغة"، وقال بهذا الشأن "عندما تسود التعددية اللغوية، يتم القضاء على كل شيء غير ضروري للتواصل، لذلك يتم تفكيك القواعد المعقدة ويتم تبسيط الهياكل - ليس فقط في اللغة الألمانية، ولكن أيضًا في اللغة الأم للمهاجرين. عالم اللسانيات أوفه هينريش بحث عن تأثير لغات المهاجرين على الألمانية لسنوات ونشر نتائجه في عام 2013 في كتاب “Multi Kulti Deutsch (الألمانية المتعددة الثقافات). وأوضح كيف تغير الهجرة اللغة الألمانية ". ويرى هينريش أن الاستخدام الشفوي للغة الألمانية سيبتعد بشكل متزايد عن القواعد المكتوبة في المستقبل.
حسن زنيند