انتشار النقاب في تونس بين الحرية الشخصية وتهديد الحداثة
٣١ ديسمبر ٢٠١١يواصل طلبة كلية الآداب في الجامعة التونسية بمنوبة وسط العاصمة اعتصامهم منذ بداية العطلة الشتوية، أي قبل حوالي شهر، وذلك للمطالبة بمنح مرتديات النقاب حق الالتحاق بالدراسة هناك، الأمر الذي يمنعه حتى الآن قانون المجلس العلمي للكلية الصادر بعد الثورة التونسية.
هذا الاعتصام يشكل مرآة للمجتمع التونسي، الذي بدأت ملامحه بالتغير بعد عام واحد على مضي الثورة. فالنساء القليلات اللواتي كن يرتدين الحجاب قبل الثورة أصبحن اليوم أكثر عدداً، والرجال اللذين كانوا لا يطلقون اللحى بسبب القبضة الأمنية التي تتربص بكل متدين بدؤوا بإطلاق لحاهم تعبيراً عن تدينهم.
اليوم أصبحت ظاهرة ارتداء الحجاب والنقاب أكثر شيوعاً من ذي قبل، وهي من وجهة نظر الطلبة المعتصمين في جامعة منوبة حرية شخصية لا يمكن مصادرتها، إذ يقول عصام خزري، طالب كلية الآداب تخصص لغة إنجليزية، لدويتشه فيله: "ندافع من خلال اعتصامنا عن مطلبين أساسيين: حق المنقبة في الدراسة، والحق في مصلى داخل الجامعة. فالآن بعد الثورة لا يمكن أن نقبل أن تصادر حرية اللباس لأي طالب طالما لم تخل بالآداب (العامة)".
"الحجاب هو المفروض وليس النقاب"
طالبة أخرى منقبة رفضت الإدلاء باسمها أكدت أن "من حقي الدراسة وأداء الامتحانات. لقد أعطيتهم (إدارة الجامعة) حلولاً كثيرة. لكنهم رفضوا. قلت لهم إنني مستعدة أن أكشف وجهي أمام أي امرأة لتتثبت من هويتي ... أريد حريتي في دولة ديمقراطية تنادي بالديمقراطية، لأنني طالبة تونسية مضطهدة في بلد مسلم". الرد جاءها من رتيبة الزمني، الطالبة المحجبة في الكلية ذاتها، بأن الإسلام لم يفرض النقاب ولم يطلب من المرأة ارتداءه، بل الحجاب فقط.
وتضيف رتيبة أنه حتى في بيت الله الحرام وأثناء موسم الحج، تكون المرأة محجبة سافرة الوجه مكشوفة اليدين، معتبرة، في حديث مع دويتشه فيله، أنها "ضد النقاب لأن النقاب، حسب رأيي، ضد التواصل ولا يمكن للمنقبة أن تتواصل في ظل هذا الإطار. وبالتالي إذا كانت منقبة وتلتزم بشروط النقاب، فليس لها الحق في القدوم إلى الجامعة، وليس لها الحق في أن تدرّس أو تدرس أو تتواصل مع الرجال".
وإن كانت ظاهرة الحجاب والنقاب قد انتشرت بقوة خلال السنة الأخيرة في تونس، بسبب سقوط نظام كان يتعامل بشدة مع المنقبات، فإن هناك من ينظر إلى هذه المسالة اليوم من زاوية أخرى. فصعود حركة النهضة الإسلامية إلى الحكم في تونس وفوزها بالأغلبية في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، وسيطرتها على المناصب العليا في الحكومة المؤقتة، جعل الكثيرين يعتقدون أن الحجاب والنقاب جاء نتيجة لهذه السيطرة.
مجاملة لحركة النهضة الإسلامية؟
إلا أن المحلل السياسي التونسي صالح عطية يذهب إلى غير هذا التفسير، ويقول لدويتشه فيله: "أنا لا أعتقد أن امرأة ترتدي نقاباً تجامل حركة النهضة. الأكيد أن المرأة التي ترتدي النقاب أو تتحجب تحتاج إلى الكثير من القناعات الفكرية والأيديولوجية لتضع هذا النقاب أو الحجاب على وجهها. المرأة التونسية عانت الويلات خلال حكم المخلوع (زين العابدين بن علي)، خاصة النساء اللاتي كن يردن أن يرتدين الحجاب. ونعلم جيداً الممارسات التي كنا نعاني منها دائماً، من نزع الحجاب عن النساء في مراكز الأمن وفي الشارع. ولم يكن هناك أحد يتدخل ويقول لا لذلك. فإن شيوع هذه الظاهرة يبدو كردة فعل على الضيق الذي عاشته المرأة في السنوات السابقة، وكنوع من إبراز الحرية".
أما عن دخول المنقبات الجامعة التونسية ودراستهن بالنقاب، وهو ما ترفضه إدارة الجامعة اليوم، فيضيف عطية أنه "لا يمكن أن نمنع طالبة اختارت لباساً ما من دخول الجامعة. إذا كان هذا النقاب يثير (مخاوف) الأمن، في تقديري عليهم أن يتثبتوا من هوية الطالبة بطريقة ما. لكن لا يمكن أن تمنع اليوم الطالبة في الجامعة التونسية أن تلبس بالطريقة التي تريدها، رغم أنني شخصياً ضد النقاب ولا أعتقد أنه من الدين أصلاً. لكن هذه حرية وموضوع جوهري، مثل ما نتحدث عن حرية الطالب وحرية الجامعي في الأكل والشرب. لماذا لا نقبل أن تدخل الطالبة المنقبة قاعة الدراسة. لماذا نعزلها نحن بقرار لا اعتقد أن يكون ممكناً اليوم في تونس التي نريدها حرة".
رفيقة جليدي أستاذة لغة عربية متحجبة، تقول، بعد سؤالها عن مس النقاب أو الحجاب بحداثة المجتمع التونسي، إنه "لا بد أن ننظر أولاً للنساء المحجبات اليوم. فعقلياتهن متفتحة ووسطية وبعيدة عن التحجر. إنهن من نخب المجتمع ومثقفات، والأكيد أنهن سيمثلن مناعة لعدم ارتداد المجتمع إلى الوراء". وتعتبر رفيقة أن المجتمع التونسي مجتمع مسلم منفتح على الغرب، وهي لا ترى في الحجاب أمراً يتعارض مع الحداثة، خاصة في ظل مجتمع مدني وحراك فكري وثقافي وسياسي. لكنها في المقابل تقر أن الإقبال على النقاب قد يعبر عن رغبة لدى المرأة في الرجوع إلى الوراء، وترى فيه خطراً على حداثة المجتمع التونسي.
ويبقى السؤال المطروح اليوم داخل مجتمع تونسي عرف في وقت وجيز تحولات جذرية على كل الأصعدة: هل ستستمر ظاهرة الحجاب والنقاب في الانتشار لدى المرأة التونسية؟ الإجابة عن هذا التساؤل ترتبط حتماً بحراك المجتمع، لأن الموضوع يثير الآن جدلاً واسعاً بين أفراد المجتمع، والأكيد أن هذا التجاذب سيولد نموذجاً بعينه. لذلك يرى المحلل السياسي صالح عطية بأن على المجتمع السماح "للناس بأن يعبروا عن آرائهم وميولهم، وأن تختار المرأة لباسها وحريتها الشخصية. ثم بعد ذلك سيولد المخاض الذي سيمر به المجتمع التونسي طبيعة جديدة".
مبروكة خذير/ تونس
مراجعة: ياسر أبو معيلق