إلى أي مدى يحق للإنسان أن يقرر إنهاء حياته؟
٦ يوليو ٢٠٢٣ما هو "الموت الرحيم"؟ ومن الذي يقرر ذلك؟ أسئلة من بين أكثر الأسئلة حساسية التي يمكن طرحها. عام 2020 قررت المحكمة الدستورية العليا في ألمانيا أن تولي القرار للشخص المعني نفسه. وباتت الاستقلالية في الموت هي الأولوية القصوى. ومثل الحكم آنذاك تحولا جذريا في البلاد، حيث كان يحظر أي شكل من أشكال الموت الرحيم.
الأشخاص الذين أرادوا الاستفادة من هذه المساعدة اضطروا للذهاب إلى بلدان تجيز ذلك، مثل سويسرا. منذ عام 2020، تعمل "جمعيات الموت الرحيم" في ألمانيا دون أن يترتب عن ذلك عواقب قانونية، وتقدم هذه الجمعيات لأفراد يعانون من أمراض عضال، المساعدة على الانتحار أو العثور على الأطباء. لكن الآن يسعى البرلمان الألماني "البوندستاغ" إلى إنهاء هذا الوضع غير المنظم وإقرار قانون بشأنه.
الفرق بين الموت الرحيم "النشط" و"السلبي"
يجرى الموت الرحيم من خلال حصول الشخص على عقار مساعد أو تناوله بنفسه وبهذا ينقسم إلى موت رحيم سلبي وآخر نشط، إذا تلقى شخص ما حقنة تحتوى على عقار مميت بالأوردة الدموية، فهو بذلك يستفيد من المساعدة على الموت الرحيم. ولكن إذا قام الطبيب بإعطاء العقار للشخص، فهذا هو ما يعرف بـ "الموت الرحيم النشط" والذي لا يزال محظوراً في ألمانيا. في هولندا، على سبيل المثال، أو في لوكسمبورغ، يُسمح بهذه العملية. كما وافق البرلمان البرتغالي مؤخراً على الموت الرحيم النشط.
سواء كان نشط أو سلبي، يعد الموت الرحيم في الأساس ظاهرة مرتبطة بالبلدان الصناعية في أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا. ويقول لوكاس رادبروخ، أحد أطباء الرعاية التلطيفية الرائدين في ألمانيا: "هذه هي البلدان التي يتغير فيها التشريع وفق القيم السائدة. وهنا الاستقلالية هي القيمة المهيمنة. فيما تبقى عملية اتخاذ القرار في بلدان أخرى، عملية جماعية وأكثر أسرية".
يتعامل الطبيب الألماني،، بشكل يومي مع الموت والفراق خلال عمله في المستشفى. يجلس ضمن لجنة الأخلاقيات الطبية ويتشاور مع زملائه الأطباء حول رغبات ومعاناة مرضاه. لكن الطبيب المختص في الطب التلطيفي، لا يقدم المساعدة على الموت الرحيم، لأنه لا يستطع التوفيق بين ذلك وبين مفهومه للدور الموكل للطبيب في تكريم و حماية حياة مرضاه.
الاستقلالية حتى في الموت!
الخلافات القائمة بين الأطباء والمحامين في المجتمع تتمثل في التساؤل التالي: هل ينبغى أن تشمل استقلالية الفرد موته أيضاً؟ وهو ما أكدته المحكمة الدستورية الاتحادية، لكن الشرط الأساسي هو أن يتخذ الشخص القرار بشكل "حر ومسؤول". في الوقت الذي يمكن فيه للناس أن يقرروا طريقهم في الحياة بحرية واستقلالية، لا يمكن للمرء أن ينكر ذلك في الموت.حكمة التزمت بها، ليا كوخ، طوال حياتها. سيدة في بداية السبعينات من عمرها، والتي تحمل في الواقع اسماً مختلفاً، ترافق المرضى حتى وفاتهم بشكل طوعي، وتعمل في المساعدة على الموت الرحيم. لا يكاد أي شخص في بيئتها يعرف عن عملها التطوعي هذا. بدأت كوخ مرافقة المرضى منذ عام 2020، أي منذ إلغاء حظر الموت الرحيم. وتقول المرأة الحازمة التي فضلت عدم الكشف عن هويتها الحقيقية و مكان إقامتها في المقال: "إذا سألتني قبل ثلاث سنوات ما إذا كنت سأفعل ذلك، لكنت سأقول: لن أفعل ذلك أبداً".
أصيبت امرأة بشلل نصفي بعد حادث دراجة نارية تعرضت له، وطلبت من ليا كوخ مرافقتها ومساعدتها، وعن تلك التجربة قالت: "ذلك الوقت غير حياة كل منا". وعند وفاة المرأة كانت آخر كلماتها، بحسب ليا كوخ: "شكراً لك، شكراً لك ، شكراً".
تأثرت كوخ بثقة الناس بها. ومع كل شخص ترافقه، تسأل نفسها عما إذا كانت تفعل الشيء الصحيح. لكنها تصل في نهاية المطاف إلى إجابة نفسها: "أفعل بهذا الشيء الصحيح". لم تذكر عدد الأشخاص الذين رافقتهم للموت الرحيم، لكن على شرفتها تحترق شمعة تخليداً لذكراهم: "أجد أن حالات المساعدة على الموت الرحيم، أكثر سلمية لأنها قرارات مدروسة جيداً".
جمعيات المساعدة على الموت الرحيم في ألمانيا
فقدت الجمعيات والأشخاص الذين يقدمون المساعدة على الموت الرحيم، مصداقيتهم في المجتمع الألماني على مدار فترة طويلة، وكانوا يتهمون بأنهم يستفيدوا من الموت، ويجنون المال من معاناة الغير. تغيرت هذه النظرة إلى حد ما منذ صدور حكم المحكمة الدستورية العليا، حتى لو كانت الكنائس الأكثر نفوذاً في ألمانيا لا تزال تنتقد عمل هذه الجمعيات. يوجد الآن العديد من جمعيات الموت الرحيم في ألمانيا. ويكشف بعضها بشفافية عن عدد الأشخاص الذين رافقوهم حتى وفاتهم. رافقت "جميعة مساعةد على الموت الرحيم"، قرابة 139 حالة للموت الرحيم العام الماضي. سجلت"الجمعية الألمانية للموت البشري"DGHS، زهاء 229 حالة وفاة بمساعدة الموت الرحيم العام الماضي. غير أن هذه الأخيرة ليست جمعية مختصة في الموت الرحيم، ولكنها جمعية مختصة في حماية المرضى وتقدم لهم في المقام الأول المشورة، على سبيل المثال، ولكنها ترتب أيضاً الموت الرحيم بمساعدة أعضائها.الغالبية العظمى من الأشخاص المصابين بأمراض جسدية خطيرة يستفيدون من خدمات الموت الرحيم بمساعدة أعضاء الجمعية.
تؤكد الجمعية الألمانية للموت البشري"DGHS على السير بحذر شديد في هذا الاتجاه. وتدخل العديد من النقاشات مع المحامين والأطباء، ضمن معايير تحديد "اليقين المطلق" للشخص الذي يرغب في الإقدام على هذه الخطوة بمحض إرادته. منذ صدور حكم المحكمة الدستورية الفيدرالية، تلقت الجمعية الكثير من ردود الفعل الإيجابية من أعضائها وعائلاتهم: "كثيرون يقولون، أن ذلك مثل مصدر ارتياح كبير لنا، وللعائلة، ويحقق ما يريده الشخص، دون الشعور بالإقدام على فعل غير قانوني أو الاضطرار للذهاب إلى سويسرا. نسمع الكثير من الامتنان، "كما يقول، فيغا فيتزل، من الجمعية الألمانية للموت الإنساني"DGHS .
المشورة والتنفيذ
في المقابل ينظر بعض أطباء الرعاية التلطيفية والمختصين في أخلاقيات الطب، إلى ذلك بشكل نقدي ويرون أنه من غير الجيد أن يقدم أولئك المشورة بشأن الموت الرحيم وهو هم أنفسهم الذين ينفذون أو يتوسطون في المساعدة على ذلك. ويقول رادبروخ: "تكمن مشكلة المشورة التي تقدمها جمعيات الموت الرحيم في أنها ترشدك حول كيفية القيام بذلك، وليس ما إذا كان ذلك ممكناً".
يناقش البرلمان الألماني "البوندستاغ" في الوقت الحالي، مسودة قوانين جديدة للمساعدة على الموت الرحيم. من المتوقع الاستعانة بمصادر خارجية للمشاورات، وليس جمعيات الموت الرحيم نفسها. بينما يعد أحد القوانين المطروحة للنقاش، أكثر ليبرالية في توجهه، يهدف قانون آخر إلى تنظيم عملية المساعدة على الموت الرحيم بشكل قانوني وأكثر صرامة.
هل تتغير نظرتنا للموت في المستقبل؟
بالنسبة للفيلسوف وعالم الأخلاقيات الطبية، جان بيير ويلس، تثير جميع الأسئلة العملية أيضاً أسئلة أخلاقية بالأساس. إذ لم يحدد حكم المحكمة الدستورية الفيدرالية أي معايير للموت الرحيم. من الناحية النظرية، يمكن للأشخاص الأصحاء أيضاً الاستفادة من المساعدة على الموت الرحيم، كما لا يهم العمر أيضاً. يكفي أن يكون الشخص، كما تسميه المحكمة، " اكتفى من الحياة". وفي هذا الصدد تكشف جمعية المساعدة على الموت الرحيم على أن في عام 2022، استفاد ثلاثة أشخاص بدون مرض من المساعدة على الموت الرحيم.
تطور مثير للقلق، كما يرى ويلس: "لقد أثار الحكم الجدل في أوروبا حول الموت الرحيم". لأنه لا يوجد بلد آخر يذهب إلى أبعد من ألمانيا عندما يتعلق الأمر بالمساعدة على الموت الرحيم. "ما أخشاه، والذي سيزداد، هو تحول الانتحار إلى خيار عقلاني، لذلك إذا كنت أرغب في أن أعيش حياتي مثل شخص مستقل ومسؤول عن قراراته، يصبح الانتحار في النهاية خياراً عقلانياً" .
لا تجد المساعدة المتطوعة على الموت الرحيم، ليا كوخ، لهذه فكرة تأكيداً في الممارسة العملية. وتقول: "الحياة ثمينة. المحادثات التي أجريتها كانت فردية للغاية. لا أرى لها مثيلاً". لكن: معيار الإكتفاء من الحياة مبرر شرعي لهم. يمكنها أن تفهم ما إذا كان شخص ما يريد المغادرة بعد حياة طويلة. ومع ذلك، يلعب العمر دوراً بالنسبة لها. من جهتها ترى "الجمعية الألمانية للموت الإنساني DGHS" أن المعيار الأساسي لإتخاذ القرار هو استقلالية الإنسان: "إذا كان الحق في تقرير المصير من حقوق الأساسية التي يتمتع بها الإنسان طوال حياته، فيجب أن يكون هذا هو الحال أيضاً عند نهاية الحياة"، كما يقول فيغا فيتزل.
بالنسبة للبعض مثل الفيلسوف وعالم الأخلاقيات الطبية، جان بيير ويلس، فإن هذا يترك حالة من عدم الارتياح لديه، لأنه يخشى أن يتم "التطبيع" بين الانتحار وإنهاء الحياة بمساعدة الموت الرحيم: "خلف هذا الستار، تختفي مأساة الانتحار بأكملها. مما يتحول فيما بعد إلى أمر عادي". هذه أسئلة أساسية ستصبح أكثر إلحاحاً في المستقبل. والأرقام من هولندا تظهر بالفعل أن المزيد من الناس يريدون اللجوء إلى الموت الرحيم. ولهذا يسعى البوندستاغ إلى اتخاذ قراره حول المسار الذي على ألمانيا أن تسلكه بهذا الشأن.
ملاحظة: نؤكد هنا أن الإقدام على الانتحار تحت أي ظرف كان ليس هو الحل لأي مشكلة، ونلفت إلى أن هناك جهات مختصة في كل بلد من الممكن أن تقدم المساعدة والنصح والمشورة لمواجهة أي مشكلات والتغلب عليها. الجدير بالذكر أن كثير من الدول تحظر المساعدة على الانتحار وبعضها يعاقب عليه.
ليزا هانيل، إ.م