العقوبات الأمريكية..بلطجة أمريكية تطال سوق الطاقة الأوروبية!
١٧ يونيو ٢٠١٧في سابقة غير مألوفة بهذه العلنية، دان كل من وزير الخارجية الألماني زيغمار غابريل والمستشار النمساوي كريستيان كيرن تبني مجلس الشيوخ الأمريكي في 15 يونيو/ حزيران الجاري 2017 بأغلبية ساحقة مشروع قانون بتوسيع العقوبات الأمريكية ضد روسيا. رسميا يهدف المجلس من خلال المشروع إلى معاقبة روسيا على تدخلها المزعوم في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة وعلى ضم شبه جزيرة القرم وعلى دعم حكومة الرئيس بشار الأسد. غير أن تفاصيل النص تفوح منها رائحة ما يمكن تسميته مصالح الشركات الأمريكية أولا، ولو على حساب أقرب الشركاء الأوروبيين.
ومما جاء في هذه التفاصيل نص يقول بمعاقبة الشركات الأوروبية التي تشارك في مشروعات الغاز الطبيعي المشتركة مع روسيا، وفي مقدمتها "مشروع خط أنابيب السيل الشمالي الثاني" الذي يمر تحت بحر البلطيق لتزويد أوروبا بالمزيد من الغاز الروسي عبر ألمانيا. وعلى ضوء ذلك اتهم غابريل وكيرن في بيان مشترك الولايات المتحدة بالعمل على تحقيق "مصالحها الاقتصادية من خلال الضغط المتعمد على الشركات الأوروبية وتهديدها".
وجاء في البيان أيضا أن "التهديد بفرض هذه العقوبات يمثل نقلة جديدة سلبية في العلاقات الأمريكية الأوروبية". بدوره أعلن المتحدث باسم الحكومة الألمانية شتيفن زايبرت أن المستشارة الألمانية انغيلا ميركل تشاطر الوزير غابريل والمستشار كيرن الرأي حيال العقوبات مشيرا إلى أن ميركل على قناعة بأنه لا ينبغي الخلط بين المصالح الاقتصادية والعقوبات الأمريكية.
أمريكا من دولة مستوردة إلى دولة مصّدرة
تزود روسيا أوروبا حاليا بحوالي 40 بالمائة من احتياجاتها من الغاز الطبيعي بحجم حوالي 180 مليار مكعب عبر أنابيب تصل إلى غرب القارة الأوروبية عن طريق بولندا وأوكرانيا ومؤخرا أيضا عبر "خطط الأنابيب الشمالي الأول" الذي تم مده تحت بحر البلطيق إلى شمال ألمانيا.
ونظرا إلى التجرية الأوروبية الجيدة مع روسيا في إمدادات الطاقة رغم الخلافات والتوترات السياسية يجري العمل حاليا على مد خط ثان للأنابيب عبر البحر المذكور لتعزيز الإمدادات الروسية بالغاز إلى أوروبا.
غير أن الولايات المتحدة تعارض هذا المشروع وتسعى إلى تصدير المزيد من الغاز المسال إلى الأسواق الأوروبية عن طريق السفن عبر المحيط الأطلسي. وبالفعل بدأت شركات الطاقة الأمريكية تصدير شحنات الغاز المسال إلى أوروبا للمرة الأولى في أبريل/ نيسان من العام الماضي 2016. ومع إنجاز أكثر من ست محطات بحرية يجري بنائها حاليا لتخزين وشحن الغاز الصخري المسال يتوقع أن تصل الطاقة التصديرية الأمريكية إلى حوال 60 مليون طن من الغاز المسال سنويا في غضون سنوات قليلة.
وتذهب الطموحات إلى بناء أكثر من عشرين محطة أخرى قادرة على جعل الولايات المتحدة أول مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم قبل قطر الذي تصدر حاليا 77 مليون طن في السنة.
فرض شروط أنسب للشركات الأمريكية
مقارنة بالغاز الروسي أو القطري يعد الغاز الأمريكي الذي تم اكتشافة بكميات ضخمة مؤخرا عالي الكلفة كونه غاز صخري عميق المنشأ. كما أن معالجة هذا الغاز وتسييله ثم نقله بسفن خاصة عبر البحار يزيد التكلفة ويجعل الغاز الروسي إلى أوروبا الأكثر منافسة في السعر والنوعية. ومن هنا ليس أمام الولايات المتحدة في الوقت الحالي سوى وسائل الضغط السياسي والعقوبات المخالفة للقانون الدولي من أجل خلق شروط أفضل لشركاتها في الأسواق الأوروبية على حساب الغاز الروسي، لاسيما وأن المنافسة القطرية في هذه الأسواق تواجه بدورها تأثير العقوبات العربية على قطر. وبالمناسبة فإن العقوبات الأمريكية والعربية تقوض شروط المنافسة المتكافئة التي تعد الركن الأساسي للنظم الليبرالية الاقتصادية بدون استثناء. ومن هنا يمكن وصف ما تقوم بها الولايات المتحدة بأنه نوع من الاستبداد الاقتصادي الذي يطال مصالح أقرب الحلفاء بشكل مخالف لقواعد التجارة العالمية.
هل تتوحد أوروبا لتعزيز قوة القانون الدولي؟
ليس سرا أن الولايات المتحدة عارضت في السابق مشاريع الغاز الروسية الأوروبية وعرقلتها خوفا على مصالحها ومن النفوذ السياسي الروسي في أوروبا عن طريق مصادر الطاقة. أما اليوم وبعد اكتشاف الغاز والنفط الصخريين في عدة مناطق أمريكية بكميات ضخمة تؤهلها لتكون في مقدمة المناطق المصدرة للغاز والنفط في العالم، يتوقع أن تزداد هذه المعارضة ومعها وسائل الضفط المختلفة من سياسية وغير سياسية. الوزير الألماني غابريل انتقد السياسات الأمريكية بشدة متهما واشنطن بأنها لم تعد تنظر إلى المجتمع الدولي "كمنتدى جماعي تحكمه علاقات منظمة بل كحلبة صراع" مضيفا "أن الفيصل في العلاقات الدولية هو قوة القانون وليس قانون الأقوياء". واعتبر غابريل أن ما أسماه بالاستبدادية الجديدة تمثل التحدي الأكبر للديمقراطيات الليبرالية". ومن هنا تأتي أهمية تعزيز الوحدة الأوروبية كي تكون أوروبا بصوت واحد قادرة على حماية مصالحها الاقتصادية، فبدون صوت أوروبي موحد يرى غابريل على حق بأنه لا يمكن حتى "لألمانيا القوية أن تجد من ينصت لها".