المهمة العسكرية الأوروبية في البحر الأحمر- هل تردع الحوثيين؟
٢٢ يناير ٢٠٢٤مع تصاعد التوتر في مياه البحر الأحمر بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة من جهة والحوثيين من جهة أخرى، خرج الاتحاد الأوروبي ليعلن عن أسلوب الرد الخاص به على أزمة الملاحة في البحر الأحمر، وهي أزمة جديدة رغم أنها تتجاوز حدود الصراع في الشرق الأوسط، إلا أنها مرتبطة بالوضع في غزة.
وبحسب ما صرح جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد، بعد اجتماع مع وزراء خارجية دول التكتل في بروكسل، توصلت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق "من حيث المبدأ" على القيام بعملية عسكرية لتأمين حركة الشحن البحري التجاري في البحر الأحمر.
لكنّ محللين يحذرون من أن الأمر يحمل في طياته خطر التصعيد، ما يستوجب تحركا أوروبيا حذرا.
سبب تشكيل مهمة أوروبية بحرية؟
عمد الحوثيون، الذين يسيطرون على مساحات شاسعة من شمال اليمن وغربه، إلى مهاجمة السفن التجارية في البحر الأحمر، الذي يعد أحد أكثر طرق الشحن ازدحاما في العالم، حيث يربط بحر العرب بالبحر المتوسط عبر قناة السويس.
وبدأ الحوثيون هجماتهم على الملاحة الدولية عقب هجوم حماس الإرهابي على إسرائيل في السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي، وقال الحوثيون إن الأمر يأتي في إطار التضامن مع غزة مع زعم أن سفن الشحن المستهدفة مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بإسرائيل.
وانضم الاتحاد الأوروبي إلى الدول التي سارعت إلى انتقاد هجوم الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر، الذي يعد أهم الممرات المائية في العالم، حيث يمر عبره قرابة 40 بالمئة من حجم التبادل التجاري بين آسيا وأوروبا.
وعلى وقع الهجمات، قررت معظم شركات الملاحة الكبرى تغيير مسار سفنها بعيداً عن البحر الأحمر وبالتالي قناة السويس، ما يعني أن السفن المنطلقة من الشرق الأقصى صوب أوروبا باتت في حاجة إلى الالتفاف حول القارة الأفريقية بأكملها عبر طريق رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا. وستستغرق الرحلة أسبوعاً إضافياً مع قطع 3500 ميل بحري إضافي.
ويمر قرابة 12 في المئة من حجم التجارة العالمية عبر قناة السويس التي تربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر حيث تعد أقصر طريق بحري بين آسيا وأوروبا.
وفيما يتعلق بالموقف الأوروبي، فإن مهمة الاتحاد الأوروبي البحرية الجديدة منفصلة عن مهام تحالف "حراس الازدهار" البحري بقيادة الولايات المتحدة وعشرين دولة والذي شرع في مهامه منذ أواخر العام الماضي. وأثار التحالف انقسامات داخل التكتل الأوروبي، ففي حين انضمت إليه هولندا واليونان والدنمارك، رفضت فرنسا وإيطاليا وإسبانيا الانضمام إليه.
وجدير بالذكر أنه لم يتم التوافق بعد على طبيعة المهمة البحرية الأوروبية وسط توقعات أن تستغرق عملية خروجها إلى النور عدة شهور.
ما الجديد الذي يحمله الاتحاد الأوروبي؟
خلال الأسابيع القليلة الماضية، جرى اقتراح عدة خطط، منها إرسال سفن حربية للقيام بدوريات في المنطقة.
وقد كشفت وثيقة مسربة أن خدمة العمل الخارجي الأوروبية، التي تمثل الذراع الدبلوماسي في التكتل، قد اقترحت إرسال ثلاث سفن على الأقل، فيما قال مصدر دبلوماسي لـ DW شريطة عدم الكشف عن هويته، إن الخيار المفضل سوف يتمثل في إعادة استخدام "عملية أجينور" الأوروبية بقيادة فرنسا، التي تستهدف ضمان حرية الملاحة في مضيق هرمز.
وتشارك ثماني دول في الاتحاد الأوروبي في مهام "عملية أجينور" كجزء من مهمة "المراقبة البحرية الأوروبية" في مضيق هرمز المسماة (إيماسوه)، التي "تهدف إلى نزع فتيل التوترات والمساهمة في بيئة ملاحية آمنة".
وقد أبدى وزير خارجية إيطاليا أنطونيو تاياني دعمه لهذا المقترح حيث نُقل عنه قوله بأن توسيع مهام "عملية أجينور" يعد الخيار الأنسب والأسهل.
وقال إن خدمة العمل الخارجي التابعة للاتحاد الأوروبي "تؤيد تماما هذه الفرضية".
بدورها، قالت وزيرة الدفاع الهولندية كاجسا أولونغرين إن بلادها من المرحج أن تدعم مهمة الاتحاد الأوروبي بفرقاطة، مضيفة: "مازلنا ننظر في الأمر وسنناقشه مع أعضاء البرلمان".
ويهدف الاتحاد الأوروبي إلى تشكيل مهمته الجديدة بحلول 19 فبراير / شباط المقبل، على أن تباشر عملها بعد ذلك بوقت قصير، بحسب ما نقلت رويترز عن مصادر دبلوماسية.
الانقسام الأوروبي حيال المهمة.. لماذا؟
ويقول مراقبون إن رد فعل الاتحاد الأوروبي على أزمة الملاحة في البحر الأحمر كان بطيئا، حيث تجنبت العديد من الدول، خاصة إسبانيا، المبادرات التي دشنتها مؤخرا الولايات المتحدة للتدخل المشترك.
في المقابل، تخشى دول أوروبية من مغبة حدوث تصعيد خطير في المنطقة التي باتت على حافة الهاوية وهو ما رآه البعض السبب وراء الرد الأوروبي الفاتر على الضربات الأمريكية والبريطانية ضد الحوثيين قبل أسبوع.
وقالت الولايات المتحدة إنها لم تتلق سوى مساعدة عملياتية من هولندا، فيما أبدت ألمانيا والدنمارك دعمهما في بيان مكتوب، لكن الحكومة الائتلافية اليسارية في إسبانيا قررت عدم المشاركة في مهمة الاتحاد الأوروبي في البحر الأحمر.
وشددت وزيرة الدفاع الإسبانية مارغاريتا روبليس على أن بلادها لن تتدخل عسكريا في منطقة البحر الأحمر، مضيفة: "على كل دولة تقديم تفسيرات لأفعالها. ستلتزم إسبانيا دائما بالسلام وبالحوار". وتابعت قائلة: "قد يقرر الاتحاد الأوروبي خلال أيام ما إذا كان ينبغي عليه القيام بمهمة بحرية. لا نعلم بعد مدى المهمة إذا ما جرى الموافقة عليها، لكن في الوقت الحالي موقف إسبانيا هو عدم التدخل في البحر الأحمر بدافع الإحساس بالمسؤولية والالتزام بالسلام".
وفي هذا السياق، قالت ناتالي توتشي، مديرة معهد الشؤون الدولية في إيطاليا، إن الضربات الأمريكية-البريطانية والرد الحوثي تزيد من تعقيدات الموقف الأوروبي، مضيفة أن إرسال سفن حربية ينطوي على احتمالات أكبر للتصعيد.
وفي مقابلة مع DW، أوضحت أن "هذه السفن ستكون حربية بقصد إطلاق النار، لكن ليس بالضرورة أن تهاجم الأراضي اليمنية، لكنها بالتأكيد سوف تسقط أي شي ينطلق من هناك. هذا الأمر يختلف تماما عن مهمة أجينور الحالية".
المخاطر؟
وفي محاولة لرسم صورة حيال المخاطر المترتبة على المهمة الأوروبية، قالت توتشي إن هناك خطرا يكمن في احتمال تعرض سفن الاتحاد الأوروبي لهجوم في حالة تفاقم الوضع فضلا عن الخوف من ألا تحقق المهمة التأثير الكبير، ما يجعل الاتحاد الأوروبي يظهر في موقف ضعيف.
وقالت توتشي: "دعونا نضع الأمور في منظورها الصحيح. السعودية تقصف اليمن بشدة منذ عشر سنوات، فهل نجحت فعلا في إضعاف قدرات الحوثيين العسكرية؟ الإجابة بالتأكيد لا".
وأضافت: "ومن هذا المنطق، فما الذي يجعلنا نعتقد أن أي نوع من العمليات البحرية - دفاعيا وليس هجوميا - من شأنه أن يردع (الحوثيين)؟".
وأعربت الباحثة عن مخاوفها من أن يكون اقتراح الاتحاد الأوروبي بتدشين مهمة بحرية جاء "انطلاقا من فكرة أنه يتعين عليه القيام بشيء".
وفي تعليقها، قالت الباحثة في معهد "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" كاميل لونز، إنه يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يطرح حلولا "للتهديدات الأمنية البحرية التي نعاصرها في الوقت الراهن، لأنها باتت تستهدف بشكل مباشر امن واقتصاد وسياسات التكتل"
وفي مقابلة مع DW، أضافت أنه رغم المصالح الأوروبية التجارية الكبيرة في هذه المنطقة، إلا أن الاتحاد الأوروبي لم يكن لاعبا ذا ثقل إلى جانب الولايات المتحدة منذ بداية أزمة البحر الأحمر.
غزة..أزمة كبيرة يتم تجاهلها
وتتفق توتشي ولونز على أن السبب الجذري لأزمة البحر الأحمر الحالية يكمن في الوضع الراهن في قطاع غزة، مؤكدتين في حديثهما إلى DW على أن الرد الأوروبي المتباين على الصراع عمل على تقويض مصداقية الاتحاد الأوروبي على المسرح العالمي لا سيما في البلدان المتعاطفة مع الفلسطينيين.
وفي ذلك، شددت لونز على أن هناك "حاجة حقيقية لمعالجة حالة عدم الاستقرار التي تعصف باليمن وبمنطقة البحر الأحمر بشكل عام، ما يتطلب ردا دبلوماسيا، أكثر من مجرد الرد العسكري"، حسب قولها.
أعده للعربية: محمد فرحان