الفنان السوري مروان الكرجوسلي ورحلة البحث عن جذور جديدة
١٧ فبراير ٢٠١٣في "فريدريش شتراسه" واحد من أهم شوارع برلين يعرض الفنان السوري مروان الكرجوسلي آخر أعماله الفنية تحت عنوان" جذور جديدة". تقول مايسه سلامة فولف المشرفة على المعرض: "إنها فرصة لا تتاح لأي فنان كان، فهي فرصة أتاحتها لنا جمعية الصداقة العربية الألمانية لإيمانها بقيمة أعمال مروان."
قبل ثلاث سنوات جاء مروان الكرجوسلي إلى ألمانيا. عنوان المعرض "جذور جديدة" لم يكن اعتباطيا، وإنما جاء لوصف هذه المرحلة الجديدة في حياة الفنان البالغ من العمر 45 سنة. يقول الفنان السوري:"الجذور لها علاقة بالمكان الأول أي بالبلد الذي ولدت فيه، هذا المكان يتعاطى مع الجسم، مع البصر، مع السمع، فنتعود عليه حتى ولو لم نوافق على نهج الحياة فيه".
ويتابع مروان:"جئت إلى ألمانيا بمحض إرادتي من أجل زوجتي التي أحببتها، كما أني رافض للوضع الذي يعيشه الناس في سوريا، كعدم احترام القانون على سبيل المثال. كنت أعيش في حالة ضغط مستمرة." هذا المكان الجديد والعلاقات الجديدة هي زرع لجذور جديدة.
نقمة التعبيرات الفنية المتعددة
المعرض المستمر لغاية 17 من مايو/ أيار 2013 يعرض تجربة فنية جديدة للفنان السوري، حيث ترتكز أغلب اللوحات على فكرة أحجار الرصيف المتراصة، والتي تثير في نفس الفنان الإعجاب. تقول مايسه سلامة فولف عن مروان:" هو دائما في بحث مستمر عن ما هو جديد، عن أشكال تعبيرية جديدة وربما عن جذور جديدة."
فمروان الكرجوسلي ليس رساما فقط وإنما هو فنان متعدد في تعبيراته الفنية: فهو عازف العود، والمغني، والسينمائي، بل وحتى الأكاديمي بحكم تدريسه لمادة الفن في سوريا.
تعبير فني واحد بالنسبة لمروان غير كاف ويقول في هذا السياق:" قد يعتقد البعض إنها نعمة لكنها نقمة في واقع الأمر. فعندما يشتغل المرء في عدة مجالات ويتمتع بمهنية عالية، يتعب في الحياة."
ويشرح مروان الفكرة أكثر:"مثلا عندما أشاهد فيلما وأسمع موسيقى تصويرية غير متناسبة مع المشهد أتضايق. وإذا كان الإخراج غير صحيح أتضايق أيضا، ومن ضمن مشاكلي اليومية بسوريا هي العشوائية في البناء."
الأسود ليس لونا حزينا
المتأمل للوحات مروان يلاحظ أن لوحاته المرسومة في السنتين الأخيرتين يطغى عليها اللون الأسود ونوع من القتامة، بينما تلك التي رسمها من قبل تتسم بألوان مزهرة ومضيئة. قد يكون هذا التحول مرتبطا بالتحول العنيف الذي شهدته سوريا في السنتين الأخيرتين. فهل هذا الانطباع الذي قد يتشكل لدى المتلقي فيه جانب من الصواب؟
سؤال يجيب عليه مروان بالنفي ويقول:" أنا لا أحس أن اللون فيه تعبير عن حالة الحزن أو حالة السعادة. لأن اللون الأسود هو لون جميل ضمن بقية الألوان، فلا أشعر نهائيا أني حزين بالضرورة عندما استخدم الألوان الداكنة... لا يمكن التعامل مع الفن بمنطق الرياضيات."
حالة من الحنين إلى سوريا تظهر في اللوحات التي تحيل على دمشق وجدرانها وممراتها. مروان نفسه لا يعرف إذا كانت اللوحات تعبر عن حنين، حيث يترك للزائر حرية تلقي اللوحة:"عندما أكون جالسا مع اللوحة أعيش تفاصيل لا يمكن أن أحكيها، أتصور انه هناك حنين فعلا ، لكن لا أضع ذلك في الاعتبار أثناء عملية الرسم." ويتابع الفنان السوري:"ليس ذلك تجاهلا للمتلقي، أفرح حين يحب أعمالي وأحزن في حالة العكس. لكن أثناء الرسم يهمني أن أفرغ تلك الشحنة التي بداخلي في اللوحة."
إمكانيات توفرها ألمانيا للفنان
وإذا كانت ألمانيا وبرلين على الخصوص قِبلة للفنانين من مختلف أنحاء العالم نظرا للإمكانيات الفنية التي تتحيها المدينة، فلمروان أولويات أخرى كإنسان وكفنان يراها متوفرة في هذا البلد:""أهمية ألمانيا أتصورها في أمرين: أحس بالحرية. الناس تقبلني مثلما أنا، إضافة إلى أني متأكد أن هناك مساواة بين الناس أمام القانون، الشيء الذي نفتقده في دولنا العربية، حيث ليس لدينا حقوق ولا مساواة. وأعتقد أن هاتين النقطتين مهمتين بالنسبة لكل فنان يبدع."
وعلى عكس الصورة النمطية التي تشاع عن الفنانين يحب مروان الكرجوسلي الحياة المنظمة والشارع الجميل والنظيف. كما أنه لا يفهم لماذا تنتشر هذه الصورة النمطية عن الفنان.
يقول الفنان السوري:" أكبر دليل على ذلك هو محمد عبد الوهاب أكبر فنان عربي، الذي كان مثالا يُحتدى به في النظام والرقي والأناقة، محمود درويش كانت رائحته وأناقته جميلتين. نزار قباني كان يغسل يديه ليكتب الشعر." ويتابع مروان:"هناك أنصاف فنانين يكمّلون نصفهم الثاني بادعاء البوهيمية. "
اللوحات كصوت العصافير
سبق لمروان الكرجوسلي أن أقام معارض في عدد من المدن العربية والأوروبية. لقاؤه مع الجمهور الألماني في معرضه الجديد جعله يُكوّن فكرة عن مميزات المتلقي الألماني:"الدقة التامة والاهتمام بالتفاصيل، حيث يرغب في معرفة كل شيء عن اللوحة. يريد أن يعرف مادة اللون ومادة الخشب وقياس اللوحة، وأن يعرف لماذا قام الرسام بهذا الاختيار دون غيره."
لكن يبقى الرسم فنا غير جماهيري، لا يحظى بنفس الإقبال الذي تحظى به الفنون الأخرى كالسينما والموسيقى، لكن مع ذلك يمكن للوحات أن تخلق في روح المتلقي مشاعر فرح مختلفة.
يحكي مروان قصة بيكاسو مع نادل في مقهى قال لبيكاسو إنه لا يفهم لوحاته، فقال له بيكاسو:"هل تفرح أو تحزن عند رؤيتها؟ أجاب النادل: أفرح. ثم بادره بيكاسو بالسؤال: "وعندما تسمع زقزقة العصافير، هل تفرح؟ أجاب النادل: نعم. فقال له بيكاسو: هل تفهمها؟ فأجاب النادل: لا. فقال بيكاسو:" كذلك هي اللوحات التي لا تفهمها."