Nato-Gipfel
٣ أبريل ٢٠٠٩احتفاء بالذكرى الستين لتأسيس منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) يلتقي قادة الحلف اليوم الجمعة وغدا السبت (3 و4 نيسان/ أبريل) في مدينتي ستراسبورج الفرنسية وبادن بادن الألمانية. ومن المقرر أن يشارك 28 رئيس دولة وحكومة في اجتماع القمة التي تستضيفها لأول مرة دولتان. وتمهيدا لهذه الذكرى، أجرى الحلف الأربعاء الماضي خامس عملية توسيع والثالثة منذ 1990 ونهاية حقبة الحرب الباردة، بضم اثنتين من دول البلقان هما ألبانيا وكرواتيا إلى صفوفه.
كما سيخصص الاجتماع أيضا لعودة فرنسا إلى القيادة العسكرية للحلف بعد 43 عاما على خروجها منها. وان كان هذان الحدثان على قدر كبير من الأهمية ويثبتان قدرة الحلف الأطلسي على اجتذاب الدول إليه، إلا أن المسألة الشائكة المتمثلة في إرساء الاستقرار في أفغانستان ستهيمن على جدول أعمال القمة، وسط دعوات لإعادة صياغة المفهوم الإستراتيجي للحلف بما يتناسب والتحديات الجديدة، وهو الموضوع الثالث الذي من المنتظر أن يناقشه القادة.
المطلوب الانتقال من الوضع السلبي إلى التحرك الإيجابي
كان حلف الناتو قد تأسس في نيسان/ أبريل عام 1949 في أوج الحرب الباردة عندما كانت أولوية الأمن المهيمنة على دول الغرب هي وقف الغزو السوفيتي. وكان حينها من السهل على الناتو أن يقرر الناتو متى يدخل في حرب؛ أي عندما يتم تجاوز الحدود، كما قال وزير الدفاع الألماني الأسبق فولكر روهه في مؤتمر صحفي حول مستقبل الحلف عقد في حزيران/يونيو الماضي. لكن فكرة الأمن تغيرت وأصبح الناتو يحتاج "على أعلى مستوى استراتجي إلى مناقشة الأماكن التي تمتد فيها حدوده"، وفقا لتعبير رئيس تحرير مجلة "جينس ديفينس الأسبوعية" بيتر فيلستيد لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ). وبهذا أضحى الحلف مطالبا بالتصرف بشكل إيجابي وليس انتظار الهجوم، كما يقول جامي شيا مدير التخطيط السياسي في مقر الناتو، الذي أشار في هذا السياق إلى أن "هذا أمر أكثر إلحاحا وإثارة للجدل من البقاء في وضع رد الفعل".
ومما لاشك فيه أن الناتو غير في السنوات القليلة الماضية من طبيعة عملياته إلى حد كبير، بحيث لم تعد مجرد مراقبة تحركات التحركات في شرق القارة، بل أضحى للحلف اليوم 62 ألف فرد يحاولون إرساء السلام والقيام بمهام إعادة البناء في أفغانستان. كما أن هناك 15 ألف فرد يتأكدون من أن كوسوفو لن تسقط ثانية في هوة حرب أهلية، إضافة إلى ذلك تقوم العديد من سفن الحلف بدوريات لمكافحة القرصنة في الصومال.
صياغة إستراتجية جديدة للحلف
وفي ظل المتغيرات الدولية والإقليمية التي حدثت في السنوات الأخيرة واختلاف طبيعة التهديدات الأمنية، ارتفعت الأصوات المطالبة بإعادة صياغة إستراتيجية جديدة لحلف شمال الأطلسي. لذلك يأمل قادة الدول الأعضاء التوصل خلال هذه القمة إلى اتفاق حول وثيقة "مفهوم إستراتيجي" جديد تتضمن قضايا متعددة مثل الإرهاب وانتشار الأسلحة النووية وتغير المناخ. ومن المقرر أن تجيب هذه الوثيقة على السؤال الرئيسي الذي طرحه الأمين العام للحزب دي هوب شيفر والعديد من المسؤولين الآخرين خلال الأعوام الماضية، وهو: ماذا يريد أن يكون الناتو؟ وكان دي هوب شيفر قد قدم ما يعتقد أنه إجابة على هذا السؤال، بقوله : إنه مزيج من أشكال جديدة من الحرب وتعاون أفضل مع القوى المدنية ولاسيما الاتحاد الأوروبي ومزيد من الفعالية وميزانية أكبر.
أما مستشار الأمن القومي الأمريكي جيمس جونز فقال في هذا السياق: "نحن بحاجة إلى حلف أطلسي له تعريف وشكل جديدين"، بحيث يكون أكثر حراكا وسرعة كما تمكنه من التدخل لمنع اندلاع الصراعات". وشددا المسؤول الأمريكي على أهمية وضع تعريف جديد لسبب تأسيس هذا الحلف الدفاعي وكذلك تحديد "الأعداء المحتملين"، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن الناتو بحاجة إلى "رؤية إستراتيجية جديدة" علاوة على "التحديث والإصلاح".
ومن جانبه طالب وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير اليوم الجمعة قمة الحلف بتكثيف المناقشات حول مستقبل الحلف، مشيراً في تصريحات لإذاعة "إس دبليو أر" الألمانية إلى أن تاريخ أخر مرة "عملنا فيها على إطار عمل استراتيجي لحلف الأطلسي إلى عام 1999". وقال الوزير الألماني إن العالم شهد تغيرات عديدة خلال السنوات العشر الأخيرة، بحيث طفت تهديدات جديدة على السطح في حين تراجعت مسألة الصراع القديم بين الشرق والغرب. وأضاف: "ولذلك فإن هذا هو الوقت المناسب لإعادة التفكير بشكل جديد في مهام حلف الأطلسي في المستقبل".
طالبان تضع مصداقية الحلف على المحك
وينفذ الحلف الأطلسي في أفغانستان منذ العام 2003 أضخم عملية عسكرية في تاريخه، ويواجه في هذا البلد حركة تمرد متفاقمة يخوضها عناصر طالبان وغيرهم من الجماعات المسلحة، إلى حد أن بعض التقديرات تشير إلى أن حركة طالبان تسيطر حاليا على ثلثي أفغانستان، ويقترب المسلحون من كابول وينفذون عمليات من دون عقاب أو مواجهة حتى مسافة 15 كيلومتراً من العاصمة. كل هذا يضع قدرات ومصداقية حلف الناتو على المحك في هذا البلد، الأمر الذي دفع الغرب إلى النظر في خيارات أخرى بما فيها سبل لإجراء اتصالات مع "طالبان المعتدلة" من أجل تحقيق المصالحة، وهو خيار كان يعتبر من المحرمات في السنوات الأولى بعد الانتصار على نظام طالبان في أواخر عام 2001، وهو ما يعتبره هارون مير، المحلل السياسي والمدير المشارك لمركز أفغانستان للبحوث والدراسات السياسية اعترافا بالفشل.
(ع.ج.م/ د ب أ/ أ ف ب)
تحرير: عماد م. غانم