اللاجئون العراقيون والعودة .. هل تنجح ألمانيا في الإقناع؟
١٩ ديسمبر ٢٠١٨تُسابق الحكومة الألمانية الزمن لأجل إقناع الكثير من اللاجئين العراقيين بالعودة إلى بلادهم، معلنة في هذا السياق عن مجموعة من التسهيلات للراغبين في العودة الطوعية. آخر التصريحات جاءت من وزير الخارجية الألماني هايكو ماس الذي صرّح بوجود أساسٍ أوّلي للعودة خلال زيارته الأخيرة للعراق، وهو ما يتطابق مع مناشدات من الحكومة العراقية التي وصفت الوضع الأمني بـ"الممتاز".
غير أن ماس بدوره يعترف أن "تحسّن" الوضع الأمني لا ينطبق على كلّ أجزاء العراق، كما أن مناشدات العودة تواجه تحدياً كبيراً في إقناع لاجئين مقتنعين بتفوّق جودة الحياة في ألمانيا على نظيرتها في العراق، فضلاً عن أن التسهيلات التي أعلنتها ألمانيا لإقناع اللاجئين بالعودة قد لا تظهر بالبريق المطلوب لدفعهم نحو مثل هذا القرار.
الترغيب تارة.. والصرامة تارة أخرى!
يوجد في ألمانيا ربع مليون عراقي تقريباً حسب أرقام الحكومة الألمانية، ويأتي العراقيون في المركز الخامس للاجئين المقيمين بألمانيا بعد القادمين من سوريا وكوسوفو وألبانيا وصربيا. أسباب نزوح آلاف العراقيين إلى ألمانيا تتعدّد عبر التاريخ، فقد كانت الأسباب السياسية هي الدافع في عهد صدام حسين، وبعد سقوط نظامه ودخول القوات الأمريكية للبلاد وما تبع ذلك من سنوات الفوضى الأمنية، كان البحث عن ملاذ آمن هو دافع غالبية العراقيين، خصوصاً المنتمين إلى الأقليات الدينية.
لكن الحكومة الألمانية تحاول منذ سنوات تخفيض عدد اللاجئين العراقيين بما أن نفوذ المنظمات المتطرفة تراجع كثيراً في بلادهم، ومن ذلك تقديم مساعدات مالية لأجل تأمين السكن في الأشهر الأولى لعودة اللاجئين إلى العراق، تصل إلى ثلاث آلاف يورو للعائلة الواحدة. كما سبق لوزير التنمية الألماني غيرد مولر أن أعلن عن افتتاح مركزين في العراق لتقديم المشورة والدعم بالنسبة للعائدين، متحدثا عن تعاون الحكومتين الألمانية والعراقية لخلق فرص للتكوين والتوظيف في العراق.
ولم تلجأ ألمانيا فقط إلى التحفيز المادي، بل نهجت كذلك سياسة صارمة للتشديد في استقبال المزيد من اللاجئين وفي استمرارهم بالبلد، لذلك يوجد الآلاف من العراقيين على قائمة الترحيل. وقد تسّببت هذه الصرامة في تراجع أعداد طالبي اللجوء بشكل عام في ألمانيا.
هل تنجح خطط الحكومة الألمانية؟
تعدّ ألمانيا أحد البلدان الأكثر استقطاباً للمهاجرين في العالم، ليس فقط القادمين من بلدان فقيرة أو هشة أمنياً، بل حتى منهم المنتمين إلى بلدان متقدمة نسبيا أو قطعت أشواطاً على درب النمو. ويرجع هذا الاستقطاب إلى وجود فرص للعمل والسياسات الاجتماعية التي تنهجها ألمانيا وقوة الخدمات الأساسية، فضلاً عن عوامل أخرى كوجود مناخ لحرية التعبير. من هذه النقطة الأخيرة ينطلق خيري سليمان، لاجئ إيزيدي في ألمانيا، كي يؤكد أن الحرية التي حصل عليها هنا لم ينعم بها طوال سنوات عيشه في العراق.
ويقول سليمان إنه مرتاح في ألمانيا حيث وجد كل ما لم يتوّفر عليه عندما كان في العراق، معدّداً أسبابا كثيرة لعدم الرغبة في العودة حاليا، منها "انتشار فكر إقصائي ضد الإيزيديين"، وهو ما ظهر وفق كلامه في "الشتائم التي نُشرت في مواقع التواصل الاجتماعي تفاعلاً مع فوز الإيزيدية نادية مراد بجائزة نوبل"، وكذلك هناك أسباب نفسية بسبب مقتل الكثير من أقرباء الإزيديين في العراق إبان هجوم "داعش" حسب قوله.
بدوره يرى عزت نوح، وهو مهتم بقضايا الهجرة واللجوء في ألمانيا، أن الحكومة الألمانية لن تستطيع إقناع اللاجئين بالعودة، والسبب أنها تناست الفرق الهائل في جودة الحياة بين ألمانيا والعراق، وتناست كذلك أن عدداً كبيراً منهم اندمجوا في ألمانيا وأضحت لهم مساراتهم الخاصة هنا. ويضيف نوح في حديثه لـ DW عربية أن الكثير ممّن عادوا طوعياً إلى العراق يفكّرون بالتراجع عن هذه الخطوة وبحث العودة إلى ألمانيا نتيجة الصعوبات التي وجدوها في العراق.
لماذا التركيز على الجانب الأمني لوحده؟
كان واضحاً تركيز الحكومة الألمانية على تحسن الوضع الأمني بالعراق، بما أن الخوف على الحياة يعدّ أحد أكبر الأسباب التي يُمنح فيها حق اللجوء للراغبين في ذلك. وتفكّر ألمانيا أن المانع الأكبر من العودة إلى العراق كان هو انتشار الجماعات المتطرّفة، لذلك، وبعد انتصار القوات العراقية على "داعش" وخسارة هذا الأخير لجلّ مناطق نفوذه في العراق، أضحى ممكنا عودة الكثير ممّن حصلوا على حقّ اللجوء الإنساني.
غير أن الوضع في العراق لم يتحسن بالشكل الذي يتم تسويقه، فإن كانت حدة عمليات "داعش" قد انخفضت كثيراً، إلّا أنها لا تزال مستمرة. وهو ما يجعل خيري سليمان يقتنع أن الوضع الأمني لم يتحسن كثيرا في مناطق الإيزيديين، ودليله "وقوع اغتيالات بشكل دوري"، متحدثاً عن أن "داعش لا يزال يبسط نفوذه فكريا". ويربط سليمان بين تحسين الوضع الأمني وبين انتشار قوات دولية في مناطق الأقليات الدينية حتى تتم حمايتها بشكل أفضل وبالتالي توفير أسس صلبة للراغبين في العودة.
بدوره يبرز عزت نوح أن مشاكل العراق لا تنحصر في تحسنالوضع الأمني فقط، بل كذلك في "استمرار التشنجات بين المكوّنات الدينية وانتشار ثقافة التمييز وتمزق الوضع الاجتماعي"، وكذا في "غياب التنمية الحقيقية وتلكؤ الحكومات المتلاحقة في الحد من الفساد ومن سوء الإدارة". ويضيف المهتم بقضايا الهجرة أن بعض المكوّنات العراقية تعاني من التهميش خاصة في المشاركة السياسية، لذلك فأيّ دعوة للعودة الطوعية يجب أن ترى الوضع بشكل شمولي على حد تعبيره.
الكاتب: إسماعيل عزام