الكتاب الألمان ينزلون ملعب كرة القدم

قد لا يلفت ملعب كرة القدم الواقع في وسط برلين الناظر إليه من الوهلة الأولى، فهنا يوجد العشب الاصطناعي والأضواء الكاشفة، حيث تلعب إحدى فرق كرة القدم. لكن هؤلاء اللاعبين ليسوا أعضاء فريق عاديين. وتشير كلمة أوتوناما المكتوبة فوق قمصانهم إلى أنهم لاعبو المنتخب الوطني الألماني للكتاب.

فرانك فيلمان هوأحد هؤلاء الكتاب، وكان قد انضم إلى هذا الفريق منذ بداياته كما يقول " نتدرب مرة في الأسبوع، ونحاول أن نلعب كل أسبوعين مباراة ودية مع فرق أخرى تشبهنا في العمر. نقيم أحياناً معسكرات تدريب للتأهل للمباريات الهامة. لقد انضممت إلى هذا الفريق منذ نشأته، عندما كنا ما نزال نلعب في أحد ملاعب الأطفال".

كتب فيلمان العديد من الكتب عن لعبة كرة القدم، كان من بينها كتاب "مثيرو الشغب في ألمانيا الشرقية". وأعضاء الفريق هم من الشعراء وكتاب الرواية والمسرح، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الذي يدفع هؤلاء الكتاب المعروف عنهم حب الجلوس إلى المكتب والكتابة ساعات طويلة، إلى الالتزام بموعد لعب كرة القدم كل يوم اثنين؟

الشوق للجماهير الغفيرة

الكاتب موريتس رينك يجيب على هذا السؤال قائلاً: " أعتقد أن الأمر نابع من شوق الفن والأدب للحظات المجيدة ولعنصر المفاجأة". الكاتب المسرحي موريتس الذي اشتهر من خلال كتابي "الحوت الأزرق في بستان الكرز" و"الرجل الذي سقط خلال هذا القرن"، يشرح مشاعر الكاتب عندما يلعب كرة القدم ويقول : "عند رمي الكرة في الملعب، يُطلق العنان للصدف التي نفتقدها في الأدب، فالأديب يواصل نحت عباراته حتى آخر جملة. وأنا أجد نوعا من الشبه بين كرة القدم والأوبرا الإيطالية التي تلهب مشاعر الجمهور. وطبعا يوجد لدينا، نحن الكتاب الذين يلعبون كرة القدم، شوق هائل للجماهير الغفيرة".

يعد فريق أوتوناما، الذي أسسه توماس بروسيغ في عام 2005، أكثر من منتدى لالتقاء حفنة من الشعراء المحبين لكرة القدم. فالفريق يتميز بالحرفية، ويحظى برعاية مدربين مثل هانس ماير لتأهيلهم للمباريات الدولية ولمباريات الدوري الألماني. لكن اهتمامات هذا الفريق تتعدى أمور النصر والهزيمة، لتشمل جوانب إنسانية، كما يقول نوربرت كرون، مؤلف رواية "جهاز الطيران الآلي "الجميل في مثل هذا اللقاء أننا نتقابل مع زملائنا في مكان آخر غير قاعات الاجتماعات الأكاديمية، كما هو الحال في معظم اللقاءات الأدبية".

ويشير كرون إلى ناحية هامة أخرى "عندما يتعرف المرء على الآخرين كالإسرائيليين أو السويديين أو الإيطاليين في سياق كرة القدم، تنشأ علاقات إنسانية وهذا يساهم في الوصول بتفاهمنا حول الأدب إلى مستوى مختلف". لهذا يقوم لاعبو المنتحب الوطني للكتاب، حسب رأيه، بدور المبشرين الثقافيين للاعبين الكبار في المنتخب الوطني، الذين يتبنون قضايا كالمخدرات والعنصرية، "والذين يدعمون فريق الكتاب من خلال المؤسسة الثقافية التابعة لاتحاد كرة القدم "الكتاب يبنون جسورا بين الدول عن طريق كرة القدم".

مباراة لا تنسى

يتضح دور كرة القدم كوسيلة لبناء الجسور بين الشعوب في كثير من اللقاءات بين الفرق الدولية، سواء كانت من إيطاليا أو السويد أو السعودية. وكانت هناك مباراة لم تُمح من ذاكرة اللاعبين، كما يقول موريتس رينك: " دعونا على سبيل المثال المنتخب الوطني الإسرائيلي للكتاب إلى برلين، حيث جروا في الملعب وعزف النشيد الوطني الإسرائيلي. من الصعب وصف ما يعنيه هذا الأمر بالنسبة لهؤلاء، الذين قتل أجدادهم في معسكرات الاعتقال الألمانية. نعم كرة القدم تساهم في بناء الجسور بين أبناء الجيل الثالث".

بناء الجسور بين الشعوب والتعريف بالأدب الألماني هو ما يحلم به هؤلاء الكتاب. ليس هذا فحسب، فقد استلهم هؤلاء الكتاب من لقاءاتهم الكروية مشروع كتاب مشترك، يحتوي على مختارات أدبية. ونشأت هذه الفكرة في أعقاب مباراة مع فريق الكتاب الأرجنتيني على مشارف معرض فرانكفورت الدولي الأخير للكتاب..وهنا تبرز روعة التفاعل والتأثير المتبادل بين كرة القدم والأدب، كما يقول موريتس رينك.

ميركو شفانيتس/ مي المهدي

مراجعة: منى صالح