العراقيون بين انتظار الحكومة الجديدة وهاجس الأمن
يبدو أن الائتلاف العراقي الشيعي الموحد المدعوم من المرجع الشيعي آية الله على السيستاني والتحالف الكردي الذي يشمل الحزبين الوطني الكردستاني والديمقراطي الكردستاني اتفقاً على تشكيل حكومة عراقية جديدة تخلف حكومة رئيس الوزراء الحالي إياد علاوي الانتقالية، وذلك بعد أيام من المفاوضات الماراثونية الصعبة. وذكرت مصادر مقربة من الجانبين أن هذا التطور الإيجابي أصبح ممكناً بعد أن نجح الائتلاف الشيعي الموحد في إقناع الجانب الكردي بتأجيل إيجاد حل للوضع النهائي لمدينة كركوك الغنية بالنفط التي يريد الأكراد ضمها إلى مناطقهم كجزء من إقليم كردستان. واتفق الطرفان على آلية مستقبلية للتعامل مع نقطة الخلاف الشائكة هذه حيث ستقوم الحكومة الجديدة بإجراء إحصاء يهدف إلى معرفة التركيبة السكانية الحقيقية للمدينة. وبعد ذلك يتم تقرير مصيرها استنادا على نتائج هذا الإحصاء.
ومن المتوقع أن يتولى الأكراد بموجب الاتفاق منصب رئاسة الدولة. أما مناصب الوزارات الرئيسية السيادية الخمس وهي الدفاع والمالية والخارجية والداخلية والنفط فسيتم الاتفاق على توزيعها لاحقاً. ويأتي هذا الاتفاق قبل يوم واحد من الجلسة الإقتتاحية للجمعية الوطنية العراقية المنتخبة المقرر عقدها غداً والتي تعتبر بمثابة برلمان مؤقت. و يجدر ذكره في هذا السياق أن الائتلاف العراقي الشيعي الموحد الذي فاز بأكثرية الأصوات في الانتخابات الماضية رشح إبراهيم الجعفري زعيم حزب الدعوة لتولي منصب رئيس الوزراء، ويينبغي على الجعفري الاعتماد على دعم التحالف الكردي الذي جاء في المرتبة الثانية في عدد الأصوات من أجل الحصول على أغلبية الثلثين البرلمانية الضرورية لتشكيل حكومة وفقاً لمتطلبات الدستور.
خطر تهميش السنة
في غضون ذلك تجرى أحزاب وقوى عراقية مختلفة محاولات حثيثة لإقناع شخصيات ورموز سياسية سنية بالمشاركة في الحكومة الجديدة من أجل توسيع قاعدتها الشعبية. وتأتي هذه المحاولات بعد أن حذر كثير من المراقبين من الأخطار الناجمة عن تهميش السنة كركن أساسي في البيت العراقي. وقد أكد هؤلاء أن تهميش كهذا سيؤدي إلى اختلال التوازن القائم الآن في الحياة السياسية العراقية. وأكد الرئيس العراقي المؤقت غازي عجيل الياور على ضرورة
"الحفاظ على نصيب العرب السنة في الحكومة العراقية المقبلة وفي صياغة الدستور". وتوقع الإسراع بوتيرة إقامة الدولة العراقية في حال مشاركة السنة في الانتخابات المقبلة المقرر إجراؤها نهاية العام 2005.
انسحاب قوات التحالف وتردي الوضع الأمني
على صعيد آخر انتهت أوكرانيا من سحب قواتها البالغ قوامها 1600 جندي من العراق، وبدأت الحكومة الهولندية في سحب قواتها، إذ عاد نحو 400 من كتيبة عسكرية هولندية وصل عدد أفرادها إلى 1350 شخصا إلى بلادهم في مجموعات صغيرة. وسيغادر الجنود الهولنديون الباقون وعددهم 800 العراق أواسط أبريل / نيسان المقبل. كما يخطط أعضاء آخرون في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق لسحب قواتهم. وعلى الرغم من أن قوات التحالف المنسحبة لعبة دوراً رمزياً في الحفاظ على النظام والأمن في عراق ما بعد صدام، إلا أن انسحابها يلحق ضرراً بمحاولات الإدارة الأمريكية الهادفة إلى تدويل مسئولية الأمن في العراق والحصول على المزيد من الشرعية الدولية لوجودها هناك. وعلاوة على ذلك شكا مسئولون في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) من ازدياد تسرب قوات الأمن العراقية التي قامت بتدريبها من الخدمة، وهو تطور ينذر بتردي مقلق للوضع الأمني في الفترة القادمة.
مستقبل العراق مرهون بوحدته الوطنية
تشير دلائل كثيرة إلى أن الحكومة العراقية الجديدة ستبقى ناقصة الشرعية إذا لم يشارك ممثلو السنة بشكل فعال في عملية اتخاذ القرار السياسي رغم مقاطعتهم للانتخابات الأخيرة. ومن المحتمل تحسن الوضع الاقتصادي والخدمات العامة بعد الإعلان عن الحكومة الجديدة. غير أن حالة التردي الأمني ستبقى بلا تغيير جوهري يذكر إذا لم تنجح الأحزاب السياسية العراقية في التوصل إلى صيغة مشتركة تضمن الوحدة الوطنية وتساهم في فض الخلافات القومية والطائفية والعرقية في هذه الفترة الحرجة من تاريخ العراق. وبالإضافة إلى ذلك فإن انسحاب القوات الأمريكية من العراق ربما سيستغرق عاما ونصف إلى عامين. وهي مدة زمنية ضرورية لاستكمال بناء قوات أمن عراقية مستقلة تتمكن من حفظ الأمن والنظام.