المنتخب الألماني مثالاً: هل تنجح الرياضة حيث فشلت السياسة؟
١٣ يوليو ٢٠١٠يرى البعض أن الحياة اليومية لا تظهر التعدد الثقافي في المجتمع الألماني، وذلك لانعزال ذوي الأصول المهاجرة في أحيائهم الخاصة بهم وعدم رغبتهم في الاختلاط بالألمان وبالعكس. ويزيد في ذلك عدد من العقبات التي وضعتها السياسة بقصد أو بدون قصد في وجه اندماج هؤلاء المهاجرين في المجتمع، ناهيك عن نوع من التمييز يتعرضون له عند التقدم لوظيفة أو حتى محاولة استئجار منزل.
منتخب يجمع الثقافات سوية
إلا أن المنتخب الألماني الذي شارك بتشكيلة جديدة وصغيرة في العمر في بطولة فيفا كأس العالم التي جرت في جنوب أفريقيا غّير من هذه الصورة تماماً، فأحد عشر لاعباً من أصل 23 في الفريق ينحدرون من أصول مهاجرة، مثل مسعود أوزيل التركي، وسامي خضيرة التونسي وجيروم بواتنغ الذي ينحدر والده من غانا. هذه الحقيقة دفعت الكثير في ألمانيا للتساؤل عن قدرة الرياضة عامة، وكرة القدم خاصة، على المساهمة في دمج المهاجرين في المجتمع الألماني.
عامل آخر لدفع عجلة الاندماج هو مشاهدة مباريات المنتخب الألماني في الساحات العامة، فكثير من ذوي الأصول المهاجرة تدافعوا إلى جانب الألمان لحجز أماكن لهم في هذه الساحات، من أجل أن يتسنى لهم رؤية لاعبين ربما ينحدرون من نفس الأصول التي ينحدرون منها وهم يمثلون ألمانيا في أهم الأحداث الرياضية على مستوى العالم، آسرين قلوب الألمان وغيرهم من مواطني الدول الأخرى. ففي مباراة دور نصف النهائي بين ألمانيا وأسبانيا حملت العديد من السيارات الأعلام الألمانية وعلم الدولة التي ينحدر منها سائق السيارة، لكن القميص كان دائماً هو القميص الألماني.
من جهته يقول الناطق باسم الاتحاد التركي في منطقة برلين وبراندنبورغ، زافتر تشينار، بأن هذه الظاهرة كسرت حاجز الرهبة بين المهاجرين والألمان وتشكل بارقة أمل، مضيفاً أن "أوزيل وخضيرة أظهرا لنا أن أطفال المهاجرين لديهم فرصة هنا في ألمانيا".
المهاجرون يفخرون بالعلم الألماني
في المناطق التي تقطنها أغلبية من أصول مهاجرة، كحي نوي كولن أو فيدينغ بمدينة برلين، والمعروفة بارتفاع نسبة الجرائم فيها، تشير الشرطة هناك إلى انخفاض كبير في الجرائم خلال فترة انعقاد المونديال. أحد رجال الشرطة يضيف قائلاً: "كل ما يقوم به الناس هو الاحتفال سوية والرقص في الشوارع، أو تسيير مواكب وإطلاق العنان لأبواق سياراتهم. نحن نتركهم يفرحون ويحتفلون".
وحتى أكبر علم ألماني في البلاد يرفعه مهاجر، وهو اللبناني إبراهيم البصال البالغ من العمر 39 عاماً، والذي يعيش في حي نوي كولن ببرلين منذ 25 عاماً بعد فراره من الحرب الأهلية في بلاده. إلا أن المشكلة الوحيدة التي يعاني منها البصال بسبب رفعه للعلم حالياً هي عداء بعض المجموعات اليسارية له، والتي دمرت العلم مرتين حتى الآن، لكنه يصر دائماً على إبقاء العلم مرفوعاً. البصال وغيره من المهاجرين الذي يرفعون علم ألمانيا على سياراتهم أو من نوافذ منازلهم هم نفسهم الذين يعيشون في حي نوي كولن الذي قال عنه عمدته هاينز بوشكوفسكي في السابق: "هنا فشلت سياسة تعدد الثقافات".
لا خوف من نزعة وطنية
ويرى أستاذ علم الاجتماع بجامعة برلين الحرة، يورغن غيرهاردز، بأن الخوف من اجتياح موجة من الوطنية لألمانيا، كما حصل إبان مونديال 2006 الذي جرى في ألمانيا، غير مبرر، مضيفاً أن دراسات حديثة تشير إلى أن هذا النوع من الوطنية ينحسر بشكل كبير وسريع بعد انتهاء مباريات كأس العالم. وكانت إحدى الدراسات قد أوضحت بأن مستويات الوطنية في ألمانيا بعد المباراة النهائية قد قاربت مستوياتها قبل بدء كأس العالم. ويعلل البروفسور غيرهاردز ذلك بقوله: "إن الظل الثقيل لتاريخ ألمانيا لا يمكن أن يتأثر بصيف قصير من الفرحة بفريق كرة القدم".
إلا أن أسئلة كثيرة تبقى معلقة في الهواء: هل سيستمر المنتخب الألماني متعدد الثقافات والأصول في التأثير على ذوي الأصول المهاجرة حتى بعد انتهاء كأس العالم؟ وهل سيدفعهم للاندماج بشكل أكبر في المجتمع الألماني، أم أن الأعلام الألمانية على نوافذ المنازل في نوي كولن وغيرها من الأحياء أو على السيارات ستختفي بعد أسبوع من فض عرس كرة القدم العالمية وعودة الأمور إلى طبيعتها؟
(ي.أ/ دويتشه فيله/ د ب أ)
مراجعة: هيثم عبد العظيم