انتخابات التجديد النصفي.. أمريكا "المنقسمة" على مفترق طرق!
٨ نوفمبر ٢٠٢٢خلال انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة عام 2014، كان الإقبال على صناديق الاقتراع ضعيفا إذ كانت نسبة المشاركة أقل من 42 بالمائة، لكن بعد أربع سنوات وتحديدا في منتصف ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب ارتفعت هذه النسبة لتتجاوز عتبة الـ 53 بالمائة، وفقا لبيانات مكتب الإحصاء الأمريكي.
وتتسم انتخابات التجديد النصفي بأهمية كبيرة في الولايات المتحدة لأنها تُجرى بعد سنتين من انتخاب الرئيس، ما يعني أنها تعقد بين اقتراعين رئاسيين. ويتم خلالها انتخاب جميع أعضاء مجلس النواب وثلث أعضاء مجلس الشيوخ وحكام 35 ولاية فضلا عن انتخابات مناصب قيادية وتنفيذية على المستوى المحلي.
ويتوقع براندون كونراديس، الصحافي المتخصص في تغطية الانتخابات الأمريكية في موقع "ذا هيل" والكاتب السابق في مؤسسة دويتشه فيله DW، أن يقدم الكثير من الناخبين الأمريكيين على الإدلاء بأصواتهم خلال انتخابات التجديد النصفي هذه لعام 2022.
وفي مقابلة مع DW، قال كونراديس إنه وفقا "لبيانات التصويت المبكر، فإن نسبة الإقبال ربما تكون أعلى بكثير من نسبة التصويت خلال انتخابات التجديد النصفي السابقة". وأضاف "أعتقد أن هذا يعد مؤشرا على تزايد المخاوف حيال وضع الولايات المتحدة في الوقت الحالي".
أمريكا "المنقسمة"
وتجرى انتخابات التجديد النصفي في وقت تشهد فيه البلاد استقطابا كبيرا ظهر جليا من خلال ردود الفعل حيال قرار المحكمة العليا بإلغاء الحق الدستوري في الإجهاض الذي امتد لقرابة نصف قرن، إذ يعود لقضية "رو ضد وايد" التي رفُعت عام 1973.
وجاء في حيثيات الحكم الذي صدر في يونيو/ حزيران الماضي أن "الحكم الصادر عام 1973 وسمح بالإجهاض قبل أن يتمكن الجنين من الحياة خارج الرحم، بين 24 و28 أسبوعا من الحمل، كان خاطئا لأن الدستور الأمريكي لا يأتي بالتحديد على ذكر حقوق الإجهاض".
وسادت مخاوف بين الليبراليين حيال الحكم الذي قالوا إنه انتزع حقا أساسيا، فيما لاقى القرار ترحيبا من المحافظين الذين اعتبروه بمثابة انتصار كبير.
ويرى مراقبون أن حالة الاستقطاب الشديدة في الوقت الراهن قد تدفع الناخبين من كلا المعسكرين إلى التوجه صوب صناديق الاقتراع للتأكيد على تواجدهم ومنع أي طرف من تعزيز قوته.
وإزاء قضية الإجهاض، يرغب الناخبون المؤيدون للحزب الديمقراطي في الولايات التي ينافس فيها الحزب على المناصب السياسية المحلية هذا العام، في ألا يكون حاكم من الحزب الجمهوري منوطا به تقرير حق المرأة في الإجهاض من عدمه.
في المقابل، يخشى الناخبون المؤيدون للحزب الجمهوري من تعرض اقتصاد البلاد لحالة ركود، فيما يلقون باللوم والمسؤولية على الرئيس الحالي جو بايدن المنتمي للحزب الديمقراطي، عن الأوضاع الاقتصادية الراهنة، وسط آمال بأن يتمكن مرشحو الحزب الجمهوري من الفوز بالانتخابات النصفية هذه لإحداث التغيير.
وفي مقابلة مع DW، قالت لورا ميريفيلد ويلسون، أستاذ مساعد في العلوم السياسية بجامعة إنديانابوليس، إن التضخم والقضايا الاقتصادية والجريمة تعد "عوامل هامة للناخب المحافظ في الوقت الحالي، وهي أيضا قضايا رئيسية يتحدث عنها مرشحو الحزب الجمهوري". وأضافت أنه "بالنسبة للديمقراطيين، فإن قضية الإجهاض تعد محورية وتحتل أهمية كبيرة"، مشيرة إلى أن الناخب الديمقراطي يساوره القلق من أن قرار المحكمة بإلغاء "حكم رو ضد ويد" قد يمهد الطريق أمام المحكمة ذاتها للنظر في قضايا اجتماعية أخرى قد يشمل تقييد حقوق المثليين.
تزايد حضور رافضي نتائج الانتخابات بين الجمهوريين
يشار إلى أنه في حالة خسارة الحزب الديمقراطي السيطرة على أحد مجلسي الكونغرس أو كليهما، فإن هذا من شأنه أن يُعقد العامين الباقيين من ولاية الرئيس جو بايدن، إذ سيكون تمرير أي تشريع في الكونغرس أمرا بالغ الصعوبة بالنسبة لإدارته.
لكن ويلسون ترى أن قضية الانتخابات هذا العام لا تتعلق فقط بالحزب الذي سوف يمتلك أغلبية في الكونغرس، وإنما يتجاوز ذلك إلى أن العديد من مرشحي الحزب الجمهوري الذين يتنافسون على مناصب سياسية محلية أومقاعد مجلسي النواب والشيوخ، يدعمون صراحة ادعاء الرئيس السابق دونالد ترامب بأن الانتخابات الرئاسية عام 2020 قد "سُرقت" منه، ويزعم أنه كان سيفوز على بايدن لولا التلاعب في نتائج الانتخابات، رغم عدم صحة مثل هذه المزاعم.
وتعد الصحافية والمذيعة السابقة كاري ليك التي تنافس على مقعد حاكم ولاية أريزونا، من بين المرشحين الذين ينكرون فوز جو بايدن بالانتخابات بشكل صحيح. وكانت ليك، التي تعد من أكثر المدافعين عن ترامب، قد ذكرت في مقابلة أُجريت معها في يونيو/ حزيران الماضي إبان الانتخابات التمهيدية "لسوء الحظ سُرقت الانتخابات ولدينا حاليا رئيس غير شرعي في البيت الأبيض".
بيد أن ليك ليست الوحيدة في الترويج لمثل هذه المزاعم، إذ ينضم إلى القائمة مارك فينشيم المرشح الجمهوري الذي ينافس على منصب سكرتير ولاية أريزونا. ويشار إلى أن فينشيم قال إبان انتخابات عام 2020 إنه لم يكن ليوقع على فوز بايدن في ولاية أريزونا التي نجح بايدن في الفوز بها على ترامب وإن كان بفارق ضئيل بعد تأكيد ذلك بإعادة فرز الأصوات.
التاثير على الانتخابات الرئاسية المقبلة
يرى مراقبون أنه في حال فوز فينشيم وليك، فمن شأن هذا الأمر أن يمهد الطريق أمام تولى شخصيات تنكر نتائج الانتخابات مناصب تشرف على سير العملية الانتخابية. والجدير بالذكر أن النظام الانتخابي في الولايات المتحدة ينص على أن القيادة المحلية على مستوى الولاية هي المنوط بها مسؤولية تنظيم عملية الاقتراع والتصديق على نتائج الانتخابات.
وقد ذكرت نشرة "تقرير كوك السياسي" الإخبارية غير الحزبية، أن السباق إلى منصب حاكم ولاية أريزونا أصبح بمثابة "رمي العملة بالهواء".
لكن جيسيكا تيلور، الصحافية المتخصصة في الشأن الداخلي في نشرة "تقرير كوك السياسي"، قالت إن حظوظ كاري ليك كبيرة للفوز، مضيفة "هذا الأمر سوف يؤثر حقا على انتخابات عام 2024".
وفي مقابلة مع DW، قالت "إذا حاول ترامب - كما نتوقع – المضي قدما في ترشيح نفسه مجددا للرئاسة الأمريكية، فإن الأمور قد تنقلب رأسا على عقب بشكل مغاير عن ما حدث في انتخابات عام 2020 وذلك في حال وجود شخصيات تدعمه في بعض هذه الولايات المتأرجحة، هي على استعداد لقلب نتائج الانتخابات أو حتى العمل مع الهيئة التشريعية على مستوى الولاية لتحقيق هذا الأمر".
ولا يتوقف الأمر على وجود مرشحين يخوضون غمار انتخابات التجديد النصفي تنكر فوز بايدن عام 2020 وإنما يمتد ذلك إلى تنافس مرشحين لا يعترفون بصلاحية الحكومة الأمريكية الحالية أصلا! ويرى كونراديس أن هذا الأمر قد يذكي حالة الخوف حيال الانتخابات النصفية. ويقول إن الولايات المتحدة لم تشهد على مدار التاريخ وجود هذا العدد الكبير من المرشحين الذين ينكرون صراحة أن بايدن قد وصل إلى البيت الأبيض بطريقة نزيهة وعادلة، مضيفا "إننا نمر بلحظة استثنائية في التاريخ الأمريكي".
كارلا بليكر / م ع