"الطيور المهاجرة".. حين تصبح جريدة صوت اللاجئين باليونان
١٣ يناير ٢٠١٩منذ نعومة أظافرها كان يتم تذكير مهدية حسيني دائماً بأنها "عديمة الفائدة"، تقول الفتاة التي ولدت في عائلة أفغانية لاجئة في إيران، وتضيف مهدية أنها كنت تخوض "معركة نفسية وثقافية مستمرة"، وأن زملاءها في الصف كانوا يتنمرون عليها، كما أنها كانت تلقى التمييز من قبل المسؤولين. وحتى التجار لم يكونوا يرضون أن يبيعوها شريحة الهاتف المحمول رخيصة الثمن.
ولأنها امرأة فقد كانت تعاني في محيطها القريب أيضاً. تقول مهدية "لدى المرأة الأفغانية الكثير لتقوله، لكن لم يكن يسمح لها بالكلام"، وتضيف: "يُسمح للرجال فقط أن يصرخوا ويضربوا ويفقدوا صبرهم". هذا ما كتبته في جريدة "الطيور المهاجرة"، وهي جريدة متعددة اللغات أسستها مع لاجئات أخريات من أجل المساهمة في توسيع مدارك اللاجئين، وأصبحت رئيسة تحريرها.
وكتبت مهدية في مقال آخر لها متسائلة: "ألا تعتقدون أن الوقت قد حان لكسر تلك الحواجز التي فرضت علي في حياتي؟"، والجريدة التي أنشأتها دليل واضح على أنها تقوم بكسر تلك الحواجز بالفعل.
صوت اللاجئين
أثناء موجة اللجوء إلى أوروبا كان الصحفيون الأجانب يزورون مخيمات اللاجئين في اليونان، ومنها مخيم شيستو في أثينا، بحثاً عن قصص المهاجرين واللاجئين. تتذكر مهدية حسيني فترة إقامتها في ذلك المخيم بعد هجرتها من إيران إلى أوروبا وتقول: "لم يكن أحد يريد التحدث معهم"، وتتابع: "لم يكن الناس يعتقدون أن أي مقابلة يجرونها ستصل إلى الأشخاص المعنيين، ولذلك قررنا أن نصبح مراسلات بأنفسنا وأن نكون صوت اللاجئين".
لقيت فكرة مهدية إعجاب 14 فتاة أفغانية أخرى، معظمهنّ قاصرات، حيث كُنّ يرغبن بالكتابة عن ماضيهنّ والحياة في المخيم وتطلعاتهنّ المستقبلية. كانت رؤيتهنّ أن تؤسّسن جريدة خاصة. لكن الرجال والشباب في المخيم لم تكن تروق لهم فكرة أن تكون اللاجئات الشابات هنّ من يطرحن الأسئلة بدلاً من الصحفيين الدوليين. تقول مهدية: "لم يكونوا يؤمنون بقدراتنا وقالوا إنه لا يمكن للنساء أن تمارسن الصحافة".
انضمام الشباب للفريق
لكن ذلك لم يثبط عزيمة الفتيات، حيث استمرين في تطوير أفكارهنّ من خلال عقد اجتماعات تحريرية. وفي نهاية المطاف لقيت الفكرة إعجاب شبكة حقوق الطفل، وهي منظمة غير حكومية في اليونان، وتواصلت مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والاتحاد الأوروبي لتحوّل حلم الفتيات الأفغانيات إلى واقع.
وقد تمت طباعة العدد الأول من "الطيور المهاجرة" في نيسان/ أبريل عام 2017 بثلاث لغات وهي الفارسية واليونانية والإنجليزية، واليوم تُنشر "الطيور المهاجرة" بخمس لغات بما فيها العربية والأوردية، وصدر منها حتى الآن 11 عدداً، ويتم توزيع 13 ألف نسخة من كل عدد في جميع أنحاء اليونان.
ورغم أن الفتيات فحسب كنّ يكتبن في الجريدة في البداية، إلا أن بعض الشباب أيضاً انضموا إليها فيما بعد، كما تقول الصحفية الألبانية-اليونانية دنيسا باجراكتاري، التي تتولى مهمة الإشراف على الجريدة.
تقول باجراكتاري: "ما هو عظيم لاندماجهم (في المجتمع) هو ما يتعلمونه عن الحقوق الديمقراطية"، وتتابع: "معظم الكتاب الشباب أتوا من بلدان لا توجد فيها حرية التعبير – أما الآن فلديهم هذه الحرية ويعرفون كيف يستخدمونها".
يقول الشاب السوري محمد الرفاعي البالغ من العمر 18 عاماً والذي يكتب في الجريدة: "لأننا نعاني، فإننا نحاول التحدث كثيراً عما يحدث لنا، ونظهر للجميع كيف يتم التعامل معنا وكيف يمكن مساعدتنا".
السكان المحليون أيضًا يساهمون في المشروع
في البداية، لم تكن الغاية أن تكون الصحيفة بعدة لغات، كما تقول باجراكتاري، وتوضح: "لقد أصبحت كذلك تدريجياً، حيث أراد العديد من الأشخاص من لغات مختلفة أن يكونوا جزء منها، فالجميع يمكنهم المساهمة فيها بطرق مختلفة".
فإذا كان أحد الأشخاص لا يريد أن يكتب، أو أنه لا يستطيع ذلك بسبب الأمية، عندها يمكنه التقاط الصور مثلاً. وقد نشأت إذاعة/ راديو على الانترنت من المشروع. تقول باجراكتاري إن اليونانيين أيضاً يشاركون في المشروع مما يجعله منصة للتبادل بين اللاجئين والسكان المحليين.
قول رئيسة تحرير المشروع مهدية حسيني إنهم أسموا جريدتهم "الطيور المهاجرة" لأن جميع المؤلفين "يأملون أن يحلقوا يوماً ما باتجاه السعادة".
وبالنسبة لها فإن المكان الذي تعتقد أنها ستجد سعادتها فيه هو ألمانيا، حيث أن والدها وأخواتها يعيشون هناك. وتعد مهدية أنها عندما تصل إلى ألمانيا فإن "الطيور المهاجرة" ستبني أعشاشها هناك أيضاً.
غوردون فولنر/م.ع.ح