القنب الهندي.. مخدر متاح في صيدليات ألمانيا لعلاج المرضى
٢٤ يناير ٢٠١٨بعد تشخيص إصابته بمرض التصلب العصبي المتعدد أو ما يعرف أيضاً بالتصلب اللويحي بداية عام 2015، شعر كريستوف شيشكرمان بأن حياته أضحت ممزقة، ويقول: "شعرت باليأس، وكنت غاضباً". ولا يعطي مظهر شيشكرمان الجالس في مقهى في مدينة دوسلدورف ويحكي عن مرضه، الانطباع بأنه مصاب بمرض مزمن كهذا. إلا أن هذا المرض اضطره إلى ترك عمله، وتأجيل خططه للهجرة إلى الأوروغواي.
ويتعرض شيشكرمان إلى مراحل و انتكاسات مفاجأة تصاحبها موجات الحرارة، والتعرق الشديد، وكذلك تشنجات على مستوى الساقين والذراعين، وضبابية في الرؤية. وقد يكون الإجهاد السبب الرئيسي لهذه الأعراض التي يصاب بها، فحتى ركوب القطار أصبح عملاً شاقاً بالنسبة له. وبعد رحلة شاقة مع المرض والتردد على العديد من الأطباء والمستشفيات، وجد شيشكرمان طبيباً للأعصاب، وهو متخصص في علاج مرض التصلب العصبي المتعدد.
وضمن الجلسات العلاجية الأولى لشيشكرمان مع الطبيب تم الحديث عن خيارات العلاج المتوفرة وآثارها الجانبية على المريض، كما حدثه الطبيب عن مفعول خلاصة زهور نبتة القنب الهندي في علاج المرض المصاب به. ويصف شيشكرمان شعوره عندما سأله الطبيب عن الكمية التي يحتاجها من أجل كتابة الوصفة الطبية بقوله: "لقد كان شعوراً مضحكاً عندما سألني الطبيب الخاص عن الكمية.. خمسة غرامات، عشرة غرامات؟".
قلة الكميات الواردة
أراد شيشكرمان الحصول على أول وصفة طبية للعلاج بالقنب الهندي في آب/ أغسطس 2017، غير أنه عندما توجه إلى الصيدلية لصرف الدواء، قُيل له أن خلاصة زهور نبتة القنب الهندي الخاصة به ستكون متاحة بحلول شهر تشرين الأول/ أكتوبر. وقال شيشكرمان وهو يهز رأسه: "الأمر هنا يتعلق بدواء، حتى لو كان الآخرون ينظرون لذلك بشكل مختلف".
إتاحة العقار العشبي ورفض التأمين الصحي تغطية تكاليفه يعيق علاج المريض المستفيد حالياً من معونات العاطلين عن العمل. وعن حالته بعد تناول القنب الهندي يقول شيشكرمان: "تناول القنب الهندي يسهل عليَّ القيام بالروتين اليومي كما يساعدني على تحمل كل الآلام والتقلصات، وحتى إن شعرت بالألم أو بمشاكل في الحركة، فأنا أشعر بتحسن مقارنة بذي قبل، إذ أن القنب يخفف من الآلام فقط ويجعلها محتملة".
منذ فترة طويلة كان السماح باستخدام القنب الهندي كدواء موضع جدل طويل في ألمانيا. ومنذ آذار/ مارس 2017 بات القنب الهندي يُباع بشكل قانوني في ألمانيا ويمكن للأشخاص المصابين بأمراض مزمنة الحصول على العقار العشبي من الصيدلية من دون إذن خاص مسبق.
ويستخدم القنب الطبي لأغراض علاجية فهو يخفف على سبيل المثال من آلام المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة، كما يستخدم في التخفيف من حالات الغثيان وعلاج فقدان الشهية لدى مرضى السرطان أو مرضى فيروس نقص المناعة الإيدز. غير أن هذا المكون لم يخضع للبحث الطبي بشكل واف بعد.
تكاليف العلاج و التأمين الصحي
يمكن للأطباء وصف العلاج بالقنب الهندي فقط في حالات المرضى المصابين بأمراض شديدة وفي حالة إثبات عدم كفاءة البدائل العلاجية الأخرى في علاج الأمراض. وفي حين اضطر الكثيرون في السابق إلى تحمل تكاليف الحصول على القنب الطبي بأنفسهم، أصبحت شركات التأمين الصحي ملزمة (بشكل جزئي) من تغطية التكاليف بعد تغيير القانون، حيث بلغت معدلات رفض تغطية العلاج من قبل التامين بحوالي 33 بالمئة، وذلك استناداً إلى أرقام شركات التأمين الصحي وكذلك لتقرير أعدته "راينشه بوست" الألمانية.
وتعد تغطية تكاليف الوصفة الطبية لكريستوف شيشكرمان باهظة الثمن بالنسبة لوضعه الاقتصادي إذ أن قيمة خمسة غرامات من زهور القنب في الصيدلية تبلغ زهاء 125 يورو.
وبعد السماح باستخدامه في العلاج، عرفت تجارة القنب الهندي رواجاً. حيث صُرفت أكثر من 10.600 وحدة من القنب الهندي كوصفة طبية في النصف الأول من عام 2017 وحده، بحسب الرابطة الألمانية للصيادلة ABDA، وارتفع عدد الوصفات الطبية بسرعة، إذ ارتفع في آذار/ مارس من 560 وصفة طبية إلى 5000 وصفة في حزيران/ يونيو. وهذه الأعداد تمثل فقط الوصفات الطبية التي يغطيها التأمين الصحي. وبالإضافة إلى ذلك، هناك 12.500 عقار مستخلص من مكونات القنب الهندي جاهز للاستخدام.
بين الحذر والنشوة
دخل كل من دافيد هين ونيكلاس كوبارانيز السوق الناشئة لتجارة القنب الهندي في الوقت المناسب. حيث أسس دافيد هين شركة Cannamedial Pharma في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، أي قبل شهرين من إقرار قانون استخدام القنب الهندي للأغراض الطبية في ألمانيا، وهي واحدة من أربع شركات استيراد مرخصة من قبل وكالة الأفيون الاتحادية لتزويد ألمانيا بالقنب الهندي الطبي. وتحول المكتب الصغير الذي يقع وسط مدينة كولونيا إلى شريك تجاري رائد في السوق العالمية لتجارة القنب الهندي. وأدى الارتفاع الكبير في الطلب على القنب الطبي إلى خلق تحديات كبيرة للمستوردين والمنتجين.
ويرى مدير مبيعات الشركة نيكلاس كوبارانيز أن تزويد المرضى بالقنب الطبي العالي الجودة على الرغم من اضطرابات عملية التوصيل يمثل تحدياً كبيراً للشركة، ويقول "لدينا حالياً مورد واحد فقط في أوروبا ومقره في هولندا، وهذا المورد يجب عليه تلبية الطلب المتزايد على القنب الطبي لأوروبا كملها، وهو أمر يكاد يكون غير ممكن". بالإضافة لهذه الصعوبة فإن توفر السيولة يعد مشكلة أيضاً، إذ أن الشركة الموردة تطلب بأن يكون الدفع مسبقاً، وهو أمر صعب بحسب كلامه.
22 طناً من القنب الهندي
ترغب الشركة الحديثة العهد Cannamedial Pharma في استيراد القنب من مورد كندي. إذ يعد العلاج بالقنب الهندي هناك وفي الولايات المتحدة الأمريكية، كما في إسرائيل سوقاً واعدة يبلغ حجمها مليارات الدولارات. وتعد كل من كندا وهولندا البلدان الرئيسيان المصدران إلى ألمانيا. وتتوقع شركة Cannamedial Pharma نمواً كبيراً في حجم الواردات، فمن المتوقع أن يتلقى 30 ألف مريض مصاب بأمراض شديدة، العلاج بالقنب الطبي في 2018، وهو ما يستلزم استيراد 22 طناً من القنب لتغطية هذه الحاجة.
و يتكتم كوبارانيز عن موقع المخزن الخاص بالقنب الهندي المستورد، و يكتفي بالقول أنه يقع في "وسط ألمانيا". والسوق الألماني مراقبة بشكل صارم، بحيث أن ما يصرح به المسؤولين في شركة Cannamedial Pharma لوسائل الإعلام، يخضع للمراقبة. فهذه السوق الناشئة في ألمانيا تتطلب التعامل بجدية وحذر، إذ هناك صور نمطية عنها تتمثل في تعاطي القنب الطبي كمخدر - على حساب شركات التأمين الصحي – أو أن استيراد القنب الهندي يمكنه من تعزيز الجريمة غير المشروعة، كما يقول كوبارانيز
ويرى مدير المبيعات كوبارانيز أن المنتجين الموردين للسوق الألمانية ملزمين باتباع بمعايير عالية الجودة وفقاً لـمعايير الممارسات التصنيعية الجيدة(Good Manufacturing Practise) وترغب شركة Cannamedial Pharma في زراعة نبات القنب الهندي وبذلك تنمية تجارة أخرى لها.
ويتم ذلك تحت إشراف وكالة "القنب الهندي" التابعة لمكتب الاتحادي للأفيون (وجميعها مؤسسات حكومية ألمانية). بيد أن خطة شركة Cannamedial Pharma توقفت أمام بند واحد من الشروط الواجب اتباعها من أجل زراعة القنب الهندي وإنتاجه، إذ أنه على الشركة المنتجة إثبات زراعتها للقنب الطبي في السابق، وهو أمر غير قانوني في ألمانيا.
سابرينا مولير/ علاء جمعة