المخدرات مَهرَب صغار الفلسطينيين في القدس الشرقية
٢٠ يوليو ٢٠١٥تملأ الأوراق والنفايات بناية مهجورة بمخيم شعفاط لللاجئين الفلسطينيين شرق القدس. في غرفة في هذه البناية يتجمع رجال وحولهم ملاعق مملوءة بالهيروين، يسخنوها بالنار قبل حقنها في أذرعهم.
م. شاب في نهاية العشرينات من العمر. بدأ بتعاطي المخدرات منذ المراهقة. أخذني في جولة في البناية. قال إن البناية تم تنظيفها قبل مدة، لكن عينية الشاردتين تقولان شيئا آخرا. في الصباح يجتمع الأطفال لتعاطي المخدرات. وعندما سألت عن السبب، قال م. "إنه ليس هناك مايشغلهم هنا. لا أحد يهتم بهم، ولا توجد مرافق ترفيهية لهم".
مخيم شعفاط بني لللاجئين الفلسطينيين ويقع تحت سيطرة السلطة الإسرائيلية قانونيا بعد ضم إسرائيل للقدس عام 1967، وهو إجراء لا يعترف به المجتمع الدولي. سكان المخيم ليسوا مواطنين إسرائيليين، لكنهم يملكون حق الإقامة والدخول بحرية إلى القدس. يدفع سكان القدس من الفلسطينيين الضريبة لإسرائيل ويتمتعون بحق الخدمات الصحية والاجتماعية.
مع مرور العقود ازداد عدد سكان المخيم وزاد عدد البنايات حتى تراكمت الواحدة فوق الأخرى ولم يعد هناك مكان للبناء. جدار الفصل الإسرائيلي عزل المخيم عن القدس، وسكان المخيم يعبرون إلى المدينة عبر بوابة عسكرية إسرائيلية. سيارات نقل القمامة تنقلها عبر شوارع غير معبدة. المخيم أصبح بؤرة للخارجين عن القانون، بينما تدخل قوات الأمن الإسرائيلية للمخيم في حالات تخص الأمن الإسرائيلي فقط. أما الشرطة الفلسطينية، فليس لديها سلطة هنا.
تعاطي الصغار
يقول تامر زقاق مدير مركز للإرشاد إن هناك حوالي خمسة آلاف طفل بين 12 و17 عاما يتعاطون المخدرات في شرق القدس. المركز الذي يدار من قبل منظمة "كاريتاس القدس" يشير إلى أن عددا متزايدا من الأطفال يتجهون لتعاطي المخدرات في أعمار مبكرة.
"في الماضي كنا نتعامل مع أعمار 16 و17 و18ممن أدمنوا على المخدرات". يقول زقاق، في مكتبه الواقع في الجزء القديم من المدينة. "في بعض الحالات بدأنا نتعامل مع أعمار 13 و14 عاما". يضرب زقاق مثالا على طفل في الثالثة عشرة من العمر مدمن على الماريجوانا وحبوب النشوة.
يبدأ الصغار بعد عمر التاسعة ببعض الأعمال غير القانونية غير المؤذية، حتى يصلون لمرحلة متقدمة للقيام بأعمال أكثر خطورة، يقول زقاق، الذي يشير إلى الماريجوانا الصناعية المحتوية على مركبات كيميائية لها تأثير ذهني قوي. وهي رخيصة الثمن. "بعض الصغار يتركون المدرسة في عمر التاسعة ويتجهون للعمل في الشارع ويتعلمون من الكبار تعاطي المخدرات". و"الهيروين هو المرحلة التالية"، حسب زقاق.
مقارنة بالبلدان المجاورة مثل مصر ولبنان، فإن فلسطين ليس لديها تاريخ مع تجارة المخدرات، بيد أنها بدأت بالانتشار منذ حوالي 35 عاما في الجزء الشرقي من مدينة القدس. "الشرطة الإسرائيلية تغض النظر عن تناول المخدرات"، يقول زقاق. ويضيف "بإمكان إسرائيل مراقبة ذلك، لكن الشرطة لا تفعل، يهتمون بأمن المناطق العربية فقط، وبالمخدرات إذا ما دخلت التجمعات الإسرائيلية".
الأطفال يعانون أولا
زقاق يصر على أن الوضع المتأزم في المدينة المقدسة يدفع بالصغار إلى تعاطي المخدرات، فالقدس يخيم عليها التوتر بشكل متزايد. المدينة أمست بؤرة توتر للنزاع المستمر بين الجنود الإسرائيليين والشباب الفلسطيني المتذمر. والصدام يدفع غالبا لاعتقال صغار في عمر المراهقة، ويدفع بكثير منهم لترك المدارس. 30 بالمائة من الصغار الفلسطينيين لا يكملون 12 عاما من التعليم في القدس. حسب تقرير لمنظمات غير حكومية في عام 2013.
الصغار من يعاني بالدرجة الأولى من الاضطرابات في المدينة"، تقول أوليفيا واتسون من منظمة الدفاع عن الأطفال الدولية غير الحكومية. "الشباب الفلسطيني غالبا ما يقعون ضحية هجمات المستوطنين واعتقال الشرطة العشوائي واستجواب السلطة الإسرائيلية. أغلب الصغار في عمر المراهقة، لكن بعضهم في عمر 12 عاما".
علاء كروب من منظمة "كاريتاس" أقنع رجلا في إحدى البنايات المهجورة في مخيم شعفاط بالحديث. الرجل في الخمسين وبدأ تعاطي المخدرات في عمر التاسعة.
رجل آخر في عمر الثلاثين متزوج وأب لأطفال يقول إنه تعاطى المخدرات في عمر المراهقة. كلاهما تحدثا عن أن اليأس والغضب وغياب مخرج للأزمة أسباب دفعتهم لتناول المخدرات.
في الأفق يلوح برج مراقبة على الجدار الإسرائيلي. لن تأتي الشرطة الإسرائيلية إلى هذا المكان، يقول الرجال المدمنون. فهم بأمان في هذه الزاوية المظلمة من المخيم.