المصريون يسخرون من واقعهم..بالغناء
١ ديسمبر ٢٠١٣ظهرت في الآونة الأخيرة فرق موسيقية استعانت بالغناء والموسيقى للسخرية من الواقع المصري الراهن. من بينها فرقة "لايك جيلي" التي اشتهرت بعد مشاركتها في إحدى حلقات البرنامج الساخر "البرنامج" الذي كان يقدمه الإعلامي باسم يوسف في أحد القنوات التلفزيونية المصرية قبل توقفه مؤخرا.
بدأ أعضاء فريق "لايك جيلي" رحلتهم الفنية كهواة طلبة. وأول عمل لهم، أغنية تحدثت عن معاناة حمار يجر عربة في شوارع القاهرة، تلتها بعد ذلك سلسلة من الأغاني شملت مفردات جديدة تنتقد واقع الحياة اليومية للمصرين. ويقول يوسف عطوان أحد أعضاء "لايك جيلي"، إنهم يعتمدون على السرد في كثير من أغانيهم، فهم يتطرقون إلى مواقف حقيقية عايشوها في حياتهم الشخصية أو عايشها مقربون لهم، وهي ترمز في الغالب إلى المواقف اليومية التي يواجهها الشباب المصري .
وكمثال على ذلك، أشار عطوان في حديث له مع DW عربية إلى أغنية "مينا" التي تتطرق إلى ما تعرض له شاب أثناء مروره بأحد كمائن الشرطة، وهو في طريقه لقضاء إجازة. ويقول عطوان إن الأغنية انتقدت بشكل ساخر ومضحك عملية التفتيش "المهينة" التي تعرض لها هذا الشاب، وذلك بإظهار عكس الحقيقة عبر الترحيب المبالغ فيه من قبل رجال الأمن لدرجة أنهم شاركوا "مينا" في الاستمتاع بإجازته، بل وقدموا له المشروبات الكحولية أيضا.
ويستدرك عطوان "نحن نقدم أسلوبا حكائيا مسليا في الأغاني وهذا يكفينا كفرقة موسيقية، أما إذا خرج الجمهور بأكثر من التسلية والابتسامة ووصلته رسالة ما، فإن ذلك سيكون بالطبع أفضل. لكن هدفنا الرئيسي هو التسلية وغناء الواقع".
"لا حدود للكلمات"
أما زميله محمد القويسني، العضو بالفرقة الموسيقية ذاتها، فقد أشار في حوار مع DW عربية إلى أن الفرقة تقدم عبر الموسيقى حالات واقعية، وهي لا تتضمن "كلمات أو قصصا مصطنعة"، وإنما تغني "ما يحدث في الواقع المصري المليء بالأحداث خاصة السياسية منها. ولهذا غنينا "نفسي في ليبرالي" والتي استعملنا فيها مصطلحات ما بعد الثورة مثل "ليبرالي – اشتراكي – إخواني "، مع العلم أنه وبعد ثورة يناير تشكلت لدى المصريين صور نمطية حول هذه المصطلحات ومن ينتمون إليها".
وردا على الانتقادات الموجهة إلى أعضاء الفرقة باستخدام كلمات غير مألوفة أو حتى مصطلحات وصفت بـ"غير الأخلاقية" في أعمالهم الغنائي، أشار كل من عطوان والقويسني إلى أنها كلمات تستخدم في الحياة اليومية، "فلماذا لا تكون موجودة في الأغاني وعلى المسرح طالما أنها تستخدم من قبل الشباب والجمهور يتقبلها. (...) نحن غنينا قصة "دودة" وجعلنا منها بطلة تتفاعل مع الأحداث السياسية والاجتماعية، كما غنينا عن الحمار؛ فلماذا نضع حدودا للكلمات؟!".
الأمراض المجتمعية في الأغنية المصرية
الأغنية كفضاء للسخرية وانتقاد الأمراض المجتمعية السائدة، ظاهرة عرفها المجتمع المصري منذ القدم. وقد تركت فرقة "المصريين" الغنائية التي نشأت عام 1977 بصماتها في هذا المجال، كما قال مؤسسها "هاني شنودة " أمام DW عربية، مضيفا أنها "عالجت مشاكل مجتمعية عدة مثل قسوة الآباء على الأبناء وسيطرة الرجال على النساء، إلى جانب مدافعتها عن حرية المرأة سنوات قبل اعتماد قانون الخلع".
وإن كانت هذه الأغاني قد حققت نجاحا جماهيريا كبيرا، فإنها "حوربت" من قبل أجهزة الدولة التي كانت لا تريد لها أن تخرج عن سياق الحب، حسب شنودة: "بالطبع أثرت تلك الأغاني على المجتمع بدليل المبيعات التي حققتها، لكونها حاولت تقديم إجابات عن مشكلات كثيرة مثل أغنية "ما تفتكروش يا بنات إن الجواز راحة " والتي قدمت تصورا عن مشاكل الزواج في ذلك الوقت".
أعمال بحاجة إلى تجديد مستمر
وحول الفرق الشبابية التي ظهرت على الساحة على غرار "لايك جيلي"، يقول الموسيقار هاني شنودة، إن أعمالها لا تدخل في إطار الأغاني التجارية التي تعرف على أنها عمل فني متكامل الأركان لا يشمل الجانب الفني من كلمات وموسيقى وأعداء فحسب، وإنما أيضا ما تدره من عائدات على المنتج. وهو الجانب غير المتوفر في هذه الأغاني، طالما تعتمد على الانترنت كوسيلة لتقديم أعمالها دون مقابل.
ولأنها عروض تقع بين الدراما والكوميديا وتستلهم مادتها من الأحداث السياسية، فإن الفرق الموسيقية بحاجة باستمرار إلى نصوص متجددة وصالحة لكل وقت، كما يقول الموسيقار. ورفض الأخير استخدام المصطلحات التي قد تكون "غير أخلاقية"، بدعوى أن تلك الأغاني "تدخل البيوت فما لا يجب أن يقال أمام الآباء أو الأبناء لا نستطيع وضعه في أغنية". ومهما اختلفت الآراء حول هذا النوع من الغناء، بات الأخير نموذجاً غنائيا جديدا يعكس جانبا من معاناة المواطن المصري.