العراق بين ضفتي الخليج: تموضع جديد بعد قمة مكة؟
١٧ أغسطس ٢٠١٢اختتمت القمة الإسلامية الاستثنائية في مكة أعمالها فجر الخميس (16 آب/ أغسطس 2012) بقرار تعليق عضوية سوريا في منظمة التضامن الإسلامي. جاء هذا التطور في وقت تهب على الخليج رياح مختلفة الاتجاهات لم تأت من جانبيه العربي والإيراني فحسب، بل صارت تهب في الغالب من مختلف أنحاء العالم لاسيما وأن أكثر من 35% من مصادر النفط تنتج وتمر من خلال ممرات الخليج المائية.
تسمية هذا الخليج النشط ظلت على مدى التاريخ الحديث منبع خلاف بين الجميع، فالعرب المشارقة والمغاربة يسمونه الخليج العربي، فيما تصر إيران على تسميته بالخليج الفارسي، أما دول الخليج وهي المعنية أكثر من غيرها بالموضوع، فتسميه الخليج تخلصا من موارد الخلاف، فيما تسميه المصادر الغربية الناطقة باللغات الأوروبية بالخليج الفارسي.
موقع العراق الجغرافي في أعلى الخليج متوسطا ضفتيه الإيرانية والعربية، وطبيعة النسيج الاجتماعي والمذهبي في العراق، والتغيرات الجيوسياسية التي شهدتها المنطقة منذ الإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003 ، ودخول العراق في حرب السنوات الثماني ضد إيران نيابة عن دول الخليج، كل ذلك وسط "حالة الاستقطاب الطائفي" التي تسود المنطقة اليوم، يجعل موقف العراق مما يجري في الخليج صعبا للغاية، لاسيما وأن أي موقف سوف يعني اصطفافا إلى جانب طرف ما بسبب الوضع المتفاقم في سوريا.
موقف العراق تجاه ما يجري في الخليج
ويرى العديد من المراقبين أن ميزان القوى اختلف ميزان القوى في البلد وفي المنطقة بشكل جلي، بعد إسقاط نظام صدام حسين وأن مواقف العراق من القضايا العربية ومن صراعات العالم العربي قد تغيرت. ويرى هؤلاء أن هذا الخلاف تعاظم في ظل "الاستقطاب الطائفي" الذي ساد المنطقة منذ عام 2003، وصار عاملا حاسما في تحديد مواقف أغلب دول الشرق الأوسط من الصراعات السياسية. وفي ظل ذلك يقف العراق حائرا تجاه ما يجري في الخليج، عاجزا عن الاصطفاف إلى طرف ما، وهذا ما يضع البلد أمام احتمالات خطيرة على صعيد نسيجه الداخلي المتآكل.
الكاتب العراقي داوود البصري أشار ضمن مشاركته في برنامج العراق اليوم من DWإلى أن الموقف العراقي مرتبك بشكل كامل، وموقف الأحزاب الحاكمة في هذا البلد تقف حائرة بشكل يعبّر عن عجزها عن تشكيل رؤية حقيقية للصراع. وذهب البصري إلى القول: "على العراق أن ينأى بنفسه عن التدخل، وعليه أن يساند قوى الحرية، ولكن ما حصل للأسف نراه في خضوع العراق بشكل فاضح للضغوط الإيرانية".
الكاتب والمحلل السياسي العراقي عبد الخالق حسين، الذي شارك في الحوار من لندن، قال إن المسؤولين العراقيين صرّحوا في كل المناسبات أنهم لا ينحازون إلى أي من أطراف النزاع في سوريا، ولكنهم في نفس الوقت "لا يريدون أن تأتي القاعدة لتكون بديلا عن نظام بشار الأسد، فوصول هؤلاء إلى السلطة في سوريا يهدد الوضع في العراق"، على حد تعبيره. وأشار حسين إلى أن رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي صرح في أكثر من مناسبة إلى أنه "لابد من منح الشعب السوري الفرصة لتغيير نظامه السياسي"، ثم بيّن حسين أن المالكي يعرف تماما أن نظام الأسد كان إلى وقت قريب جدا يدفع بالانتحاريين والإرهابيين إلى العراق ليقتلوا أبناء الشعب الأبرياء. وخلص حسين إلى القول: "على العراق أن لا يتخذ أي موقف تجاه ما يجري في سوريا وما يجري في الخليج".
"مشروع فتنة كبرى في المنطقة"
داوود البصري اعتبر أن الحرب العراقية الإيرانية كانت حربا خليجية بامتياز، وسميت فيما بعد بحرب الخليج الأولى، ثم ذهب إلى أن "هناك حساسيات طائفية في الخليج نابعة من واقع التركيبة الإثنية والديموغرافية لدول وشعوب هذه المنطقة. ويضيف البصري أن "هناك شيعة وسنة، لكن المسألة ليست في هذه الحقيقة، بل إنها تكمن في التيارات السياسية التي تحكم العلاقة بين السنة والشيعة". وذكر البصري أن "قسما كبيرا من شيعة الخليج يوالي إيران، يقابل ذلك ظهور تيار سني سلفي عدواني يكفر الجميع".
البصري أشار إلى وجود تناقض في سياسات الولايات المتحدة الأمريكية، التي تعلن عداءها للنظام الإيراني، لكنها في الجانب الآخر تدعم الأحزاب الحاكمة في العراق والموالية لإيران. وعاد الكاتب السياسي العراقي للقول بوجود "مشروع فتنة كبرى في المنطقة يشارك فيها السلفيون وتشارك فيها أحزاب علمانية ذات نفوذ كبير" .
ويرى بعض المراقبين أنه بوجود الولايات المتحدة القوي في الخليج، وبوجود مصالح دولية أخرى في المياه الدافئة، أضحت المنطقة مسرحا لصراع عالمي تشترك فيه الصين واليابان وروسيا وتركيا وحتى دول من أمريكا اللاتينية، ومن هنا ينهض السؤال الأهم في هذه المرحلة وهو: من يملك القوة في الخليج؟
عبد الخالق حسين اعتبر أن ما يجري في الخليج يجري بتدبير أمريكي، واستهداف نظام الأسد في سوريا إنما هو مقدمة لاستهداف إيران، بل إن تصفية النظام الإيراني هو بدوره هدف مرحلي لأن الهدف الأبعد برأيه هو "الصراع الأمريكي الروسي، روسيا والصين من جهة، وأمريكا والغرب من جهة أخرى( للسيطرة على منطقة الخليج)، والصراع متشابك إلى درجة أنه ينذر بحريق رهيب". وذهب حسين إلى القول"إن شعوب منطقة الشرق الأوسط كلها اليوم مهددة بحرب طائفية لا تبقي ولا تذر".
"المنطقة تعيش إيقاعات حرب"
الكاتب داوود البصري، أرجع ما يجري في المنطقة إلى سبعينات القرن الماضي، مشيرا إلى أن "وصول الديكتاتور صدام حسين إلى السلطة، والحرب العراقية الإيرانية كانت جزءا من مخطط استهدف تدمير المنطقة". كما أشار البصري إلى أن الحرب العراقية الإيرانية دمرت العالم العربي بل ودمرت العالم الإسلامي وأعطت فرصة كبيرة للتمدد الدولي في المنطقة بل وساهمت إلى حد كبير في الحرب الباردة. وقال البصري إن "المنطقة تعيش اليوم إيقاعات حرب، وحالة تفتيت طائفي ستفضي إلى تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ". وشدد البصري على أنه "لا يتفق مع من يذهب إلى أن الثورة في سوريا هي مؤامرة لضرب إيران"، معتبرا أن هذه الثورة هي "مشروع الشعب السوري للتخلص من الفاشية البعثية، كما كان حقا للعراقيين أن يتخلصوا من البعثية الفاشية في بلدهم".
وكشف البصري عن وجود مشروع إيراني إيديولوجي للنفوذ في المنطقة يمتد من المغرب وصولا إلى البحرين، وتساءل مستغربا: "كيف ساعدت إيران الغرب في القضاء على النظام البعثي في العراق، فيما تقف اليوم ضد المشروع الغربي لمساعدة الشعب السوري في التخلص من البعث الفاشي في سوريا؟".
ويرى العديد من المراقبين أنه حين يدور الحديث عن دول الخليج العربية اليوم، فإن المعني بالدرجة الأولى هما قطر والسعودية حصرا، لأن باقي دول الخليج غير مؤثرة إقليميا ودوليا وغير مهتمة بان تكون فاعلة في محيطها العربي والإقليمي، حسب هؤلاء.
وفي تحليله للدور السعودي والقطري في الخليج أشار عبد الخالق حسين إلى أن هاتين الدولتين لا تملكان مشروعا ديمقراطيا، وهما ليستا ديمقراطيتين. ويمضي حسين إلى أبعد من ذلك حين يقول: "هما تتخذان من الديمقراطية ستارا للتدخل لإسقاط نظام بشار الأسد"، مشددا على أنه لا يتعاطف شخصيا مع نظام الأسد في سوريا لأن "العراقيين يعرفون أكثر من غيرهم ماذا يعني النظام البعثي: البعث هو الفاشية، ولكن لابد من القول إن القوة الضاربة التي تنشط في سوريا لإسقاط نظام الأسد هي تنظيم القاعدة".
"كل العراقيين في نظر إيران صدام حسين"
في اتصال من دهوك أشار المستمع دلشاد إلى أن الحرب الطائفية قادمة ولا شك، إلا أنه تحدث بإسهاب عن زيارته لإيران مبينا أنه شيعي كردي وقد زار عدة بلدان ومنها إيران. دلشاد أشار إلى أنه كان دائما يتصور أن إيران تدعم المذهب الشيعي وتنتصر له، لكنه اكتشف من خلال زيارته لهذا البلد أنه يتصرف بناء على رغبته ومشروعه التوسعي في المنطقة. فإيران حسب دلشاد "تسعى إلى دعم نفوذها في المنطقة، وهي غير مهتمة البتة بشيعة العراق أو بشيعة سوريا، كما لا تهتم بحزب الله، وفي نظرها أن كل العراقيين صدام حسين".
وأشار أبو جعفر في اتصال هاتفي من البصرة مع البرنامج إلى أن كل العراقيين يشعرون بوجود فتنة طائفية بين الدول العربية، وهذه الفتنة تستهدف الشيعة على وجه الخصوص، وإيران تدعم الأحزاب السياسية الفاعلة في العراق. أما عبد الرحمن فأشار في اتصال من أربيل إلى أن الحرب الطائفية قائمة وليست قادمة، وكل من يتابع الأحداث يعرف أنها قائمة وساخنة.
ملهم الملائكة
مراجعة: أحمد حسو