المحامون الجزائريون في قفص الإتهام
١٢ يونيو ٢٠١٢كشف نقيب المحامين الجزائريين مصطفى الأنور عن تزايد عدد الشكاوى المقدمة من طرف المحامين المهددين بالضرب والتصفية الجسدية بسبب مرافعاتهم في قضايا متعددة أمام المحاكم، تتعلق أغلبها بالرشوة والفساد الإداري والمخدرات والقتل العمد. وقال الأنور في تصريحات إعلامية إن التهديدات التي يتلقاها محامون من جهات مجهولة أو معروفة تأتي إما من الزبائن أومن الخصوم وتتعلق بقضايا يلتزم فيها المحامي بالدفاع. وقد فجرت تصريحات النقيب نقاشا واسعا بين المحامين حول تدهور مكانة المحامي الاجتماعية والحصانة التي يضمنها القانون للمحامي وعنصر الثقة بين المحامي وموكيله وانعدام استقلالية القضاء.
ابتزاز المحامي لموكليه
تعددت الطرق والأساليب التي يتحايل فيها المحامون على زبائنهم. ومن بينها التواطؤ مع الخصم ضد الموكلين وابتزازهم عبر تضخيم المستحقات أوالعبث بمصالح موكليه أوعرض وساطة لارتشاء القضاة بهدف الحصول على حكم في صالح موكليه. مثل هذه الاساليب التي يلجأ إليها بعض المحامين تدفع بالكثير من الجزائريين المتضررين الى التشكك في القطاع القضائي وفي العدالة وأخلاقية المهنة. ويشتكي عمي الساسي الذي التقينا به في محكمة عبان رمضان بالجزائر العاصمة بمرارة من "أصحاب المهنة النبيلة"، فيقول، "لقد أفلسوني. فبعد أن كنت صاحب مال وعقارات لم أعد أملك شيئا، ولا زلت أستدين من الأقارب حتى أدفع مستحقات المحامين في قضية دامت خمس سنوات حتى الآن ولم تنته بعد، وتنقلت خلالها على ثمانية محامين دون استرداد حقي"، ويضيف عمى الساسي لـ DW/ عربية: " لم يعد هناك محامي يناصر الحق والعدل. إن همهم الأول هو جمع الأموال فقط". غير أن صالح يرفض حكم عمي الساسي الذي يشمل كل المحامين ويرى في ذلك الكثير من " القسوة، والتجني، والتعميم غير المقبول"، ويضيف قائلا: " كنت أيضا ضحية أحد المحامين الذي أبتزني كثيرا دون أن أحصل على حكم عادل. ورغم شكوتي لنقابة المحامين لم يكن لدي دليل لإدانته. فالقانون يتيح له فرصة الهروب من المحاسبة والعقاب. غير أن ذلك – يضيف صالح- لا يعني أن كل المحامين فاسدون".
القضاء والمسؤولية
وترد المحامية بهلولي هجيرة على الإتهامات الموجهة لزملائها قائلة: "إن الكثير من الزبائن هم ضحايا اختيارهم لمحامين لا تتوفر فيهم شروط النزاهة والمصداقية، ثم ليحملون كل المحامين مسؤولية فساد بعضهم"، وتضيف الأستاذة بهلولي في مقابلة مع DW/ عربية " إن أغلب ادعاءات المواطنين، خصوصا عندما يخسرون قضاياهم أمام المحاكم ملفقة وغير صحيحة، لأن هناك سوء فهم لمهمة المحامي ودوره في القضية. فالمتقاضي يصف المحامي بالمخلص إن ربح القضية وبالشيطان إن خسر، علما أن السلطة التقديرية في الحكم تعود نهاية الأمر للقاضي وليس للمحامي الذي يقوم بتقديم الأدلة التي تساعد القاضي". وتعترف الأستاذة بهلولي بوجود عدد كبير من الدخلاء على المهنة والذين لا يحترمون قسمهم ويطوعون القوانين المنظمة للمهنة بما يخدم مصالحهم الشخصية، " فهم عار على المهنة، و تبقى هذه الحالات استثناء وليست قاعدة".
النقابة والرغبة في تطهير المهنة
ويرى عبد المجيد سيلني نقيب المحامين لناحية الجزائر، بأن النقابة حريصة على تطهير المهنة من الأشخاص المسيئين لقيم المهنة، وأن المجلس التأديبي ينظر في جميع الشكاوي التي يقدمها الموكلون للنقابة، دون استثناء، ويضيف قائلا: "فيما يتعلق بعدد المحامين الذين تم التحقيق معهم بسبب شكاوى المواطنين فهو عدد قليل جدا، والكثير منها تفتقد الى أدلة ضد المحامين، وأغلب هذه الشكاوى تتعلق بتضخيم المستحقات المالية أ والتهاون في القيام بواجب الترافع.
أباطرة المهنة - محامون مفسدون
ويعتقد بعض المحامين المطلعين أن المجالس التأديبية في أغلب ولايات الوطن لا تأخذ شكاوى المواطنين بعين الاعتبار، وبحسب هؤلاء، فإن المحامي الذي يتحايل على موكله لن يترك البصمات الضرورية لإدانته نفسه، وبالتالي فإنه يستطيع التملص من التهم المنسوبة إليه بكل سهولة، خصوصا تجاه البسطاء من الناس الذين لا يعرفون القرءاة والكتابة. أما في موضوع تضخيم المستحقات فلا يوجد قانون يضع سقفا محدد لها، لأن مهنة المحاماة من المهن الحرة التي يتم تحديد السعر فيها بالتراضي بين الطرفين. ويرى المحامي بشير (لام) أن المحامين الفاسدين " أصبحوا يشكلون أباطرة المهنة وركيزة أساسية في فساد العدالة والقضاء".
المشكلة والبحث عن حلول
ويعتقد المحامي والنائب البرلماني مصطفى بوشاشي أن مهنة المحاماة ليست الاستثناء في الفساد الذي يشمل جميع مؤسسات الدولة والمجتمع، وقال بوشاشي لـ DW/ عربية" هناك أطراف في السلطة حريصة على إفساد القضاء لأنه سبيلها من أجل حماية نفسها من المتابعة"، ويضيف الأستاذ بوشاشي"إن المحامين أنفسهم هم ضحايا عدم نزاهة واستقلالية القضاء الذي أصبح يحكم بأوامر فوقية، وليس بما يحقق العدالة والإنصاف"، ولا يعفي بوشاشي المحامين من مساهمتهم في "الواقع الفاسد للمهنة" فهم جزء من المشكلة والحل أيضا – كما يقول. "لذلك فإنهم مدعوون للنضال من أجل استقلال القضاء وضمان حق موكليهم في الحصول على حكم عادل مهما كانت قوة الخصم حتى ولو كان رئيس الجمهورية"، ويأمل المواطنون أن يكون تطهير مهنة المحاماة من الفاسدين اللبنة الأولى في إصلاح القطاع القضائي في الجزائر.
توفيق بوقاعدة - الجزائر
مراجعة: عبدالحي العلمي