حوار مع المايسترو والموسيقار العراقي الكبير محمد أمين عزت
١ أكتوبر ٢٠١١يعتبر محمد أمين عزت من الموسيقيين المبدعين والبارزين في العالم العربي، فمن خلال قيادته للعديد من الفرق الموسيقية في العالم العربي استطاع محمد أمين عزت أن ينجز أعمالاً موسيقية ذات صيت عالمي. يقود محمد أمين عزت الفرقة السيمفونية الوطنية العراقية منذ عام 1989. ورغم الظروف الصعبة التي عاشتها الفرقة إبان الحروب المتتالية وأيام حكم الرئيس السابق صدام حسين، حيث عانت الفرقة من التهميش وضعف الموارد، استطاع المايسترو بعزيمته القوية وحبه الشغف للموسيقى أن يحافظ على استمرارية الأوركسترا. محمد أمين عزت يعتبر الموسيقى جزءا من الحضارة والثقافة العراقيتين، وهذا ما يحاول أيضاً إبرازه من خلال القطعة الموسيقية التي ألفها مؤخراً بتكليف من مؤسسة دويتشه فيله الإعلامية، والتي ستُعزف خلال فعاليات مهرجان بتهوفن في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر 2011 في مدينة بون الألمانية.
وسيقوم بعزف هذه الملحمة الموسيقية، التي تحمل عنوان "جمل الصحراء" الفرقة الشبابية العراقية، والتي تحل كضيف شرف على دورة هذا العام من المهرجان. دويتشه فيله حاورت المايسترو والموسيقار محمد أمين عزت حول أعماله الإبداعية وحول الظروف الصعبة التي عاشها ومازال يعيشها الموسيقيون في العراق.
دويتشه فيله: عنوان الملحمة الموسيقية التي قمتم بتأليفها والتي ستُعزف في فعاليات مهرجان بتهوفن هو "جمل الصحراء"، ما هو مغزى هذا العنوان ودلالته؟ أو بالأحرى ما هي القصة التي تحكيها هذه السيمفونية؟
محمد أمين عزت: فكرة هذا العمل الموسيقي هو إعطاء صورة عن جمل الصحراء الذي يوحي بالطبيعة والانطباع السائد في الدول العربية والعراق أيضاً. أردت أن أعكس صورة الإيقاع والإيحاء الموسيقي في الموسيقى من خلال حركة الجمل والصورة الانطباعية للصحراء. الفكرة فيها أيضاً مقارنة بين ما يعيشه العراقي حالياً والوضع المأساوي الذي يعيشه العراقيون، فهم مثل جمل الصحراء ليس هناك جدار بينهم وبين المخاطر وليس لهم أي حماية. لكن هذا هو دلالة أيضاً على قوتهم وشجاعتهم وصبرهم شأنهم شأن جمل الصحراء. العراقي في هذه الظروف الصعبة لا يجد من يحميه، أي ليس هناك قانون أو دستور يحميه. فكل عراقي يعيش في بيته هو مهدد بالمخاطر والموت. هذا ما أردت أن أنقله عبر الموسيقى من خلال ملحمة جمل الصحراء.
هذا هو حال المواطن العراقي بصفة عامة، هلا حدثتنا عن حال الموسيقيين في العراق، وهل هناك تغيير ملموس بعد سقوط نظام صدام حسين؟
بالطبع نحن كموسيقيين وفنانين تأثرنا أكثر من الإنسان العادي، لأن الموسيقي يكون أكثر إحساساً، فهو يتعامل مع أشياء حساسة جداً من خلال الموسيقى. الموسيقى كانت خلال النظام السابق أو الإعلام بصفة عامة كله كان موجهاً لصدام وحاشيته، أي مدح الرئيس مثلاً. أنا عملت في ظل النظام لمدة 15 عاماً ومازلت إلى الآن قائداً للأوركسترا العراقية. كنا حذرين من التدخلات في أعمالنا من قبل أتباع النظام، كنا نحاول تجنب المشاكل معهم.
لم تكن لهم دراية وإلمام بهذا النوع من الموسيقى حتى أن أحد الوزراء في يوم من الأيام نعت الأوركسترا والموسيقى التي نقدمها بـ"الاستعمارية"، بحكم أننا نعزف موسيقى أجنبية لمؤلفين أوروبيين. لكننا استطعنا أن نتجنبهم حيث كان لنا جمهورنا، الذي كنا نضطر في بعض الأحيان الاتصال به مباشرة عبر الهاتف لحضور حفلاتنا حتى لا نثير انتباه النظام. وهكذا استطعنا أن نستمر وأن تستمر الأوركسترا رغم بعض التوقفات البسيطة والرواتب الضئيلة آنذاك.
بعد سقوط النظام تغير الوضع كثيراً، فقد أصبحت الرواتب عالية، وأصبح هناك عمل دؤوب ورجع بعض العازفين من الخارج. رغم ذلك فنحن مازلنا نعاني من الظروف الأمنية والسياسية التي لم تعرف الاستقرار بعد. فخلال الحرب دُمرت العديد من المسارح وقاعات الحفلات. وخوفاً من الهجمات كنا نضطر لتقديم عروضنا فقط في بعض المدن الأكثر استقراراً مثل أربيل والسليمانية في إقليم كردستان. وحالياً نسعى إلى تغيير هذا الوضع.
من المعروف أن الموسيقيين في هذه المجموعة الشبابية للأوركسترا العراقية، التي ستقدم ملحمة "جمل الصحراء" ينحدرون من قوميات وأديان مختلفة، فمنهم الأكراد والعرب والسنة والشيعة والمسيحيين. هل كان لهذا تأثير على إعداد هذه الملحمة وتأليفها بصفة خاصة، وحياتك الموسيقية في العراق بصفة عامة؟
نحن في الأوركسترا السيمفونية العراقية كنا من أديان وعرقيات مختلفة منذ تأسيسها قبل خمسين عاماً، وما نزال إخوة وأصدقاء رغم كل الظروف الصعبة التي واجهناها. لم يسبق لي أن سألت صديقاً أو زميلاً عن انتمائه العرقي أو الديني أو مذهبه. والأوركسترا الشبابية العراقية تم اختيارها أيضاً بغض النظر عن الانتماءات العرقية والتوجهات الدينية للعازفين. معيار الاختيار كان هو قدرتهم الموسيقية. وحب الموسيقى هو الشيء الذي يجمع هؤلاء الشباب. وهذا شيء جميل أن يجتمعوا على موسيقى تسعى لتجاوز الاختلافات وكسر الحدود.
يعني أنت ترى أن الموسيقى قادرة على لعب دور فعال للم شمل العراقيين وبالتالي دعم الاستقرار والطمأنينة في البلاد وإعطاء صورة مغايرة عن العراق؟ أي أن الموسيقى قادرة على تحقيق ما عجزت عنه السياسة؟
أكيد، في سنوات حياتي السابقة، في فترة الأزمات التي كان يعيشها العراق في فترة الحصار أتذكر أننا قدمنا في أحد الأيام حفلاً، مباشرة بعد أحداث الكويت. وحضرت الحفل وفود من دول أوروبية ومن كندا وشاهدوا الأوركسترا تعزف" تشايكوفسكي" فأعجبوا بذلك كثيراً. بعد الحفل جاءت رئيسة الوفود فقبلتني، ثم قالت: كنت أتصور أن العراقيين آكلو لحوم، لكن عندما شاهدتكم تعزفون " تشايكوفسكي"، أدركت أن العراقيين لهم عمق ثقافي وحضاري كبير، يختلف عن الصورة الإعلامية والصور النمطية السائدة في الغرب.
وبهذا استطعنا من خلال عزفنا إعطاء صورة يعجز أكبر وزير أو سياسي على إعطائها ولو ظل يحكي طيلة الوقت عن تاريخ وحضارة العراق. ونحن فقط من خلال قطعة موسيقية وعزف موسيقي بسيط استطعنا تحقيق ما لم تحققه السياسة. ومن خلال الأوركسترا السيمفونية العراقية نقدم أعمالاً في العراق والجمهور يأتي إلينا بشغف لحضور الحفلات حتى يبتعد عن ضوضاء الانفجارات والخوف، يأتي إلينا فيرتاح نفسياً وذهنياً ولو لبضع ساعات، ليستطيع بعد ذلك مواجهة الوضع السيئ، وهذا بمثابة علاج نفسي وهذه رسالة للإنسانية بصفة عامة وللعراقيين بصفة خاصة.
ماذا يعني بالنسبة لك تأليف قطعة موسيقية ستقدم في مسقط رأس بتهوفن، هل كان لهذا تأثير في صياغة هذه الملحمة؟ هل تم أخذ ذلك بعين الاعتبار؟
هذه مفخرة كبيرة لي، فأنا درست الموسيقى في رومانيا وكانت دراسة الماجستير التي قمت بها حول ثورة الموسيقى عند بتهوفن، والذي كان له تميز وذكاء عالي في مؤلفاته حيث انتقل بالموسيقى الكلاسيكية من الرومانتيكية إلى مرحلة أخرى، وهذا من حسن حظي أن أتواجد في هذا المكان وأنا لدي معزة ومحبة خاصة لهذا المؤلف وأعماله وقد قمت بتقديم العديد من أعماله مع الأوركسترا السيمفونية الوطنية العراقية.
أجرى الحوار: أمين بنضريف
مراجعة: عماد غانم