النتائج السيئة لحزب المستشارة تعيد خلط أوراق التحالفات الحزبية الألمانية
٣ فبراير ٢٠٠٨يعتبر المراقبون والمختصون بشؤون السياسة الألمانية وآليات عملها ولاية هيسن، الواقعة في وسط ألمانيا، والتي تحتضن مدينة فرانكفورت، عاصمة ألمانيا المالية، مرصداً هاماً يعطي إشارات حول ماهية التحولات المقبلة في توجهات الناخبين الألمان وأولوياتهم السياسية. فعلى سبيل المثال لا الحصر بدأ صعود حزب الخضر في منتصف الثمانينات، حين أصبح نجمه الإعلامي البارز، وزير الخارجية السابق يوشكا فيشر، أول وزير أخضر في حكومة ولاية ألمانية، معلنا بداية نهاية حقبة مستشار الوحدة هيلموت كول وانطلاق "مشروع التحالف الأخضر الأحمر"، الذي حكم ألمانيا بقيادة المستشار غيرهارد شرودر بين 1998 و 2005 في تحالف حكومي جمع بين الحزب الديمقراطي الاشتراكي وحزب الخضر.
ولاية هيسن: حقل تجارب للسياسة الألمانية
هذه المكانة المميزة شكلت السبب الرئيسي للاهتمام الكبير، الذي استحوذت عليه انتخابات هذه الولاية الأخيرة، بالإضافة إلى شخصية رئيس وزرائها رولاند كوخ الإشكالية وميوله إلى الشعبوية خلال إدارته لحملته الانتخابية الأخيرة.
ومن هذا المنطلق لم يأت احتدام الجدل داخل الحزب المسيحي الديمقراطي الحاكم، الذي ينتمي إليه كوخ، حول إستراتيجيته الفاشلة في هيسن وطبيعة الدروس، التي ينبغي تعلمها من ابتعاده عن وسطية الطيف السياسي الألماني، نتيجة لخسارة حزبه حوالي 12 بالمائة من أصوات الناخبين فقط، بل إن حدة هذا الجدل تعود بالدرجة الأولى إلى معرفة استراتيجيي حزب المستشارة (المسيحي الديمقراطي وشقيقه المسيحي الاجتماعي الموجود في ولاية بافاريا فقط) حق المعرفة أن نتيجة انتخابات ولاية هيسن تلقي بظلالها على المشهد السياسي الألماني إجمالاً وعلى حظوظ المستشارة ميركل بالفوز في الانتخابات القادمة في العام القادم بصورة خاصة.
فشل ذريع لنهج كوخ
وعلى الرغم من تضامن ميركل مع زميلها رولاند كوخ، إلا أن هذا لم يمنع قيادات مؤثرة في الحزب المسيحي الديمقراطي من توجيه انتقادات مباشرة وحادة لنهج كوخ الأخير، وخاصة إقحامه سياسة إدماج المهاجرين بطريقة تبسيطية بحتة في حملته الانتخابية، التي ركز فيها بشكل كبير على الدعوة إلى تشديد العقوبة على الشباب الجانح ذي الأصول الأجنبية. ففي سابقة فريدة من نوعها طالب 17 قياديا بارزا في الحزب المحافظ في خطاب مفتوح نشرته صحيفة "دي تسايت" الرصينة بعدم تكرار خطأ إقحام سياسة الاندماج في الحملات الانتخابية. كما انتقدت هذه القيادات، وعلى رأسها رئيس وزراء ولاية هامبورج أوليه فون بويست، كوخ مشيرة إلى أن سياسة الاندماج تشكل دعامة أساسية لمستقبل ألمانيا، لذلك لا ينبغي توظيفها سياسيا خلال الحملات الانتخابية".
أما كريستيان فولف، رئيس وزير ولاية سكسونيا السفلى، فأشار إلى ضرورة "تركيز الحزب المسيحي الديمقراطي على أداءه المميز في مجال الاقتصاد مع التزامه الجدية والرصانة في الأسلوب". كما شدد فولف على أن "قدرة الحزب على الفوز بالانتخابات القادمة ترتبط ارتباطا وثيقة بأدائه الاقتصادي من جهة، وقدرته على التعامل الحكيم مع إيرادات الدولة".
الأولوية لنهج ميركل الوسطي
وعلى ما يبدو فإن فشل نهج كوخ في ولاية هيسن ونجاح نهج كريستيان فولف القريب من نهج المستشارة في استقطاب الناخبين ـ رغم خسارته 5 بالمائة من أصواتهم ـ ونجاحه في تشكيل تحالف مع الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) سيؤدي إلى تركيز الاتحاد المسيحي الديمقراطي على نجاحات سياسته الاقتصادية وسياسة الاندماج التي ينتهجها، فضلا عن صياغة إستراتيجية وسطية تجمع تيارات الحزب المتنوعة وتبتعد عن أطروحات اليمين المحافظ ومطالب التيار النيوليبرالي الداعية إلى تحرير كل قطاعات الإقتصاد.
أوراق التحالفات الحزبية تخلط من جديد
وبجانب البلبلة التي سببتها نتائج انتخابات هيسن داخل صفوف المحافظين الألمان، تبقى جملة من التساؤلات مطروحة على بساط النقاش، أهمها يتمثل في كيفية تشكيل تحالفات حكومية في المستقبل بعد نجاح حزب اليسار في دخول برلماني ولايتي هيسن وسكسونيا السفلى، ما يعني تكريس وجوده على خارطة الأحزاب الألمانية، التي أضحت تتكون من خمسة أحزاب. هذا التحول سيصعب من تشكيل تحالفات حكومية تتكون من حزبين فقط، وهو ما أظهرته انتخابات هيسن بصورة جلية حيث لا يملك حزبان فقط أغلبية تؤهلهما لتشكيل الحكومة القادمة. لذلك ينتظر المراقبون نتائج انتخابات ولاية هامبورغ وما سيترتب عنها من تحولات حزبية برغماتية تستدعيها ضرورات المرحلة، خاصة وأن الدستور الألماني يشدد على دور الأحزاب السياسية المحوري في "التعبير عن إرادة الشعب".