المال السياسي الفاسد وتأثيره على الانتخابات التونسية
١٦ سبتمبر ٢٠١٤تحتد المنافسة بين القوى السياسية في تونس بعد قفل باب الترشح للانتخابات التشريعية التي تشارك فيها أكثر من 1300 قائمة تتنافس على 217 مقعدا وتستعمل فيها كل الوسائل للفوز بالناخبين عبر الإغراءات المالية والوعود الانتخابية. ويتخوف أكثر من متابع للشأن العام من سيطرة المال على المشهد السياسي الجديد. فبعد استغلال البعد الديني والعقائدي في الانتخابات السابقة، يبدو أن قوى المال والأعمال دخلت بقوة هذه الانتخابات لتأخذ مكانها فى الساحة السياسية التونسية. كما تتنافس القوى الإقليمية وخصوصا الخليجية لتوفير الدعم المالي لبعض الأطراف الحزبية خدمة لأجنداتها ومصالحها ومشاريعها في المنطقة.
وقد اختار رجال الأعمال خلال هذه الانتخابات المشاركة في العملية السياسية وترأسوا أكثر من قائمة انتخابية في عدد من الجهات. ويرى كثيرون أن هذه "الزيجة " غير الشرعية بين المال والسياسة ستفضي إلى نتائج مشوهة لا تعكس طموحات الناس وأهداف الثورة بل ستكرس وضعا قائما تتقاسم فيه القوى القديمة والجديدة السلطة والثروة.
ويبدو أن الشعب البسيط سيبقى رهينة هيمنة رجال الأعمال على السياسية، إذ يطرح الكثيرون مسألة تضارب المصالح ويرون أنه إذا تعلق الأمر مثلا في المجلس النيابي القادم بمناقشة قانون قد يفرض ضرائب جديدة على رجال الأعمال فهل سيتم إقراره أم لا؟
رجال الاعمال يغزون المشهد العام
ولا يتعلق الأمر فقط بالعلاقة غير الواضحة بين عالمي الأعمال والسياسة، بل تعداه إلى تمويل الأحزاب والحملات الانتخابية من المال المتدفق من الخليج أو من المال المشبوه. ويتخوف الناشطون من تأثيرات المال الفاسد، فرغم أن القانون الانتخابي أقر مراقبة حسابات المرشحين، لكنه يحمل العديد من الثغرات فهيئة الانتخابات يمكنها مراقبة الحسابات المالية الخاصة بالانتخابات التشريعية أو الرئاسية ولكنها لا تسطيع أن تراقب حساباتهم الشخصية ولا حسابات المرشحين معهم بنفس القائمة. وهو ما يمكن المرشحين من تمويل حملاتهم بأموال تأتي من مصادر مشبوهة بالخارج أو الداخل دون أن يعرضوا أنفسهم للعقوبات التي أقرها القانون. كما يمكن للمرشحين تمويل حملاتهم بأموالهم الذاتية أو من قبل المتعاطفين معهم ولا من رقيب أو حسيب، فسقف التمويل الانتخابي الذي أقره القانون يبقى سقفا نظريا إذ أن ما يصرف فعليا يتجاوز بكثير ما هو موثق بالدفاتر ولدى هيئة الانتخابات.
ويعتبر الخبراء أن القانون الانتخابي غفل عن مسألة شراء الذمم خلال التزكيات للترشح للانتخابات الرئاسية المطالب بها المرشحون للرئاسة، وهي مسألة تضرب نزاهة وشفافية الانتخابات إذ لا يمكن إثبات شراء الذمم في جمع التزكيات وإن حاولت هيئات الرقابة وهيئة الانتخابات.
ومما يعقد مسألة مراقبة تمويل الانتخابات تشعبها وكثرة المتدخلين فيها من احزاب وجمعيات وأفراد وبنوك ومؤسسات واعتمادها على قوانين كثيرة. ويرى عبد الجواد الحرازي، المحامي وعضو هيئة الانتخابات السابقة في تصريح لـ DW عربية أن عمليات تمويل الأحزاب والحملات الانتخابية "غير واضحة وغارقة في التقنية والتفاصيل وصعب مراقبتها" وقد يؤدي هذا الوضع حسب رأيه " إلى عدم اجراء انتخابات طبق المعايير الدولية في ميدان النزاهة والشفافية والحياد".
تراشق بالتهم
وتشهد الساحة السياسية تراشقا بالتهم بين الأحزاب والشخصيات حول استغلال المال السياسي. ويرى الكثيرون أن الأحزاب الكبرى تحظى بدعم كبير من قبل أصحاب المال داخليا ومن قبل القوى الإقليمية وخصوصا دول الخليج خارجيا. ورغم أن لا شيء يبدو ثابتا إلا أن الألسن والأقلام لا تفتأ تتحدث عن مال متدفق للأحزاب عبر بوابة الجمعيات الخيرية أو الهبات العينية أو التحويلات الكبيرة. ومهما فعلت الأحزاب والشخصيات السياسية لتدفع عنها تهمة المال الفاسد فإن العديد من المهتمين بالشأن العام يعتبرون أن المال الخليجي أصبح جزءا من العملية السياسية الجارية وهو ما قد يؤثر على عملية الانتقال الديمقراطي بالبلاد.
ويراهن العديد من الناشطين على المجتمع المدني لفضح عمليات التمويل المشبوهة أو المال الفاسد في العملية الانتخابية. وتعمل فعاليات المجتمع المدني للتوعية بمخاطر التمويل المشبوه للأحزاب والحملات الانتخابية. ويقول توفيق الشماري، رئيس الشبكة الوطنية لمقاومة الرشوة والفساد في حديث لـ DW عربية على هامش ندوة حول تمويل الأحزاب والجمعيات في توصيفه للواقع الحالي لمراقبة التمويلات المشبوهة، "ثمة عجز من طرف هياكل الرقابة ومن قبل الدولة للتصدي للتمويل المشبوه للأحزاب والجمعيات، وهدفنا كشبكة وكمجتمع مدني أن نساهم في التوعية بهذه المخاطر وأن نشارك في بلورة حلول لهذه المعضلة بعيدا عن التشنج أو المزايدة". ويضيف "نحن نعمل مع عدد من الشركاء داخل المجتمع المدني قصد إيجاد الآليات والبرامج المناسبة وإرساء أسس شفافة لتمويل الانتخابات."
ويتفق الناشطون في تونس على أن مراقبة التمويل المشبوه صعب فهيئات الرقابة العمومية على سبيل المثال لا تتدخل إلا إذا تعلق الأمر بالمال العام، وبصفة عامة لا تستطيع مؤسسات الدولة أن تراقب شفافية الانتخابات لتشعب الأمر وكثرة المتدخلين فيه ونقص الخبرات والموارد. ويبقى المجتمع المدني أحد أهم المتدخلين لفضح عمليات التمويل المشبوه وإبلاغ صوته إلى هيئات الرقابة لتستعد ولتضع الآليات الضرورية لمراقبة تمويل الجمعيات والأحزاب والحملات الانتخابية.
ورغم ما يطرح من إشكاليات يسعى عدد كبير من الناشطين من داخل الجمعيات الاهلية إلى تعزيز الوعي بضرورة إرساء الشفافية وخلق ديناميكية داخل المجتمع المدني. ويعملون على التعاطي مع مسألة المال السياسي ومقاومته بطريقة عملية واضحة بعيدا عن الإثارة. ويعتبرون أن المواطن هو الضامن الفعلي لنزاهة الانتخابات فهو الذي سيقاوم الرشوة والمال المشبوه اينما وجد.