الهجوم التركي على أكراد سوريا.. دوافع قديمة ومستقبل مجهول
١١ أكتوبر ٢٠١٩شنت تركيا هجمات عسكرية كانت قد هددت بها طويلًا ضد مواقع لتحالف مسلحين أكراد كان مدعوماً من الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا، مُمَهِدةً الطريق لحمام دم مُحتمل واضطرابات من الممكن أن تستمر أعوامًا قادمة في المنطقة.
على نحو مفاجئ، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب القوات الأمريكية من الحدود التركية - السورية مُفسِحًا الطريق أمام تركيا لتنفيذ عملياتها ضد قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد.
ورغم معارضة البنتاغون ووزارة الخارجية وغالبية الكونغرس، يُدلل الضوء الأخضر الواضح الذي منحه ترامب لتركيا على تخلٍ مُذهلٍ عن قوات سوريا الديمقراطية التي أعلنت فقدانها أكثر من 11 ألف مقاتل يتصدرون المعركة ضد "الدولة الإسلامية" (داعش) في سوريا.
دوافع تركية
تَعتَبِر تركيا وحدات حماية الشعب الكردي، المكون الرئيسي لقوات سوريا الديمقراطية، جماعةً إرهابية على صلة بحزب العمال الكردستاني الذي ظل يحارب تركيا على مدار أربعة عقود تقريبًا دفاعًا عن حقوق الأكراد.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد هدد مرارًا بعمليات عسكرية في شمال شرق سوريا، حيث أنشأ الأكراد خلال الحرب الأهلية السورية مع العرب المحليين وحلفائهم المسيحيين منطقة شبه مستقرة تتمتع بحكم ذاتي من الناحية الفعلية.
وتمثل تجربة الكرد السوريين في "الحكم الذاتي الديمقراطي" المستند إلى المبادئ الاجتماعية الليبرالية التي يتنباها الزعيم الكردي عبد الله أوجلان تحديًا سياسيًّا وأيديولوجيًّا يواجه تركيا، يذهب إلى ما هو أبعد من التهديد العسكري.
وتخشى تركيا أن المكاسب التي حققها الأكراد السوريون ستشجع سكانها الأكراد على إنشاء ولاية صغيرة تابعة لحزب العمال الكردستاني على حدودها. وتعطي نقاط القوة العسكرية والسياسية والإقليمية التي يتمتع بها الأكراد السوريون أوراق مساومة قوية في أي حل سياسي بسوريا يطالبون من خلاله بالاعتراف بحقوق الأكراد وإلغاء مركزية السلطة، وتسعى تركيا لمنع هذا التطور.
ما الذي تخطط له تركيا؟
وعلى الرغم من عدم وضوح نطاق العملية التركية وحجمها، ترغب تركيا في تأمين شريط بعمق 32 كيلومترًا وطول 480 كيلومترًا داخل سوريا على طول الحدود لحماية أمنها، وأعلنت عزمها إعادة توطين ما يقرب من مليون من إجمالي 3.6 مليون لاجئ سوري والقادمون من مناطق أخرى من سوريا الى داخل "المنطقة الآمنة". ويمكن من الناحية الفعلية أن تمتد المنطقة العازلة إلى عدة كيلومترات داخل سوريا، وأن يتم تشكيلها حول عدة جيوب وأن يتم تنفيذ العملية على مراحل.
وتخطط تركيا، بدعم من جيش بلادها، إلى الاستعانة بجماعات متنوعة من حلفائها المتمردين في سوريا بمعاركها على الأرض والسيطرة على المنطقة.
ربما يتعرض نطاق العملية إلى معوقات، بعد أن أعلن الجيش الأمريكي إغلاقه المجال الجوي السوري أمام الطائرات الحربية التركية وتحذير مسؤولين أمريكيين تركيا من أي عملية كبيرة.
تحذيرات كردية
يُحذر الأكراد السوريون من تطهير عرقي وتغييرات ديموغرافية لمناطق على الحدود، إذ يوجد ما يُقدر بـ1.8 مليون كردي في سوريا، يعيش نصفهم تقريبًا داخل المنطقة العازلة التركية المُقترحة. ويُعتقد بأن المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية تضم ما يقرب من 1.5 مليون عربي وعشرات الآلاف من المسيحيين.
أوضحت قوات سوريا الديمقراطية، في بيان لها، عزمها الدفاع عن أراضيها "بأي ثمن"، وهي تمتلك ما يُقدر بـ60 ألف مقاتل.
ولأن الطبيعة في شمال شرق سوريا سهلية مفتوحة، فإن ذلك يُصعِّب على قوات سوريا الديمقراطية ذات التسليح الخفيف مقاومة ثاني قوة عسكرية في الناتو.
من الُمرجح أن يُرغم التوغل العسكري التركي في شمال شرق سوريا مئات الآلاف من المدنيين على الفرار إلى مناطق تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية نحو الجنوب وكردستان العراق المجاورة. كذلك، من المتوقع أن تؤجج خطط تركيا التوترات العرقية على مدار أعوام قادمة، تاركة أنقرة في مواجهة تمرد كردي طويل الأمد.
وتحذر قوات سوريا الديمقراطية من أن الحرب مع تركيا ستُجبرها على إعادة توزيع المقاتلين، فضلًا عن أنها ستصرف انتباهها عن تأمين مكاسبها في معركتها ضد داعش. ولفتت أيضًا إلى إمكانية هروب ما يقرب من 11 ألف مقاتل داعشي في سجون قوات سوريا الديمقراطية حال حدوث أي نوع من الاضطرابات.
"منطقة آمنة"
يبقى دعم الولايات المتحدة لقوات سوريا الديمقراطية مصدرًا كبيرًا للتوتر مع تركيا، وكان ترامب قد أعلن نهاية العام الماضي سحب القوات الأمريكية المُقدر عددها بألفين في سوريا لأن داعش قد "هُزمِت". وحينئذ، تم عكس المسار بضغط من البنتاغون والكونغرس والحلفاء الأوروبيين.
حتى أن تركيا التي تفاجئت بنية أمريكا غير المتوقعة للانسحاب كانت حذرة تجاه سرعته. بيدْ أن الإعلان مهد الطريق لشهور من المحادثات بين المسؤولين الأتراك والأمريكيين التي آلت بدورها إلى اتفاق حول إقامة "منطقة آمنة" شمال شرقي سوريا في أغسطس/آب من العام الجاري.
وهكذا، دفع الاتفاق إلى دوريات أمريكية تركية داخل منطقة عازلة محدودة لمواجهة مخاوف تركيا بشأن الأكراد السوريين وقوات سوريا الديمقراطية التي تقوم بتفكيك دفاعاتها بطول الحدود وسحب أسلحتها الثقيلة.
وكان يُقصد من وراء الاتفاق، الذي حاز على تأييد قوات سوريا الديمقراطية، شراء وقت واسترضاء تركيا. وعلى نحو غير مفاجئ، تشعر قوات سوريا الديمقراطية بخيانة تجاه إعلان ترامب سحب القوات الأمريكية من على الحدود.
وغرد المتحدث الرسمي باسم قوات سوريا الديمقراطية مصطفى بالي على تويتر يوم (الاثنين السابع من تشرين الأول/ اكتوبر 2019) : "لا نتوقع من الولايات المتحدة أن تحمي شمال شرق سوريا، إلَّا أن الأشخاص هنا يستحقون شرحًا بشأن الاتفاق وتدمير التحصينات وفشل الولايات المتحدة في الإيفاء بالتزاماتها".
وأضاف: "لم تف القوات الأمريكية بمسؤولياتها وبدأت الانسحاب من الحدود، تاركة المنطقة تتحول إلى ميدان حرب. لكن قوات سوريا الديمقراطية عازمة على الدفاع عن شمال شرق سوريا بأي ثمن".
عمليتان سابقتان
كانت تركيا قد نفذت عمليتين عسكريتين سابقتين داخل سوريا لإحباط الطموحات التركية. في عام 2016، نفذ الجيش التركي وحلفاؤه من المتمردين عملية درع الفرات. ودفع الهجوم العابر للحدود داعش خارج منطقة عابرة لجرابلس على نهر الفرات، إلى أعزاز في الغرب بالقرب من جيب عفرين الذي يسيطر عليه الأكراد.
وكانت العملية العسكرية تستهدف منع الأكراد السوريين من ربط مناطق واقعة تحت سيطرتهم في الشمال الشرقي مع عفرين. وبخلاف شمال شرق سوريا، يغلب العرب على منطقة درع الفرات التي يسيطر عليها الأتراك. وأعادت تركيا توطين لاجئين سوريين في المنطقة.
في عام 2018، شنت تركيا عملية في عفرين تسببت في نزوح ما يقرب من نصف سكان الجيب البالغ عددهم 300 ألف تقريبًا. وتستمر وحدات حماية الشعب في عمليات تمرد بسيطة ضد الجيش التركي وحلفائه المسلحين السوريين.
اتهمت جماعات حقوقية القوات المدعومة من تركيا بانتهاكات كبيرة لحقوق الانسان، بما في ذلك التهجير القسري ومصادرة الأملاك والنهب والتوقيف التعسفي والخطف والابتزاز. ونقلت تركيا عائلات المقاتلين المتمردين ولاجئين آخرين إلى عفرين.
كيس وينتر/ ج.أ