المجلس العسكري في مالي "غير منزعج" من سحب ألمانيا قواتها
٢٧ نوفمبر ٢٠٢٢قررت ألمانيا سحب قواتها من مالي في موعد أقصاه مايو / أيار 2024؛ لتطوي بذلك صفحة مشاركة القوات الألمانية في بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في مالي في مهمة امتدت لعشر سنوات.
جاء ذلك على لسان وزيرة الدفاع الألمانية كريستين لامبريشت الثلاثاء الماضي، حيث أكدت أن مشاركة الجيش الألماني في بعثة الأمم المتحدة ستنتهي بحلول مايو / أيار 2024 "وفقًا لخطة جرى إعدادها بشكل جيد".
في المقابل، كان رد المجلس العسكري الحاكم في مالي يتسم بالهدوء ففي مقابلة مع DW قال فوسينو واتارا، نائب رئيس لجنة الدفاع والأمن والدفاع المدني، إن القرار الألماني "كان أكثر حكمة مما توقعنا".
وأضاف أن المجلس العسكري توقع أن تحذو ألمانيا حذو فرنسا "بشكل أعمى"، فيما يتعلق بالانسحاب من مالي، في ضوء أن فرنسا أنجزت سحب قواتها من البلاد في أغسطس / آب.
وفي الوقت الذي شدد فيه المسؤول المالي على أن ألمانيا كانت أحد أهم شركاء بلاده، أشار أيضا إلى أن حكومة مالي تعارض "التوسيع الدائم للوجود العسكري الأجنبي على أراضينا".
ونقل واتارا عن وزير الدفاع ساديو كامارا قولته إن "الجيش الوطني المالي قادر على الدفاع عن البلاد".
الأمر ليس مفاجئة
ويبدو أن واتارا ليس المسؤول المالي الوحيد، الذي يتفق في هذا الأمر، إذ أكد أمادو مايغا، سكرتير الشؤون البرلمانية في الحكومة الانتقالية في مالي، على ذلك.
ففي مقابلة مع DW، قال إن القرار الألماني لم يكن مفاجئا، مضيفا "أعتقد أن الأمر لا يتطلب سوى إعادة تنظيم قواتنا والمزيد من الخدمات اللوجستية، لكننا قادرون على مواجهة ذلك وكنا نتوقع (الانسحاب الألماني)".
وأعرب المسؤول المالي عن امتنان بلاده للمساعدات التي قدمتها ألمانيا، مؤكدا أن "التعاون بين مالي وألمانيا سوف يستمر لكن في مجالات أخرى مثل التنمية والأمن ونشكر ألمانيا، لكننا سنواجه مصيرنا".
في المقابل، بدا سليمان كامارا ، رئيس منظمة LNDH الحقوقية في مالي، أقل تفاؤلا حيث قال إن "انسحاب قوات الدول التي جاءت للمساعدة في احتواء تقدم الجهاديين يعد أمرا مقلقا للغاية".
ففي مقابلة مع DW، أضاف "مالي لا تمتلك الوسائل والإمكانيات لمواجهة الوضع المترتب على انسحاب القوات الأجنبية".
كامارا: الفراغ سيصب في صالح الجهاديين
وأشار كامارا إلى أن المجلس العسكري يعتزم تجنيد 26 ألف جندي هذا العام فقط، لكنه قال إن الأمر "سوف يستغرق سنوات لتدريب الجنود ونشرهم في أنحاء البلاد".
وقال إن مهمة إيجاد دول تحل قواتها محل القوات، التي قررت الانسحاب من مالي، ستكون صعبة خاصة في ظل "أزمة الثقة" بين الحكومة المالية وبعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في مالي التي تُعرف اختصارا بـ "مينوسما".
وحذر كامارا من أن الفراغ الناجم عن انسحاب القوات الأجنبية سوف يصب في صالح التنظيمات الجهادية المسلحة.
ويعود الانتشار العسكري الألماني في مالي إلى يناير / كانون الثاني عام 2013، عندما أرسلت حكومة مالي في حينه مناشدة إلى فرنسا والأمم المتحدة لمساعدتها في صد هجوم الجماعات المتطرفة.
وعلى وقع هذه المناشدة، أرسلت فرنسا قوات عسكرية إلى مالي وانضمت إليها العديد من الدول، بينها ألمانيا، حيث استطاعت الحكومة بمساعدة القوات الدولية دحر المسلحين الإسلامويين والمتمردين إلى شمال البلاد.
الجدير بالذكر أن مالي شهدت خلال السنوات الماضية انقلابين عسكريين الأول في أغسطس / آب عام 2020، عندما أطاح الجيش بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا فيما، وقع الانقلاب الثاني في مايو / أيار العام الماضي عندما أطاح الكولونيل أسيمي غويتا بحكومة مدنية مؤقتة وتولى الرئاسة الانتقالية.
وقرر قادة البلاد الجدد إرجاء الانتخابات، وهو الأمر الذي دفع الاتحاد الأوروبي إلى إنهاء مهمته التدريبية في مالي التي تعصف بها اضطرابات أمنية بسبب الحركات المتطرفة.
علاقة متوترة مع ألمانيا
وشهدت العلاقات بين المجلس العسكري في مالي وألمانيا توترا في الأونة الأخيرة، خاصة عقب منع ثمانية جنود ألمان من مغادرة مالي وهو الأمر الذي دفع برلين إلى تعليق عملياتها العسكرية بشكل مؤقت في أغسطس/ آب، لكن جرى استئنافها في سبتمبر/ أيلول.
وقد أثارت قضية مهمة ألمانيا العسكرية في مالي الجدل داخل البوندستاغ، لكن وتيرة المناقشات تزايدت منذ ذلك الحين، فيما أدت القضية أيضا إلى انقسامات داخل الحكومة الألمانية، إذ رأت وزيرة الدفاع لامبريشت أن قرار سحب القوات الألمانية سيكون الخيار الأفضل.
واتهمت الوزيرة الألمانية المجلس العسكري الحاكم في مالي بعرقلة مهمة بعثة الأمم المتحدة بالتزامن مع الاعتماد على "القوات الروسية" في إشارة ضمنية إلى مجموعة "فاغنر" الروسية، التي طالتها اتهامات بارتكاب انتهاكات في مجال حقوق الإنسان، فيما يفضي وجودها القوي في منطقة الساحل إلى تعزيز التواجد والنفوذ الروسي في أفريقيا.
وقد نشرت ألمانيا حوالي 1000 جندي في مالي، معظمهم قرب مدينة جاو بشمال مالي، فيما كانت مهمتهم الرئيسية تتمثل في الاستطلاع لمساعدة بعثة "مينوسما".
بيد أنه على وقع وصول قوات روسية إلى جاو، أعربت لامبريشت عن شكوكها في تورط العناصر الروسية في انتهاكات حقوق الإنسان.
أما داخل الحكومة الألمانية، فقد دعت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك إلى إبقاء القوات الألمانية في مالي لحماية السكان المدنيين.
لكن وزيرة الدفاع لامبريشت شددت على أن الجيش الألماني سيصبح أكثر انخراطا في النيجر، محذرة من أن التخلي عن منطقة الساحل سيكون تصرفا "غير مسؤول".
خطف كاهن ألماني
تزامن هذا الأمر مع اختفاء القس الألماني هانز يوآخيم لورى في مدينة باماكو، عاصمة مالي الاقتصادية، منذ صباح الأحد (20 نوفمبر/ تشرين الثاني) مع ترجيح اختطافه من قبل متمردين جهاديين.
وتسلط واقعة اختفاء القس الضوء على تزايد انعدام الأمن في المنطقة، خاصة في مالي.
ويشغل القس الألماني لورى - وهو عضو في جمعية المبشرين في أفريقيا التي تُعرف باسم الآباء البيض - منصب السكرتير الوطني للجنة الحوار بين الأديان في البلاد.
وقد أعلنت أبرشية باماكو الأربعاء أنه ليس لديها حتى الآن أي معلومات حول القس الألماني، فيما لم يُعرف بعد مكان تواجده فضلا أنه لم ترد أي أنباء عن طلبات للحصول على فدية.
كريستينا كريبال / م ع