النيجر.. أول فشل أوروبي في توحيد سياسات الهجرة؟
٢٥ ديسمبر ٢٠٢٣أفادت قناة الجزيرة في أواخر شهر نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، أن الحكومة النيجرية ألغت قانوناً لمكافحة تهريب المهاجرين، وألغت أحكام الإدانة التي صدرت على إثره سابقا. وكان القانون يجرم تهريب المهاجرين ونقلهم من مدينة أغاديز شمال وسط النيجر إلى ليبيا والجزائر، وهما نقطتا انطلاق مشتركتان للمهاجرين الأفارقة الذين يرغبون في الوصول إلى أوروبا.
ويُعد إلغاء القانون الذي تم تطبيقه عام 2015 وتنفيذه بدعم من صندوق الاتحاد الأوروبي الائتماني للطوارئ من أجل إفريقيا بقيمة 5 مليار يورو، مما أحدث شرخا في العلاقات الدبلوماسية المضطربة بين النيجر والاتحاد.
علياء فخري، باحثة ضمن المجلس الألماني للعلاقات الخارجية، اعتبرت أنه "بإلغاء قانون 2015، يؤكد المجلس العسكري في النيجر على نهاية التعاون مع الاتحاد الأوروبي ، بما في ذلك في مسائل الهجرة، وهو الأمر الذي كان حاسما ضمن استراتيجية الاتحاد الأوروبي"، حسب تعبيرها في مقابلة مع مهاجر نيوز.
تجدر الإشارة إلى أنه بين عامي 2014 و2020، خصص مبلغ يتجاوز مليار يورو من الصندوق الائتماني للطوارئ من أجل إفريقيا إلى النيجر.
تهريب المهاجرين "بموافقة الدولة"
بروكسل، التي كانت تخشى من ارتفاع الهجرة غير القانونية إلى أوروبا، أفادت أن المواطنين النيجريين ابتهجوا بعد رفع تجريم عمل المهربين في البلد.
سيدي مامادو (42 عاما)، مهرب سابق وناشط في مجال الهجرة القانونية، قال في تصريحات لفرانس 24 "إن القانون يتعارض مع حرية حركة الأشخاص والبضائع، لذلك تم استحسان إلغائه على نطاق واسع، والآن إذا كان هناك مهاجرون، فسوف ننقلهم".
أما علياء فخري فترى أنه "كان يُنظر إلى المهربين على أنهم ناقلون ينقلون البضائع والأشخاص عبر الحدود. وكانت القوافل العسكرية ترافق قوافل المهربين لأسباب أمنية، لكن الجيش كان يقوم أيضًا بتجميع ضرائب غير رسمية من المهربين. أي أن تهريب المهاجرين كان إلى غاية عام 2015 أمراً مسموحًا به من قبل الدولة، كما كانت تتحكم فيه جهات عسكرية وتدر عبره إيرادات".
لقد كانت منطقة أغاديز، حتى عام 2015، معبرا مهما، فقد كانت تجمع المهاجرين والتجار والعمال الموسميين، الذين حافظوا على استمرارية الأعمال التجارية على طول تلك الطريق. فور تطبيق قانون مكافحة تهريب المهاجرين "توقف المهربون والتجار والفلاحون عن عملهم فجأة "، حسب علياء فخري. لكن الخطوة التي اتخذتها الحكومة العسكرية في النيجر الآن، تؤدي إلى احتمال عودة الوضع الذي كان سائداً قبل عام 2015.
التضييق على مسارات الهجرة القانونية والآمنة!
قال ييرا ديمبيلي، رئيس مركز الاتحاد الأوروبي الأفريقي لسياسة الهجرة (FEASO) في باريس، في تصريح لموقع مهاجر نيوز "إن هوس الاتحاد الأوروبي بملف الهجرة معروف للغاية".
انزاحت أوروبا في السنوات الأخيرة عن سياسة الهجرة التي اتبعتها في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، والتي كانت تهدف من خلالها إلى جذب العمالة المهاجرة التي كانت في أمس الحاجة إليها لإعادة الإعمار. وفي السنوات الأخيرة، لجأ الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز الرقابة على الحدود البرية والبحرية لمنع دخول المهاجرين غير القانونيين.
ووفقا لديمبيلي، بقي شيء واحد فقط، بقي دون تغيير، وأضاف "عندما ننظر إلى تطور الهجرة خلال هذه المراحل المختلفة، ندرك أن السياسات الأكثر صرامة لم يكن لها أي تأثير تقريبًا، باستثناء زيادة عدد المهاجرين الذين غرقوا في البحر".
كما انتقد ديمبيلي سياسات الهجرة والتنمية في بلدان المنشأ في إفريقيا، باعتبارها تتقاطع مع سياسات البلدان المضيفة قائلا "عدم وجود إرادة سياسية حقيقية لتلبية احتياجات الشباب مما يدفعهم إلى الهجرة معرضين حياتهم للخطر".
استراتيجية الاتحاد الأوروبي تنعكس سلباً!
يقول المحللون إنه من السابق لأوانه ومن الصعب للغاية تحديد كيفية تأثير الوضع الجديد في النيجر على ديناميكيات الهجرة الإقليمية. ووفقا لعلياء فخري، فإن "فقدان شراكة النيجر يمكن أن يدفع الاتحاد الأوروبي إلى إقامة تعاون مماثل مع الدول الإفريقية المجاورة الأخرى. وقد وضع الاتحاد الأوروبي بالفعل اللمسات النهائية على مثل هذه الصفقات مع تونس وليبيا".
وأضافت فخري "يواصل الاتحاد الأوروبي تعزيز استراتيجيته الخاصة بالهجرة، والاتفاق مع تونس هذا الصيف هو مثال لما يمكن أن نصفه باستراتيجية "الدومينو". ومع سقوط "الدومينو" في النيجر، يتطلعا الاتحاد الأوروبي إلى الاستعانة بشراكات أخرى".
وأضافت "بانتهاء التعاون مع النيجر، سيكون من المهم استخلاص درس مهم من قبل الأوروبيين: استراتيجية الهجرة التي تعتمد بشكل مفرط على التعاون مع الشركاء، يجعل الأوروبيين فريسة لتقلبات المزاج وتغيير الأنظمة".
الاضطرابات في منطقة الساحل
منذ عام 2020، حدثت سبعة انقلابات في مختلف البلدان الإفريقية، خمسة منها في دول تقع في منطقة الساحل: النيجر وبوركينا فاسو وغينيا وتشاد ومالي. وكان آخرها الانقلاب العسكري في النيجر في يوليو/تموز الماضي.
وترتبط الانقلابات العسكرية بانعدام الأمن السياسي والفقر والتطرف العنيف التي ابتليت بها منطقة الساحل وأدى إلى ما وصفه معهد الدراسات الأمنية بـ "التأثير الفوري للهجرة القسرية والطوعية من المنطقة إلى أجزاء أخرى من القارة الإفريقية نحو أوروبا".
تشير البيانات الصادرة عن وكالة إدارة الحدود الأوروبية فرونتكس، إلى أن هذا العام شهد أكبر ارتفاع في عدد المعابر غير القانونية على طول طريق غرب إفريقيا، الذي يربط هذه الدول بجزر الكناري في إسبانيا.
ويُقدر عدد الوافدين غير القانونيين هذا العام بنحو 27,700 شخص، وهو أعلى رقم يتم تسجيله على طول طريق غرب إفريقيا منذ عام 2009 عندما بدأت وكالة فرونتكس في تعقب الوافدين.
وخلال أكتوبر/تشرين الأول وحده، لاحظت فرونتكس وصول 13 ألف شخص، وهو أعلى رقم إجمالي شهري مسجل للمهاجرين الذين يبحرون عادة إلى أوروبا من المغرب والصحراء الغربية وموريتانيا والسنغال وغامبيا - وهي مناطق متصلة إما بالكامل بمنطقة الساحل أو جزء منها.
وكان رد الفعل التلقائي المشترك من جانب الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة هو خلق أشكال جديدة من مراقبة الحدود في بلدان المنشأ مثل إفريقيا.
الهجرة داخل إفريقيا!
يعتبر الخبراء أن السياسات المتعلقة بالهجرة، والتي تمت صياغتها في الغالب من وجهة نظر أوروبية للحد من الهجرة، فشلت وستستمر كذلك لأنها لا تأخذ في الاعتبار طبيعة الحركة داخل إفريقيا، والتي تتأثر بالعوامل الثقافية.
مكميد كامارا، الناشط والباحث في مجال حقوق الإنسان، قال في تصريح لمهاجر نيوز "عندما نسمع عن الهجرة، نعتقد أنها الخروج من إفريقيا للذهاب إلى أوروبا مثلا. لكن نادرا ما يتم الحديث عن كيفية حدوث ذلك، أي عن الحركة في إفريقيا التي تتم في الغالب عبر الانتقال من دولة إفريقية إلى أخرى مجاورة، وهو الأمر الذي كان يحدث باستمرار لعدة قرون".
وأوضح كامارا أن "القوى الاستعمارية وضعت الحدود لتقسيم الأراضي التي غزتها، وهي بهذا المعنى مصطنعة. وبالنسبة للعديد من الأفارقة، فإن الحدود ليست ما يعبرونه عندما ينتقلون من دولة إلى أخرى مجاورة". وأضاف المتحدث "ما نشهده الآن هو نتيجة لعدم الاستقرار السياسي، وتحويل الطرق المستخدمة للحركة الاقتصادية إلى مسارات للبحث عن ملجأ أمان".
تقدر المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن حوالي 3.7 مليون شخص قد نزحوا داخليا في منطقة الساحل، مع وجود أكثر من نصف مليون لاجئ وطالب لجوء يبحثون عن الحماية في البلدان المجاورة. وتستضيف مناطق الشمال الأوسط والساحل في بوركينا فاسو أكبر عدد من السكان النازحين داخليًا وأعلى مستويات انعدام الأمن الغذائي.
الحاجة إلى تدخلات إنمائية في إفريقيا
بالإضافة إلى عدم الاستقرار السياسي، تؤثر أزمة المناخ أيضًا على منطقة الساحل الوسطى بشكل واضح، حيث تزيد درجات الحرارة بنسبة 1.5 عن المتوسط العالمي.
وقالت كينيدي أوكوث، مسؤولة التواصل في المنظمة الدولية للهجرة في تصريح لمهاجر نيوز"إن الآثار السلبية لتغير المناخ والصراعات هي من بين الدوافع الرئيسية للنزوح، بينما تنزح نسبة أخرى من الأفارقة لأسباب اقتصادية".
ووفقا للجنة الإنقاذ الدولية، تمثل بلدان منطقة الساحل الوسطى 5 بالمئة من الاحتياجات الإنسانية العالمية ولكنها لا تشكل سوى 0.9 بالمئة من سكان العالم. ويزيد ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب من حالة القلق ويمثل حافزا للهجرة. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن حوالي 64 بالمئة من سكان منطقة الساحل تقل أعمارهم عن 25 عامًا.
واعتبر كامارا في هذا الصدد، أن "هؤلاء الشباب يتوقون إلى مستقبل أفضل، ما نحتاج إليه هو سياسات التنمية التي يمكن أن تمنحهم ذلك". واختتم المتحدث كلامه قائلا "سوف يستمرون في حركة الهجرة، وعدم الاستقرار السياسي سيجعلهم أكثر يأساً ويحفزهم على ذلك".
مهاجر نيوز 2023