الموسيقى .. سلاح النازيين الجدد لاستقطاب الشباب
٣٠ أبريل ٢٠١٣"لا، لا. الحزب الوطني الديمقراطي (يميني متطرف) لا ينشر موسيقى خاصة به. لا ننشر ولا ننتج أي موسيقى". كان هذا هو جواب الناطق الرسمي باسم الحزب، فرانك فرانتس، بعد طلب الحصول على نسخة من قرص مدمج أنتجه نازيون جدد سنة 2006 وعملوا على توزيعه أمام المدارس الألمانية لتعريف التلاميذ بأفكارهم. وأضاف فرانتس للصحفي أنه لا يُسمح له بتسليم نسخة من القرص لأي شخص لأن السلطات الألمانية صنفته قُرصاً "ضاراً بالشباب".
لكن في نفس الوقت، لم يخف المتحدث الرسمي باسم الحزب الوطني الديمقراطي مدى أهمية ذلك القرص المدمج كوسيلة لاستقطاب الجيل الجديد من أتباع الفكر اليميني، معتبراً أن "الموسيقى بالنسبة لنا وسيط لمخاطبة الشباب بالدرجة الأولى" ومضيفاً أن الموسيقى لها القدرة على تحقيق ارتباط عاطفي بين الناس.
استقطاب الشباب بالموسيقى
وقام المعهد الاتحادي الألماني للشباب ـ الذي يجري منذ سنوات أبحاثاً حول الشباب - بإجراء دراسة على شباب ينتمون إلى الحركات اليمينية المتطرفة، وخرج بنتيجة من المؤكد أنها ستكون مخيبة لآمال الحزب الوطني الديمقراطي، وهي أنه من خلال نتائج المقابلات التي أُجريت، يتضح أن الموسيقى لا تلعب أي دور في فتح المجال أمام استقطاب الشباب.
ولم يحسم مكتب حماية الدستور بعد في تقريره السنوي الأخير لسنة 2011 ما إذا كانت أغاني الفرقتين الموسيقيتين "الحرب الخاطفة" و"خط القتال الرئيسي" تساهم في استقطاب الشباب لحركات اليمين المتطرف. لكن الموسيقى تُعتبر "جزءًا من الثقافة الموازية التي تلعب دوراً مهماً في نشأة وتأصيل نزعات التطرف والعنف لدى الشباب".
موسيقى دون كلمات لتجييش المشاعر
تلعب الموسيقى دور توثيق أواصر الارتباط والتضامن داخل الجماعة. ولا يتأتى ذلك عن طريق كلمات الأغاني لوحدها، كما يقول الباحث في الموسيقى تورستن هيندريش في حوار مع DW. ويعكف هيندريش منذ سنوات على القيام بأبحاث حول موضوع "الموسيقى وثقافة الشباب" في جامعة ماينز بولاية راينلاند بالاتينات. ويقول هيندريش، مُتحدثاً عن عناصر الموسيقى التي تستخدمها الجماعات اليمينية: "إنها مزيج بين الموسيقى والكلمات. كما أن للمغنين دور مهم أيضاً. فالمظهر والملابس وأسلوب الغناء والحركة كلها عناصر مرتبطة ببعضها البعض". ومؤخراً تزايدت حدة التخلي عن النصوص المُغناة لصالح الموسيقى وحدها، التي تجيّش مشاعر المتطرفين اليمينيين وتدفعهم لترديد شعارات معادية للتعدد الثقافي.
ضعف الاهتمام بموسيقى الروك المتطرفة
وعلى ما يبدو، هناك تراجع في الاهتمام بموسيقى الروك الكلاسيكية في صفوف حركات اليمين المتطرف، وهذا يرجع طبعاً للإدارة الاتحادية للموسيقى المضرة بالشباب، التي منعت بيع الإنتاجات الموسيقية المُحرضة. وحتى الشعارات المتطرفة الكلاسيكية لم تعد تؤدي وظيفة التعبئة، بل اقتصر تأثيرها على الاستفزاز فقط.
ويوضح الباحث تورستن هيندريش هذا التحول قائلاً: "قيمة الأعمال الموسيقية تتغير. كلمات الأغاني يتم تطويرها ولا يقتصر الأمر فقط على استعمال آلات موسيقية جدية، بل في تسجيل الأشرطة بجودة عالية. وهذا التطور سببه سهولة تسجيل الأعمال الموسيقية عبر الحاسوب في السنوات الخمس عشر الماضية". ويستفيد الموهوبون من اليمينيين المتطرفين من هذا الوضع الجديد لعزف أغانيهم التي يكتبون كلماتها بأنفسهم مع موسيقى وألحان جاهزة. ويستقون من الراب الأمريكي ثقافة التمرد على النظام القائم ويبيعون أغانيهم على أنها "أغان وطنية".
ويحمل القرص المدمج الذي وزعه النازيون الجدد في الأعوام الماضية أغاني راب لفرقتين غنائيتين من اليمين المتطرف. والمذهل في الأمر هو أن الراب يوصف في صفوف الحزب اليميني المتطرف بـ" لعثمة السود". لكن على ما يبدو، فإن النازيين الجدد بدأوا يفكرون ببراغماتية. ويوضح أحد أعضاء الحزب الوطني الديمقراطي من مدينة روستوك: "من خلال هذا النوع الموسيقي يمكننا توسيع دائرة تأثيرنا ونقل مضامين الفكر الوطني إلى كل الثقافات الشبابية".
الموسيقى للتغرير بالشباب
هذا وكتبت صحيفة "بيلد" الشعبية مقالاً في أحد أعدادها حول الموضوع اختارت له عنوان "إغراء الشباب بالموسيقى اليمينية". ونشرت الصحيفة صورة لفتاة برلينية جميلة تُدعى ميا هيرم، التي تُعرف بـ"دي إكس"، وهي تقوم في بيتها بتسجيل أغاني راب ذات نزعات وطنية وتقدم نفسها كمكافحة من أجل مشاعر الوطنية. على شبكة الإنترنت، وخصوصاً في موقع "يوتيوب"، أصبحت ميا هيرم حالياً ظاهرة تثير الاهتمام بأغانيها التحريضية والدعائية، وتقول في هذا الصدد: "منذ بداية عملي باعدت بيني وبين نزعات الغباء والعنف، وأؤكد أنني لا أنتمي لا إلى اليمين ولا إلى اليسار، بل بكل بساطة أعبر عن هويتي الألمانية".
لكن الباحث تورستن هيندريش تراوده الشكوك بخصوص هذه المغنية، إذ يقول: "دي إكس مغنية تمشي على الخط الرفيع، وهذا يدخلنا في موضوع الخط الرفيع. لكنني أعتبر أنها تنتمي قطعاً إلى اليمين. فهي تروج ’للوطنية المحضة’ مثل فرقة ’فرايفيلد’، التي لا أعتبرها يمينية متطرفة. أعتبر بشكل شخصي أنه من المقلق الترويج لهذه المواقف، التي أعتبرها رجعية، والتي يصل صداها إلى قلب المجتمع".
وقد تم ترشيح فرقة "فرايفيلد" مؤخراً للحصول على جائزة مؤسسة صناع الموسيقى الألمانية (إيشو)، التي تُمنح للأعمال الموسيقية التي حققت مبيعات كبيرة في السوق الألمانية. لكن بعد احتجاج الفرق المرشحة الأخرى، قرر مانحو الجائزة إقصاء الفرقة من المشاركة.
واعتبر مغني الفرقة، فيليب بورغر، أنه أسيء فهم الفرقة، لأنه كمواطن من منطقة جنوب تيرول النمساوية يعتبر الارتباط بالموطن شيئاً مسلماً به. وتنأى فرقة "فرايفيلد" بنفسها بشكل دائم عن العنصرية والتطرف اليميني. أما المغني كامبينو من فرقة "البناطيل الميتة"، فقد سبب مفاجأة باقتراحه تخصيص فئة خاصة في الجائزة الموسيقية للمغنين ذوي الماضي اليميني المتطرف والذين أصبحوا دون أي انتماء سياسي اليوم.
مقترح كامبينو هذا لن يغير من عزم اليمينيين المتطرفين على مواصلة استثمار الموسيقى في المستقبل للترويج لفكرهم. لكنه مقترح من شأنه أن يشكل بداية للمزيد من التوعية بموضوع الموسيقى والفكر اليميني المتطرف.