الوجه الآخر لشخصية "المفتش ديريك" الألماني
١٤ مايو ٢٠١٣حققت شخصية "المحقق ديريك" شهرة معقولة في ألمانيا وهو أمر ربما كان متوقعا لكن المفاجئ كان تحقيق شخصية هذا المحقق المتواضع والذي لا يمتلك حياة خاصة مثيرة للاهتمام، نجاحا على مستوى العالم لدرجة أن صورة ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية ارتبطت في 102 دولة حول العالم بشخصية الممثل التليفزيوني هورست تابرت الذي لعب الدور. ولم تقف المفاجآت عند هذا الحد إذ تم اكتشاف أن تابرت أخفى مشاركته في وحدة "فافن إس إس" النازية الخاصة الأمر الذي أثار موجة شديدة من الجدل.
قنوات تليفزيونية توقف عرض المسلسل
اهتمت الصحف الفرنسية والبريطانية والسويسرية كثيرا بهذا المعلومة الجديدة حول حياة الممثل الذي حقق شهرة واسعة تجاوزت حدود ألمانيا وتحول تابرت فجأة إلى الرجل الشرير. واتخذت محطة "ماكس" الهولندية الخاصة إجراءا سريعا إذ أعلنت القناة وقف بث حلقات المسلسل التي كانت مخططة بداية من تموز/يوليو المقبل.
وقال يان زلاجتر مدير محطة "إن أو إس" الرسمية:"صدمني الكشف عن هذه المعلومات إذ لم أتوقع مطلقا حدوث هذا الشيء". وتعقيبا على قرار وقف بث حلقات تابرت أضاف مدير المحطة :"لن نكرم ممثلا كذب حول ماضيه". وأعلنت قنوات فرنسية وبلجيكية أيضا وقف بث حلقات المفتش ديريك.
وتوفى الممثل تابرت عام 2008 لكن مسألة عضويته في وحدة "فافن إس إس" النازية كشف عنها مؤخرا عبر عدة تقارير ليتم تأكيدها من خلال جمعية مهتمة بشؤون أقارب ضحايا النازية التي ذكرت أن تابرت انضم لفرقة "توتينكوبف" النازية عام 1943 . ولم يعرف بالتحديد المدة التي قضاها الممثل الشهير في هذه الفرقة.
ولم تثبت المعلومات المتاحة حتى الآن ما إذا كان تابرت قد تورط في جرائم حرب من خلال عضويته في فرقة "توتينكوبف".
وأثارت هذه المعلومات اهتمام خبراء التاريخ إذ قال زونكه نايتسل ، أستاذ التاريخ بكلية لندن للعلوم السياسية والاقتصادية في حوار مع DW:"المعروف رسميا هو أن الانضمام لوحدة فافن إس إس كانت تطوعيا".
لكن مع تصاعد وتيرة الأحداث وبداية من عام 1943 صارت وحدة "فافن إس إس " بحاجة لجنود أكثر من الذين يتقدمون طواعية لها ولذلك كانت تمارس الضغوط على الكثير من الشباب آنذاك للانضمام للوحدة النازية. ويوضح نايتسل الأمر ويقول:"كان من الممكن أن يأتي أحد الأشخاص لمعسكرات شبيبة هتلر مثلا ويعلن أمام الجميع ودون سابق إعداد ، انضمام المعسكر كله لوحدة إس إس طواعية وبالتالي يجد الشباب أنفسهم في موقف شائك إذ يصعب عليهم الوقوف وإعلان رفضهم الأمر".
الانضمام لوحدة نازية..قناعة أم اضطرار؟
وبوفاة الممثل المعروف صار من الصعب معرفة الكثير من التفاصيل وتحديد ما إذا كان انضمامه لوحدة "فافن إس إس" كان عن قناعة أم بعد ممارسة الضغوط عليه كما لا يمكن الجزم أيضا بما إذا كان قد تورط في جرائم حرب. رغم أن الكثير من الدلائل التاريخية تؤكد تورط وحدة "فافن إس إس" في جرائم قتل والاستعانة ببعض رجالها كحراس لمعسكرات الاعتقال النازية إلا أنه يصعب تحديد الفعل الذي قام به كل شخص كان عضوا في هذه الوحدة كما يقول المؤرخ نايتسل.
لكن المبرر الأكبر لحالة الغضب الحالية من الممثل الراحل هو أنه لم يتحدث مطلقا عن ماضيه خلال حقبة النازية ولم يكشف عن رأيه فيها. لكن المؤرخ نايتسل يتفهم هذا الأمر ويقول إن غالبية من كان لهم صلة بما حدث في تلك الفترة فضلوا عدم الكشف عنها . ودخل تابرت دائرة الأضواء بعد الحرب العالمية الثانية دون الكشف عن ماضيه تماما كما حدث مع غيره من الأشخاص الذين دخلوا لعالم السياسة أو الفن ، كما يوضح نايتسل.
وبهذا يتشابه تابرت كثيرا مع شخصية "المفتش ديريك" التي اشتهر بها. فكلاهما رجل يدرك واجباته ويقوم بعمله بشكل جيد لكنه لا يتطرق مطلقا لماضيه.
الشكل التقليدي للشرطي الألماني
وبالرغم من أن شخصية "المفتش ديريك" يمكن تصنيفها بالمملة بعض الشيء فهو في النهاية شخص يؤدي عمله فحسب وليس لديه أي حياة شخصية مثيرة ، إلا أن الحلقات حققت نجاحا كبيرا وهو أمر كان مثيرا للاهتمام.
وبرر الكاتب أومبرتو إيكو هذا النجاح غير المتوقع بعدم التميز في شخصية ديرك وهو أمر يسمح للمشاهد أن يتخيله في الصورة التي يريدها.
أما خبير العلوم الإعلامية ، بيرند جيبلر فيرجح أن يكون شكل شخصية المفتش ديرك المنظمة والمجتهدة هو السبب وراء نجاحها على المستوى الدولي ويقول جيبلر في حوار معDW:"أعتقد أن الكثير من الناس خارج ألمانيا وجدوا في شخصية ديريك الألماني الطيب الذي يقوم بواجبه ويؤدي دوره في إعادة النظام بشكل يعتمد عليه".
وتفاعل المشاهد مع شخصية المفتش ديريك كشرطي ألماني منظم يؤدي عمله بالطريقة الحديثة دون التفكير في ماضيه. ويمثل المفتش ديريك الشخصية النمطية لرجل الشرطة الألماني فهو مجتهد يفتقر لروح الدعابة لكنه لا يشكل خطورة وليس متطرفا بأي شكل من الأشكال.
وفي الوقت الذي قررت فيه دول أوروبية وقف حلقات المسلسل إلا أن الصين مثلا ستواصل عرض حلقات المسلسل الذي يعد مثاليا وفقا للمعايير الصينية فهو خال من العنف والعلاقات الجنسية والموضوعات المعقدة وبالتالي فهو أنسب مسلسل للبث في فترات الظهيرة عبر العديد من القنوات.