العالم العربي وكورونا.. بين طمأنة الساسة وواقع الصحة المزري!
٣ مارس ٢٠٢٠بعد إعلان تونس عن تسجيل أول إصابة بفيروس "كورونا" تم نقل المواطن المصاب القادم من إيطاليا إلى المستشفى الجامعي فرحات حشاد بسوسة. مباشرة بعدها احتج الطاقم الطبي للمستشفى على هذه الخطوة بسبب ما أسماه أفراد الطاقم "عدم توفر المستشفى على المستلزمات الطبية الكافية"، وذلك نقلاً عن وسائل إعلام تونسية. وفي بلدان عربية أخرى فرغم سعي المسؤولين إلى طمأنة المواطنين بأنهم مستعدون للتعامل مع الفيروس إلا أن الواقع يقول شيئا آخر.
وحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية والصادر العام الماضي فإن الرعاية الصحية في البدان العربية تأتي في ذيل الترتيب عالميا. ويشمل ذلك ضعف مهارات الإطار الطبي وكفاءته، وعدم توفر التجهيزات والطرق الحديثة في التشخيص والعلاج، وبعد المرافق الصحية من المواطنين. وفي حديث مع DW عربية يقول ياسر عبد الفتاح، مدير المركز الدولي للدراسات الإنسانية بلندن إنه "باستثناء دول الخليج التي تخصص أموالا كثيرة للمجال الصحي، ففي البلدان العربية الأخرى هناك تهميش كبير لهذا القطاع حيث يعيش فقرا في الامكانيات ودرجات كبيرة من الفساد".
غياب الثقة في المسؤولين
ومنذ إعلان ظهور الفيروس بالصين دأب المسؤولون العرب على تقديم تصريحات صحفية تغيب في الكثير منها الشفافية وسط محاولة للتعتيم الإعلامي الرسمي. ويرجع السبب ـ حسب ياسر عبد الفتاح ـ إلى كون الأمن الصحي جزءا من الأمن القومي ولا يجب فسح المجال لأحد لزعزعة استقرار الأنظمة السياسية". ونتيجة لذلك "تغيب الشفافية والرغبة في كشف الحقائق من طرف السياسيين أمام الرأي العام وهو ما يشمل وسائل الإعلام التي تفرض عليها رقابة أو تُحرم من المعلومات الكافية". ويثير نفي بعض البلدان وجود أي إصابات بالفيروس جدلا كبيرا وسط المواطنين هو ما يظهر جليا على مواقع التواصل الاجتماعي.
ومن جانبهم يتعامل المواطنون مع تصريحات المسؤولين بنوع من الريبة والتذمر. ويُرجع الطبيب عصام حداد، عضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان ببرلين، الأمر إلى فقدان الثقة في خطابات المسؤولين السياسيين بشكل عام والمسؤولين على القطاع الصحي بشكل خاص. وفي حديثه مع DW عربية أوضح ذلك بالقول: "المسؤولون العرب عندما يمرضون يسافرون إلى الخارج من أجل العلاج والتقصير الذي تقوم به الحكومات في خدمة المواطنين في المجالات الأخرى لا يمكن أن يجعل من المجال الصحي استثناء".
ضعف الوعي الطبي لدى المواطنين
وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي تعليقات وفيديوهات ونكت ساخرة من فيروس كورونا. بعضها يقلل من خطورته والبعض الآخر يبالغ في تعامله معه. وتُظهر الكثير من ردود الفعل ضعف الوعي والثقافة في المجال الصحي في المجتمعات العربية. وبالنسبة للطبيب عصام حداد، عضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان ببرلين فإن "غياب الوعي الطبي هو نتيجة للمشاكل التي تعيشها البلدان العربية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية".
ويضيف الناشط الحقوقي في حوار مع DW عربية أن "الأنظمة العربية لا توفر كل المتطلبات الاجتماعية والصحية لمواطنيها وضمان كرامتهم وسلامتهم الفكرية والجسدية والنفسية". أما ياسر عبد الفتاح فيرجع ذلك إلى "ضعف أو غياب مواد حول الثقافة الصحية بالأنظمة التعليمية العربية". ونتيجة لذلك "يكون هناك جهل وعدم شعور بالمسؤولية"، يضيف مدير المركز الدولي للدراسات الإنسانية بلندن.
نزيف الأطر الطبية
إضافة إلى ضعف البنية التحتية تعاني الكثير من الدول العربية من عدم جاهزية العنصر البشري في المجال الصحي للتعامل مع أزمات كأزمة فيروس كورونا. وضع يزداد تأزما بسبب مغادرة الأطر الطبية لبلدانها نحوالدول الأوروبية أو أمريكا وكندا بحثا عن آفاق جديدة. ففي المغرب فقط يهاجر حوالي 300 طبيب سنويا إلى فرنسا، حسب تقرير للمجلة الطبية البريطانية ( BMJ). وفي مصر اعترف رئيس مجلس النواب بأن بلاده تواجه "مشكلة نقص كبيرة في الأطباء بسبب وجود إغراءات للأطباء المصريين للهجرة للخارج".
وسواء تعلق الأمر بفيروس كورونا أو غيره من الأمراض العادية والفتاكة فإن مواجهته يقتضي "ممارسة الضغوطات على الحكومات من طرف الجمعيات الحقوقية لضمان رعاية صحية تليق بكرامة الانسان".