الفلسطينيون يصعّدون ضد ترامب وإسرائيل.. ظلال تهديدات ؟
١٦ يناير ٢٠١٨بكلمات قوية ولهجة حادة من الرئيس الفلسطيني محمود عباس ابو مازن بات واضحاً أن القضية الفلسطينية تتخذ منحى جديداً. فالرجل قال صراحة: "لم يبق أوسلو. اسرائيل انهت اوسلو"، ووصف خطة الرئيس الأمريكي لانهاء الصراع في الشرق الأوسط وإعلان القدس عاصمة لإسرائيل بانه "صفعة العصر لا صفقة العصر".
على الجانب الآخر جاءت التهديدات الأمريكية واضحة وصريحة، فربما وللمرة الأولى تهدد واشنطن بوقف المساعدات المالية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (اونروا) ، وربط ذلك بدفع الفلسطينيين إلى العودة لمباحثات السلام مع إسرائيل. ومع هذه التطورات الدراماتيكية ، تطرأ على المشهد أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات.
كيف ستتعامل التحالفات الإقليمية مع التطورات؟
مع وجود تحالفات إقليمية في المنطقة، وتباين في المواقف بين دول هذه التحالفات قد يبدو أن بعض القرارات التي اتخذتها أو ستتخذها السلطة الفلسطينية ستواجه برفض أحدها وقبول ودعم الآخر. وكان قيادي فلسطيني، رفض ذكر اسمه، صرّح لوكالة أنباء "الأناضول" بأن اللجنة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية قد خفضت سقف التوصيات، خلال اجتماعها، بعد تعرض القيادة الفلسطينية لضغوط عربية ودولية على قوله.
السياسي والكاتب الفلسطيني مصطفى البرغوثي في حديث ل DW عربية قال:"نحن ننظر للدول العربية ودول المنطقة كأصدقاء وحلفاء لنا ولا نميز بينهم ونحن لسنا جزءا من أي محاور موجودة في المنطقة ولسنا مع أحد ضد أحد، ونحاول أن نمتنع عن التدخل، وهذه من قرارات المجلس المركزي بعدم التدخل في شؤون الآخرين الداخلية ونتوقع من الآخرين ألا يتدخلوا في شؤوننا الداخلية".
من جانبه، وفي حديث مع DW عربية يقول يوسي ميكلبرغ، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ريجنت- لندن، "إن الرئيس الفلسطيني سيجد تعاطفاً كبيراً من دول المنطقة مع قراراته، ولكن أيضاً مع تخوف مساوٍ له من أي تصعيد قد يؤجج الصراع، فالقضية الرئيسية هي عدم وجود عملية سلام وعدم إجراء مفاوضات سيؤدي إلى انعدام الأمل واليأس يغذيهما توسع المستوطنات وترسيخ الاحتلال" على حد تعبيره.
إلى أي مدى يمكن أن يذهب محمود عباس ؟
استعمل الرئيس الفلسطيني لهجة خطاب ربما لم يستعملها من قبل، حتى أنه قال للرئيس الأمريكي "يخرب بيتك"!
كلمات عباس التي يراها البعض وسيلة لرفع أسهمه في الداخل الفلسطيني، أثارت حفيظة الجانب الإسرائيلي ما حدا بالرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين أن يصف تصريحات محمود عباس بأنها "تضمنت عبارات رهيبة"، أما وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان فقال: "حقا إنه خطاب لخراب البيوت.. إنه يحاول أن يخرب بيوتنا جميعا، بيوت الفلسطينيين والأمريكيين واليهود".
صحف إسرائيلية اعتبرت خطاب الرئيس الفلسطيني خطاب وداع وإدراك لانتهاء دوره السياسي، ورغم ذلك فإن صحيفة “يديعوت احرونوت" فقالت إن خطاب أبي مازن سيء، وخطاب اليائس، لكنه لن يحرق الجسور، وسيحافظ على التنسيق الأمني.
ويبدو أن الشارع الفلسطيني مؤيد للقرارات التي اتخذتها القيادة الفلسطينية ورئيسها لكنه أرادها أن تكون أكثر حزماً وأكثر وضوحاً وأن يكون فيها آليات تنفيذ فعالة وملموسة كما يرى مصطفى البرغوثي، مضيفا أن حكم الشارع الفلسطيني على قرارات المجلس المركزي مرتبط بمدى تنفيذها فعليا على أرض الواقع، وهذا هو الاختبار الحقيقي لهذه القرارات، وتابع : "صحيح أنه كان يجب منذ فترة إجراء انتخابات رئاسية فلسطينية لكن في هذا الظرف نحن سنسانده وندعمه لأنه يقف في وجه الولايات المتحدة والقرارات الإسرائيلية ولن نسمح لأحد أن يأتي بقيادة بديلة فلسطينية ولن يكون أحد قائداً للفلسطينيين إلا إذا انتخبه الشعب الفلسطيني.
على الجانب الإسرائيلي، يرى باحثون بمركز القدس الاسرائيلي للدراسات أن السلطة ورئيسها سيعودان إلى نهج الواقعية السياسية بعد تهدئة موجة الغضب من الموقف الأمريكي، خاصة مع تقديرات أمنية إسرائيلية تشير إلى ضعف السلطة في ظل الانقسام وخشية فتح من وقوع انقسامات في داخلها، وفي هذا السياق يرى زلمان شوفال، المفاوض الإسرائيلي السابق أن السلطة الفلسطينية ورئيسها عباس، وهو أحد مهندسي اتفاق اوسلو، بحاجة إلى التنسيق الأمني مع إسرائيل لاستمرارها.
ويبدو أن عباس يدرك جيداً أن فك الارتباط مع الجانب الاسرائيلي قد يتسبب في انهيار السلطة الفلسطينية وانهيار منصبه هو شخصيا، وبهذا الخصوص يشير البروفيسور يوسي ميكلبرغ الى أن "عباس كما يبدو يلعب على حافة حادة للغاية ويعتزم الانسحاب قبل السقوط من فوقها، فهل هذا بالفعل ما سيفعله؟ القرارات الفلسطينية المقبلة ستبين لنا مدى صحة ذلك من عدمه" حسب تعبير الخبير الإسرائيلي.
الاونروا.. اللعب بالنار
"عيب".. كانت هذه كلمة الرئيس الفلسطيني التي وجهها للرئيس الأمريكي تعقيبا على تهديد الأخير بقطع المساعدات الاقتصادية عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "اونروا". وتفيد أرقام نشرت على الموقع الإلكتروني لوكالة مساعدات التنمية الأمريكية (يو اس ايد) أن الولايات المتحدة دفعت 319 مليون دولار إلى الفلسطينيين عبرها.
لكن هناك من يرى أنّ الاستغناء عن الدعم الأمريكي ممكن في الظرف الحالي، وهو ما أكد عليه مصطفى البرغوثي بالقول:" أقول لأمريكا اقطعوها .. أقطعوا مساعداتكم عن أونروا، فالمستفيد الأكبر من المساعدات الاقتصادية للسلطة الفلسطينية هي إسرائيل حيث تذهب معظم المساعدات الأمريكية للتنسيق الأمني وللأجهزة الأمنية والتي تستفيد منها إسرائيل والجزء الثاني من المساعدات نصفه يعود للولايات المتحدة على شكل نفقات إدارية ورواتب مستشارين والقيمة التنموية للمشاريع الأمريكية مشكوك فيها جملة وتفصيلاً، لذا أنا انصح بقطع هذه المساعدات".
على أن هناك من يرى أن الدعم الامريكي للأونروا لا يخدم الفلسطينيين وحدهم ، كما يرى يوسي ميكلبرغ، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ريجنت، مؤكدا أن هناك خمسة ملايين لاجئ مسجل وهم في ظروف صعبة للغاية وتوفر لهم المنظمة المأوى والتعليم والرعاية الصحية وفرص العمل، "وإن سلمنا بوقف عمل المنظمة في الصفة وغزة وتحمل إسرائيل لمسئولية الفلسطينيين فيها كجهة احتلال، فكيف سيكون حال الفلسطينيين في سوريا ولبنان والاردن؟ أقول إن النتائج النهائية قد تكون كارثة إنسانية".
مستقبل المنطقة على صفيح ساخن
تشكك مراكز أبحاث إسرائيلية في إمكانية اتخاذ الجانب الفلسطيني قرارات عنيفة كفك الارتباط الأمني وسحب الاعتراف بإسرائيل. ورغم ذلك هناك من يتوقع أن ينفذ الجانب الفلسطيني بعض هذه القرارات، وفي هذا السياق يؤكد البرغوثي "ليس هذه القرارات فقط بل هناك المقاطعة الاقتصادية وفرض العقوبات الدولية وسحب الاستثمارات وإعلان اسماء الشركات الأجنبية التي تعمل في المستوطنات ومقاطعتها ومعاقبتها بحسب قوانين هذه البلدان التي تعاقب أي طرف يشترك في أنشطة اقتصادية تخالف القانون الدولي وتشارك في جريمة حرب وبمساعدتنا على إحالة المسئولية الإسرائيليين إلى محكمة الجنايات الدولية وبإسناد نضالنا وصمودنا في فلسطين حيث أنه فعليا لا يوجد عملية سلام فهي ميتة منذ زمن بعيد واذا أرادت إسرائيل منا الاعتراف مطلوب منها 3 أشياء أن تعترف هي بدولة فلسطين على حدود 67 وأن تلغي قرار ضم القدس العربية إليها وأن توقف النشاط الاستيطاني".
تصلب الطرفين سيشعل بلا شك منطقة هي مشتعلة في الأصل، خاصة بوجود ملايين الفلسطينيين اليائسين بسبب انسداد المستقبل، وانعدام فرصهم في حياة كريمة، كما يرى يوسي ميكلبرغ، أستاذ العلاقات الدولية مضيفا "ليس لدي أي تصور عما يمكن أن تفعله إسرائيل إذا ما واجهت ضغوطاً متنوعة بهذا الشكل ما بين مقاطعة اقتصادية وملاحقات قضائية لقياداتها، لكنها عموماَ ترى أن المجتمع الدولي ليس بقادر على أن يضغط عليها أو أنه ليس مهتماً بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني قدر اهتمامه بمكافحة انتشار الإرهاب في المنطقة".
إسرائيل ولاشك تعلم أنها هي أيضاً تضغط على الفلسطينيين من خلال حصار غزة والتوسع في بناء المستوطنات في الضفة لكنها في لحظة ما قد تقرر ضم الضفة الغربية، وهو ما أشار اليه ميكلبرغ مؤكدا أنّ وجود ترامب في أعلى هرم السلطة بالولايات المتحدة يجعل المرء لا يعتمد كثيراً على أن تلعب الولايات المتحدة أي دور إيجابي إذا ما تصاعدت الأحداث".
عماد حسن