القمة الأوروبية الإفريقية في أبيدجان ـ البحث عن شراكة جديدة
٢٨ نوفمبر ٢٠١٧قبل سنتين التقى زعماء دول وحكومات أوروبية وإفريقية في منتصف المسافة بين القارتين، في مالطا، وذلك للحديث بوجه خاص عن سبل صد الهجرة. ولم يتم الوفاء إلا بجزء من الوعود التي قطعها الطرفان آنذاك على نفسيهما.
يتطلع الزعماء الأوروبيون خلال لقاء القمة المرتقبة يومي الأربعاء والخميس (29 و30 تشرين الثاني/نوفمبر 2017) مع نظرائهم الأفارقة في أبيدجان إلى تحقيق المزيد من تلك الأهداف. يجري الحديث عن شراكة جديدة، يكون للأوروبيين والأفارقة فيها أهدافاً مختلفة. فحتى 2050 سيتضاعف عدد سكان إفريقيا، والأوروبيون يريدون بالأخص التصدي لتهديد موجات المهاجرين، وذلك عن طريق دعم التنمية والتعاون في عين المكان، في القارة السمراء. فيما يطالب الأفارقة بالندية في التعامل معهم والاعتراف بهم كشركاء: وهذا توازن يصعب تحقيقه.
"يداً بيد لحل المشاكل"
"أعتقد أنه يجب علينا حل مشاكلنا معاً"، يقول أنطونيو تاياني، رئيس البرلمان الأوروبي، في حديث لـDW قبيل انعقاد القمة في أبيدجان. ويذكر تاياني عدداً من الموضوعات التي يتوجب البحث عن حلول لها، على رأسها الهجرة والإرهاب وبطالة الشباب وانعكاسات التغير المناخي. وأوضح تاياني أن الأوروبيين والأفارقة متأثرين بشكل مباشر بكل تلك المشاكل، ومن هنا يتوجب عليهم العمل يداً بيد للتصدي لها. ولا يقتصر العمل خلال هذه القمة على التقاط صورة جماعية تذكارية، بل البحث عن حلول حقيقية. فبعد نحو 30 عاماً سيتجاوز عدد الأفارقة ملياري نسمة. ويعتقد تاياني أن الملايين منهم سيتوجهون إلى أوروبا، إذا لم تتم الآن معالجة مشاكل إفريقيا في عين المكان.
وعليه فإن قضية الشباب تحتل مكانة مركزية في نقاشات قمة أبيدجان، علماً أن إفريقيا هي القارة الأكثر شباباً في العالم. وقال تاياني: "إفريقيا يجب عليها ضمان مستقبل شبابها". وأكد رئيس البرلمان الأوروبي أن هناك حاجة لخطة مارشال، كما نوقش ذلك بعد قمة مجموعة العشرين في ألمانيا، موضحاً أن الاتحاد الأوروبي ليس بمقدوره صنع معجزات، لكنه يجب عليه الالتزام والانخراط بشكل أكبر.
أوروبا ماتزال، كما كان عليه الحال في الماضي، أكبر مانح لمساعدات التنمية؛ إذ بلغت حوالي 20 مليار يورو في السنة الماضية. وفي الوقت نفسه جنت الدول الإفريقية نحو 21 مليار يورو من خلال تحويلات رعاياها في الخارج. وعلى هذا الأساس فإن الكثير من البلدان ترفض استقبال مهاجريها عندما يتم ترحيلهم من أوروبا؛ لأنه وببساطة يشكل وجودهم هناك مصدراً دخل تلك البلدان.
في المقابل تبقى الاستثمارات المباشرة من الاتحاد الأوروبي في إفريقيا متواضعة بما يصل قيمته إلى 32 مليار يورو. ويأمل الطرف الإفريقي في المزيد من الأموال والتزام أكبر. كما يجب رفع مستوى التعاون الإنمائي -الصغير حتى الآن- إلى مرحلة متقدمة. لكن سرعة تحقيق وكمية الأموال التي سيضخها الأوروبيون لتلك الغاية يبقيان سؤالين مفتوحين ينتظران الإجابة عليهما. وهذا رغم الكلمات الرنانة حول مخطط مارشال تدعمه ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا.
"التحرر من دور المتسول الأبدي"
"منح مساعدة التنمية بلا شروط من شأنه دعم الحكومات الديكتاتورية"، يقول دنيس موكفيغه، الطبيب والناشط من الكونغو، في حديث مع DW. من المعلوم أن تلك الحكومات تجوّع مواطنيهم، وتزور الانتخابات، وتعدل الدساتير وتفقد كل احترام من الأوروبيين. لكن الديمقراطية والحكم الرشيد ليست وصفات أوروبية؛ فهي جزء من الإرث البشري وجب توطينه أيضاً في إفريقيا. ويؤكد موكفيغه أن العلاقات بين إفريقيا وأوروبا يجب على كل حال أن تقوم على القيم.
نال الطبيب دنيس موكفيغه شهرة بفضل عمله وتكريس نفسه لصالح النساء في الكونغو، اللواتي تعرضن للتنكيل والاضطهاد خلال الاضطرابات وأوقات الحرب. وهو ينتقد الكثير من الحكام الأفارقة: "إذا تأملنا اليوم في وضع بعض البلدان الإفريقية، فإننا نخلص إلى نتيجة مفادها أن مشاكل تلك البلدان ليست في نقص الموارد البشرية أو المادية، بل بسبب سوء الحكم". ويطالب موكفيغه بأن تتحرر إفريقيا من دورها كمتسول أبدي، معتبراً أن هناك علاقة بين السلام والأمن والتنمية. غير أنه يرى أن ذلك يجب أن يكون على قاعدة الديمقراطية والحكم الرشيد.
الندية
"الرؤية تغيرت، هناك الآن رغبة في التعاون مع الممثلين الأفارقة، ويتعلق الأمر هنا بقيام شراكة حقيقية"، يقول رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى روفين تواديرا في حديث لـDW، مضيفاً أن "عند التفكير في قضيتي الشباب والهجرة، فإنها رهينة بصفة مباشرة بالنقص في التنمية". وأشار إلى الحاجة إلى استثمارات في التعليم والإنتاجية الزراعية والمشاريع المائية. كما يجب منح الشباب آفاقاً، لأنه وفي ظل الظروف الحالية، كما يعتقد رئيس إفريقيا الوسطى، تبقى الهجرة غير المقننة ظاهرة طبيعية.
الرئيس تواديرا يريد بوجه الخصوص جذب استثمارات مباشرة من الخارج، ويعترف أنه يجب تحسين الظروف في عين المكان، وقال: "يجب أن نتحمل مسؤوليتنا، لكننا نحتاج أيضاً إلى دعم شركائنا". وامتدح الرئيس فكرة خطة مارشال لإفريقيا، الذي ستساهم استثمارتها بحل الكثيرة من مشاكل القارة السمراء.
لكن الأمل في الحصول على وعود مالية سريعة وشاملة من الاتحاد الأوروبي قد يكون خادعاً؛ إذ أن نظرة إلى الخارطة تبين العدد الكبير للدول التي تعاني من الأزمات السياسية الداخلية والفساد وسوء الإدارة. وتبقى توقعات البلدان الإفريقية من لقاء القمة عالية، وميل الأوروبيين إلى استثمار المليارات في دول غير آمنة في تراجع. الشراكة الجديدة ستكون عملية طويلة الأمد وبخطوات صغيرة.
باربارا فيزل/ م.أ.م