المكفوفون الجزائريون يفتتحون أول نادي أنترنت لهم

استبشر مكفوفو الجزائر بالانجاز الوحيد في البلاد الذي حققه رئيس الاتحاد الوطني للمكفوفين لولاية البليدة معمّر صحراوي، بفتح نوافد عالم الشبكة العنكبوتية أمامهم، وقرر الجميع بعد الاعلان عن فتح أول مقهى أنترنت خاص بهم لبس قفاز التحدي وخوض غمار معركة التطوير والحداثة وكسر حاجز العزلة عن عالم الانترنت وخدماته المتعددة.

الحاجة أم الاختراع

ويروي الشاب الضرير معمر صحراوي (43 سنة) الحاصل على شهادة الليسانس في العلوم الاسلامية لـDW بدايات الفكرة الأولى للمشروع فيقول" لقد كانت حاجتي الشخصية للتواصل والتعرف على آخر ابتكارات التكنولوجيا، وقراءة الكتب والجرائد اليومية والمتخصصة اللبنة الأولى للمشروع الذي عملنا على تطويره مع مجموعة من الاصدقاء وبمساعدة عدد من جمعيات المجتمع المدني وخاصة "نادي الاسود" الذي قدم لنا الكثير من الدعم حتى يخرج المشروع على ما هو عليه الآن، والذي سيفتح أفاق كبيرة لفئة المكفوفين حتى يزاولون دراستهم ويقومون ببحوثهم العلمية والعملية".

ويستقبل نادي إتحادية المكفوفين، ذوي الامكانيات المتواضعة، ومنذ افتتاحه الشهر الماضي بحواسيبه الخمسة الراغبين في تعلم تقنية "الانفو-براي" أو الاستماع إلى المكتبة الصوتية بالنادي والذي يقدر عدد المراجع بها 1600 كتاب باللغتين العربية والفرنسية، وقال رئيس الاتحادية " بأنها ستسمح لحوالي 500 منخرط كفيف من أصل 2500 آخر بالتعاطي مع هذه البرامج كمرحلة أولى"، واعدا بتوسعة المشروع ليصل تلاميذ القسم الثانوي والجامعيين لتزويدهم بتسجيلات أخرى خاصة بالدروس والمقررات النظامية والمذكرات والرسائل والأطروحات الجامعية.

عين الكفيف في الانترنت

وعن الميزة التي يحملها كومبيوتر المكفوفين يقول معمر " كل جهاز كومبيوتر عادي يمكن استخدامه من طرف الكفيف، فقط يضاف له برنامج قارئ الشاشة الصوتي (الأنفو-برايل) الذي يعتبر العين الحقيقية التي يبصر بها المكفوف، لمعرفة كل ما هو موجود على الشاشة بصوت الكومبيوتر، وبناءا عليه يعطي المتصفح أوامره للجهاز عن طريق لوحة المفاتيح، مثل الدخول إلى الملفات أو البحث في الانترنت، وما يميز البرنامج هو إعادة قراءة الحروف والجمل والرسائل التي يكتبها المتصفح، أو يستلمها في بريده الإلكتروني"، ويؤكد رئيس إتحاد المكفوفين بالبليدة أن البرنامج "أقل تعقيدا من الكومبيوتر المخصص للمكفوفين الذي يعتمد في مفاتيحه على لغة البرايل بالإضافة إلى فارق السعر الكبير بينهما".

دورات تدريبية مكثفة للمبتدئين

ويقر معمر صحراوي بأن غالبية فئة المكفوفين في الجزائر، لا تزال محرومة من تصفح مواقع الشبكة العنكبوتية، بصورة شخصية ما يضمن لها خصوصية المراسلة وحرية واستقلالية التعامل، وأن هذا الواقع من الصعب تغييره لكنه في الوقت نفسه ليس مستحيلا إذا تضافرت جهود السلطات الرسمية وجمعيات المجتمع المدني الناشطة في هذا المجال. وتؤكد رفيقة رقيق، أستاذة لغة برايل وواحدة من رواد النادي أن نجاح مسعى توسيع عدد مستخدمي الانترنت من المكفوفين لن يكون إلا عن طريق تعليمهم الابجديات الأولية لتقنيات وتطبيقات الكومبيوتر وعالم الانترنت، خاصة إذا علمنا أن غالبية المكفوفين بمن فيهم حاملي الشهادات العليا لا يتعاملون مطلقا مع الكومبيوتر. وتطالب السيدة رزيقة من السلطات المعنية بتقديم دورات تدريبية متخصصة ومكثفة في مجالات استخدام الكومبيوتر وخاصة كيفية التعامل مع التطبيقات الاكثر استخداما مثل "وورد" و"الاكسل" وكيفية التعامل مع البريد الالكتروني وغرف الدردشة وغيرها من التطبيقات التي يحتاجها المكفوف في مجال دراسته أو عمله. و تقول سمية.ج (32 سنة)" لم أتعامل في حياتي مع الكومبيتر بصفة شخصية، لذلك أنا أجهل كل شىء عنه، لذلك اتمنى توفير إمكانية لتعلم أوليات الكومبيوتر والانترنت مثل ما يحدث في كثير من دول العالم".

الكفيف وحده لا يستطيع

تتعقد علاقة مستخدم الانترنت الكفيف كثيرا مع الكومبيوتر في الحالات التي لا يستجيب فيها البرنامج إلى أوامر المتعامل بسبب الاعطاب التي تحدث في البرنامج غير الأصلي(المستنسخ). ويقول معمر إن " كل البرامج التي نعتمد عليها هي برامج مقرصنة يتم تحميلها من الانترنت، لذلك فهي غير أصلية وتسبب لنا الكثير من المشاكل التقنية التي لا طاقة للكثير من المكفوفين بها"، ويضيف معمر أن "الحالة المزرية للمكفوف لا تسمح له بشراء برامج أصلية، فهي تفوق قيمة بعضها مئة وأربعون ألف دينار جزائري (1000 يورو)، وهذا ما يواجهوه بعض المكفوفين الذين لا يتقنون اللغة الفرنسية، وبالرغم أن الحل هو في شراء برنامج شركة صخر"إنصات" لقراءة الشاشة، لكن قلة اليد تجعل من حل المشكلة في حكم المستحيل، وبالرغم من مطالباتنا بتوفير هذا البرنامج لكنه لحد الآن لم يستجب لنداءاتنا".

على الرغم من المشاكل العديدة التي يواجهها المكفوفون في الجزائر والذي يبلغ عددهم أكثر من 120 ألف شخص، والتي تأتي في مقدمتها الحرمان الاجتماعي والجحود في تطبيق القانون من طرف المسؤولين في التوظيف والدراسة، إلا أن حال "المتصفحون الجدد" للشبكة العنكبوتية في الجزائر يقولون" أن أكون كفيفا هذا لا يعني أن العالم قد غرق في الظلام، فما زال عندي أربع حواس ونور البصيرة"، و بنور البصيرة حقق معمّر و رفاقه المستحيل من العدم.

توفيق بوقاعدة- الجزائر

مراجعة: هبة الله إسماعيل