العرب في معرض فرانكفورت بين الإختزال والتهميش الذاتي
تنتهي اليوم فعاليات معرض فرانكفورت الدولي للكتاب الذي يعد الأكبر من نوعه في العالم، والذي جرت العادة أن تحتضنه مدينة فرانكفورت في خريف كل عام. ولم تقتصر فعاليات هذا المعرض على عرض الكتب المختلفة والجديدة، بل قدمت أنشطة ثقافية متنوعة، وهو ما جعل المعرض واحدا من أكبر الأحداث الثقافية العالمية. كما يستمد المعرض أهميته من كونه ملتقى لكل الثقافات العالمية، ففي هذا العام شارك أكثر من 3000 عارض ألماني، ونحو 4000 عارض من حوالي مئة دولة مختلفة في فعاليات المعرض.
جائزة السلام لأورهان باموك
وعلى هامش المعرض تسلم الأديب التركي اورهان باموك اليوم الأحد جائزة السلام للعام 2005 التي يمنحها اتحاد الناشرين الألمان والتي تعتبر من أرقى الجوائز الأوروبية. وقال ديتر شورمان رئيس اتحاد الناشرين الألمان الذي يختار كل سنة كاتبا من العالم ملتزما من اجل السلام: "اورهان باموك البالغ من العمر 53 عاما يمد جسرا بين الشرق والغرب". كما أضاف قائلاً بمناسبة تسليم الجائزة الى الكاتب: "إن اورهان باموك يقتفي آثار الغرب في الشرق وأثار الشرق في الغرب. ويذكر أن يقيم باموك في اسطنبول وهو يتعرض بانتظام لحملات من الأوساط القومية وخصوصا بعد إعلانه في شباط / فبراير الماضي أن "ثلاثين الف كردي ومليون ارمني قتلوا في تركيا". وبالإضافة إلى ذلك فهو ملاحق قضائيا لهذا الموقف وسيمثل في كانون الأول/ديسمبر أمام محكمة في اسطنبول بتهمة "الإساءة المتعمدة للهوية التركية" ويواجه عقوبة السجن من ستة اشهر الى ثلاث سنوات لهذه التصريحات. والجدير بذكره في هذا السياق أنه يؤيد انضمام بلاده الى الاتحاد الأوروبي.
فعالية الحوار مع العالم العربي
ومن أجل تعزيز دور المعرض في تبادل الثقافات، وفي إضفاء الطابع العالمي عليه، يختار القائمون على المعرض في كل عام ضيف شرف، تركز عليه الأضواء، وتكون معظم أنشطة المعرض مخصصة للتعرف على ثقافته. وبالإضافة إلى الأنشطة الأدبية التي تقدمها الدولة الضيفة ، تقدم العديد من العروض المسرحية المختلفة، والموسيقى والرقص، والأفلام أيضاً، متيحة الفرصة بذلك للإلمام بثقافة جديدة غريبة على الألمان. وقد كان العالم العربي ضيف شرف المعرض في العام الماضي، بينما أتيحت الفرصة هذا العام لكوريا الجنوبية لتعريف العالم بثقافتها، حيث سيقدم أربعون أديباً أعمالهم لزائري المعرض.
وبالرغم من المشاركة العربية الضعيفة نسبياً هذا العام، إلا أن القائمين على المعرض يسعون إلى دعم استمرارية الحوار مع العالم العربي، عبر الأنشطة المختلفة، منها مثلاً تأسيس حلقة حوار أوروبي إسلامي تشمل حوار مع دور النشر المتخصصة في أدب الطفل يشارك فيها ناشرون فلسطينيون وأردنيون. وفي هذا الإطار شارك الكاتب اللبناني سماح إدريس مع الباحث في الدراسات الإسلامية شتيفان ميليش في مناقشة حول الشباب اللبناني في ظل الحرب الأهلية. كما خصصت حلقة مناقشة حول القراءة وسلوك القراء في العالم العربي وأخرى حول كتب الأطفال به. أما دراسة سوق الكتاب في العالم العربي، وهو الأمر المهمل إلى حد كبير في العالم العربي، فقد اهتم به جريجور مايرينج من وزارة الخارجية، وسيقدم نتائج دراسته في محاضرة خلال أيام المعرض. وعن دور المرآة في الحياة الثقافية في دول الخليج، قامت الكاتبة وعالمة الاجتماع المغربية فاطمة ميرنيسي بالقاء محاضرة حولها. وتم إستضافت بعض الناشطات من بينهن مي الخليفة، التي ترأس مركزاً ثقافياً هاماً بالبحرين. كما أعدت إدارة المعرض بالتعاون مع قناة الجزيرة حلقة مناقشة حول دور القنوات العربية في العالم العربي في بناء الرأي العام.
إختزال أم تهميش ذاتي
بعد مرور عام على استضافة العالم العربي في مهرجان فرانكفورت للكتاب لا تزال جملة من الأسئلة تطرح نفسها حول ما تبقي من تأثير هذه المشاركة على الحوار الثقافي بين العالم العربي والأوروبي. ومن أجل التعرف على آراء الناشرين العرب بهذا الخصوص قام موقعنا بجولة في معرض هذا العام. المسئول الثقافي العماني السيد يوسف إبراهيم بن عبدالله يعتقد أن "المشاركة العربية في العام الماضي كانت إيجابية، وساهمت في إعطاء طابع جيد عن عوالم الثقافة العربية بصورة عامة". أما السيد ماهر الكيلاني، مدير عام المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمان، فقد أشار إلى أن "إستضافة العرب كانت فكرة جيدة لكي يقدم العرب حضارتهم وثقافتهم للعالم". وهو يعتبر أن هذه المهمة قد نجحت "نسبياً"، لأن "التظاهرة العربية عانت من مشاكل تنظيمية وخطط وهمية لم يتم تطبيقها على أرض الواقع". وعلى سبيل المثال يذكر السيد ماهر الكيلاني في حديثه مع موقعنا أن "عدد الكتب التي تم ترجمتها من اللغة الألمانية إلى اللغة العربية مخيب للآمال".
المحزن والملفت للنظر في هذا السياق يتمثل في حقيقية أن السياسة الألمانية أظهرت حماسة وجدية في محاولاتها الهادفة إلى تفعيل الحوار الأوروبي العربي أكثر من غالبية الدول العربية. كما أن ظاهرة "تسييس" الحضور الثقافي العربي بصورة عامة تلقي بظلالها على الصورة العامة التي تنشرها وسائل الإعلام عن العرب، فعلى الرغم من وجود بؤر ساخنة في الشرق الأوسط مثل العراق وفلسطين، إلا أن هذا لا يعني وجود أرضية واقعية وعقلانية لإختزاله ورؤيته من المنظور السياسي فقط. وفي هذا الإطار أيضاً يأتي العجز في الجانب التنظيمي ليساهم في الإخفاق في توظيف هذا الفرصة الذهبية في نقل صورة عن العالم العربي تتميز بالطابع التفريقي وتبتعد عن فخ النمطية المعتاد.
دويتشه فيله