انتخابات الجزائر.. ما الذي يجعل فوز تبون بعهدة ثانية منتظرا؟
٦ سبتمبر ٢٠٢٤مؤشرات كثيرة تشير إلى فوز دون عناء للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بولاية جديدة، من ذلك وجود مرشحين فقط، وتقديم مؤسسة الجيش والأحزاب الكبرى إشارات واضحة على دعمه.
السؤال الأبرز لكل من يتابع الانتخابات الجزائرية هو: هل النتيجة محسومة مسبقاً لصالح ولاية ثانية على التوالي لصالح الرئيس عبد المجيد تبون؟ في السابع من سبتمبر/أيلول، سيكون الجزائريون مع انتخابات رئاسية، كثير من المؤشرات تشير إلى فوز جديد لتبون فيها، وسط توقعات بنسبة مقاطعة مرتفعة.
تجري هذه الانتخابات وسط أجواء محتقنة، فنهاية شهر أغسطس/آب الماضي، تم اعتقال السياسي المعارض فتحي غراس وفقا لزوجته وجماعة حقوقية جزائرية. وقبل ذلك بأشهر عنونت منظمة العفو الدولية تقريرا لها بـ"الجزائر..خمس سنوات بعد حركة الحراك الاحتجاجية، يستمر القمع دون هوادة".
"تظل العملية السياسية في الجزائر تخضع لنفس المنطق: السلطة، ممثَّلة في القيادة العليا للقوات المسلحة، تقدّم مرشحها وحوله عدد من الكتاكيت من أجل الديكور الانتخابي. الجميع، في مقدمتهم باقي «المترشحين»، يعلمون أن هذا المرشح هو الذي يفوز، منذ الدور الأول، بنسبة عالية وبفارق ساحق عن ما يسمى منافسيه" يقول محمد هناد أستاذ سابق للعلوم السياسية بجامعة الجزائر، لـDW عربية.
منافسان بحظوظ متواضعة؟
يجد الرئيس تبون نفسه في هذه الانتخابات أمام منافسين اثنين فقط، تم قبول ملفيهما من أصل 16 سياسيا كانوا قد تقدموا بطلب الترّشح في الانتخابات. الأول هو حساني شريف عبد العالي،رئيس حزب "حركة مجتمع السلم" الإسلامية، المحسوبة على الإخوان المسلمين، الذي يعدّ حالياً أكبر تنظيم إسلامي سياسي في البلد، كما يعدّ الحزب أكبر قوة معارضة داخل البرلمان (المجلس الشعبي الوطني)، إذ يملك 65 مقعدا من أصل 407.
وكانت الحركة قد قاطعت الانتخابات الرئاسية لعام 2019 وبرّرت ذلك بغياب الشفافية وعدم تلبية مطاب الحراك الشعبي، وجاءت تلك الانتخابات في فترة خرج فيها مئات الآلاف من الجزائريين ضد عهدة رابعة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
المرشح الثاني هو يوسف أوشيش، أصغر مرشح في تاريخ كلّ الانتخابات الرئاسية الجزائرية، إذ لا يتجاوز عمره 41 عاما. وهو مرشح حزب جبهة القوى الاشتراكية، أحد أقدم الأحزاب الجزائرية، والذي عرف بمواقفه المعارضة وقاطع الكثير من الانتخابات، كما عرف بالتحدث بلسان منطقة القبايل الأمازيغية، لكنه بدأ يشارك في بعض المواعيد الانتخابية منذ 2012.
ولا يملك حزب جبهة القوى الاشتراكية أيّ مقاعد في المجلس الشعبي الوطني بعد قراره بمقاطعة الانتخابات التشريعية لعام 2021، فيما حقّق نتائج ضعيفة نسبيا في الانتخابات المحلية للعام ذاته.
وكان هناك عدد من المرشحين في المراحل الأولى، منهم زبيدة عسول، المحامية ورئيسة حزب "الاتحاد من أجل التغيير والرقي"، وسعيدة نغزة رئيسة الكونفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية، وبلقاسم ساحلي رئيس التحالف الوطني الجمهوري، لكن لم يتم اعتماد ملفهم من طرف المحكمة الدستورية الجزائرية.
"من خلال استبعاد العديد من المرشحين الرئاسيين، فعل النظام الجزائري كل ما بوسعه لضمان فوز الرئيس الحالي تبون في الانتخابات"، كما تؤكد ماريا يوزوا، الباحثة في شؤون الجزائر في المعهد الألماني للدراسات الدولية والإقليمية لـ DW، لافتة إلى أنه من المدهش استبعاد مرشحين معارضين معروفين بولائهم، إذ جرت العادة سابقا أن مرشح الحزب الحاكم يفوز بعدة نقاط إضافية من خلال السماح بتشتيت المعارضة.
دعم سياسي وعسكري لتبون
حظوظ كبيرة لتبون الذي يدخل الانتخابات كمرشح مستقل للمرة الثانية بعد عام 2019، إذ يحوز دعم ما يعرف بـ"أحزاب الموالاة"، وهي جبهة التحرير الوطني ( صاحب أكبر مقاعد في مجلس الشعب بـ98 مقعدا)، التجمع الوطني الديمقراطي، حركة البناء الوطني وجبهة المستقبل، وقد أعلنت بشكل صريح دعم تبون لولاية ثانية، وقد أسست، قبل الانتخابات بشهور، تحالفا سياسيا بـ"هدف تحقيق إجماع وطني وبناء جزائر قوية"، لكن التحالف لم يستمر.
كما يحصل تبون على دعم مؤسسة الجيش ذات النفوذ القوي في البلاد، وكان لها دور كبير في دعمه للوصول إلى منصب الرئاسة عام 2019 في عهد رئيس الأركان السابق محمد قايد صالح، كما تميزت علاقته مع رئيس الأركان الحالي السعيد شنقريحة بكثير من الاستقرار، وهناك إشارات متعددة إلى أن مؤسسة الجيش تراه مناسبا للاستمرار، خصوصا بعد مقال نشرته مجلة الجيش، بداية هذا العام، تحدث عن "الإنجازات التي تجسدت لحد الآن، وصواب نهج الرئيس الإصلاحي".
نسب مشاركة ضعيفة
غير أنه رغم توقع فوز تبون، فإن السلطة تبحث عن نسب مشاركة مرتفعة عكس ما جرى في انتخابات 2019 التي لم تتجاز النسبة فيها 39.9. يعلق هناد بالقول إن "المشكل الذي يؤرِّق السلطة حاليا هو الخوف من مواصلة المواطن عزوفه عن التصويت. وعليه فالرهان الحقيقي للسلطة هو كيفية ضمان نسبة مشاركة مرتفعة، وهذا ما نراه في تركيز الإشهار الرسمي على المرشحين الثلاثة، استجابة لتعليمات السلطة".
أهمية نسبة المشاركة في تصور السلطة حسب هناد هو أن "يكسب فوز مرشح السلطة مشروعية تسمح له بمواجهة الاتهام بالتزوير. لكن حسب الأصداء التي تصلنا من الرأي العام، نسبة المشاركة هذه ستكون ضعيفة"، يوضح الخبير.
حافظ الغويل، باحث بارز في جامعة جونز هوبكنز بواشنطن، يؤكد بدوره لـ DW أن الكثير من الناس لن يصوتوا. "الناس يعرفون نتيجة الانتخابات ولن يكلفوا أنفسهم حتى عناء التظاهر بأنهم يصوتون"، مستدركا: "لكن العديد من الرؤساء العرب أدركوا أن أفضل طريقة للبقاء في السلطة هي من خلال الانتخابات لأنهم بحاجة إلى الظهور كقادة شرعيين"، يقول الغويل.
تحديات داخلية
يعتمد اقتصاد الجزائر على صادرات الغاز، واستفادت من الغزو الروسي لأوكرانيا لتجديد العلاقات مع الدول الأوروبية في مجال إمدادات الطاقة، وأثمرت الخطوة لتصبح الجزائر "واحدة من أربع دول فقط في العالم تجاوزت العتبة من تصنيف الدخل المتوسط الأدنى إلى المتوسط الأعلى"، وفقا لأحدث تقرير سنوي لتصنيف الدخل من البنك الدولي.
لكن في الوقت نفسه، لا تزال معدلات التضخم مرتفعة عند حوالي 9 بالمئة وتظل معدلات البطالة قضية. على الرغم من أن الجزائر لم تنشر أرقاما رسمية منذ عام 2019، تشير منظمة العمل الدولية إلى أن معدل البطالة العام يبلغ حوالي 12 بالمئة، وبطالة الشباب إلى 31 بالمئة. ومع ذلك، يفترض أن هذه المعدلات قد انخفضت خلال العام الماضي.
ومع ذلك، بالنسبة لماريا يوزوا، فإن المشاكل التي أدت إلى حراك عام 2019 -الذي أدى إلى تنحي الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة عن الحكم- لا تزال موجودة بل تفاقمت، ومن ذلك "البطالة، واستمرار نموذج اقتصادي أحادي الجانب يعتمد فقط على صادرات الغاز، والفساد بين النخب، وغياب المشاركة الديمقراطية للشعب"، كما تؤكد المتحدثة.
لكن الخارج، تحديدا الاتحاد الأوروبي، يرغب في بقاء الوضع على ما هو عليه: "الفاعلون الدوليون يرغبون في ضمان بقاء الوضع في الجزائر على حاله حتى تتدفق صادرات الغاز دون انقطاع، وهو ما تعتمد عليه إيطاليا بشكل خاص الآن"، تقول يوزوا، مؤكدة أن عدم الاستقرار في منطقة الساحل، يعطي مشروعة أخرى للنظام الجزائري كضامن للأمن في المنطقة.