الطقوس البابوية
برغم الدستور الرسولي الجديد الذي كتبه البابا يوحنا بولس فإن طقوس الكنسية المتبعة في الجنازة والدفن ثم انتخاب خليفة للبابا لم تتغير منذ مئات السنين. ولعل التمسك الشديد بالطقوس والأعراف هو ما يمنح الفاتيكان مشروعية تمثيله لتراث الكنيسة الكاثوليكية. حتى أن أحد الأسماء الرسمية للبابا هو أنه خليفة بطرس الرسول ونائب المسيح المخلص.
تدابير الجنازة
وصف البابا يوحنا بولس الثاني في دستوره الرسولي المعنون "قطيع الرب كله" (اونيفيرسي دوميني غيرغيس) بدقة القواعد التي يجب إتباعها في حالة وفاة البابا. فعند الإعلان رسميا عن وفاة البابا، يتم تعليق صلاحيات كل المسئولين في الفاتيكان ويصبح الكاردينال المسئول عن الشؤون الإدارية في الفاتيكان، والمعروف بالكاردينال "كامرلينغ"، أعلى سلطة في الكنيسة. ويتولى هذا الكاردينال خلال الفترة الانتقالية إدارة الفاتيكان ويحدد بمساعدة الكرادلة الحاضرين موعد المأتم وتاريخ دعوة مجمع الكرادلة الانتخابي. وكلمة "كامرلينغ" مشتقة من كلمة "كاميرا" بالإيطالية ومعناها "الغرفة"، وبالتالي يكون "الكردينال كامرلينغ" بمثابة "حارس الغرفة" أو "حارس الكنيسة" أو "نائب البابا". ويتولى الكردينال كامرلينغ التحقق من وفاة البابا والإعلان عنها ضمن الفاتيكان. أما الإعلان إلى سكان روما فيقوم به النائب الأسقفي على أبرشية روما الكردينال كاميلو رويني، كون البابا هو أيضا أسقف مدينة روما. وحتى عهد البابا بيوس الثاني عشر الذي توفي في 1958، كان "الكردينال كامرلينغ" يتحقق من وفاة البابا عبر ضربه بمطرقة صغيرة من الفضة على رأسه، للتأكد من انه توفي فعلا.
أما مأتم البابا فيستمر لمدة تسعة أيام متتالية، ويتوجب على الكرادلة اتخاذ كل التدابير الضرورية لهذه المناسبة، على أن يتم دفن البابا بين اليوم الرابع والسادس بعد الوفاة. ويفترض أن تحصل مراسم الجنازة في كنيسة القديس بطرس إلا في حال وجود وصية مخالفة لهذا الإجراء. ويقول عدد من البولنديين أن يوحنا بولس الثاني يود أن يدفن في بولندا في مدفن عائلته قرب كراكوفيا. وستحسم المسألة عند وفاته إذا ما وضع وصية. وتنص التدابير التي وضعها البابا على أن توضع "أختام على مكتب وغرفة" البابا المتوفى، على أن يتأكد "الكاردينال كامرلينغ" من بقاء الموظفين المقيمين عادة في الجناح الخاص للبابا في مكانهم إلى ما بعد جنازة البابا. من التدابير التي وصفها يوحنا بولس أيضاً أن "يلغي" الكرادلة أيضا الختم الرسولي الخاص بيوحنا بولس الثاني، والذي يرمز إلى السلطة البابوية، وان يكسروا الختم الرصاصي الذي استخدمه في رسائله البابوية.
مجمع الكرادلة
برغم الطابع الطقسي الذي تتخذه جلسات مجمع الكرادلة إلا أن للسياسة حضور واضح فيها. فأتباع الكاثوليكية منتشرين في القارات الخمس، منهم الأبيض والأصفر والأسود، إلا أن منصب البابا كان حتى الآن شبه قاصر على الأوروبيين. وقد قام البابا يوحنا بولس الثاني بإصلاحات كثيرة على المجمع الكاردينالي فعين العديد من كرادلة العالم الثالث، أفارقة ولاتينيون، مما يعني نظرياً إمكانية انتخاب احدهم لمنصب البابا. وبرغم غلبة نسبة الكرادلة الأوروبيين على المجمع إلا أن من الصعب التكهن بما ستنتهي إليه عملية إنتخاب البابا الجديد.
يتكون مجمع الكرادلة الانتخابي من 120 كاردينال، لا تزيد أعمارهم عن ثمانين عاماً. ويلتئم المجمع بعد مرور مابين 15 إلى 20 يوماً على وفاة البابا، وتكون مهمته انتخاب واحد منهم ليكون البابا الجديد. ويتبع المجمع طريقة اُعتُمِدت في القرون الوسطى. ففي عام 1271 فشل الكرادلة في انتخاب خلف للبابا كلمندس الرابع، فوضعهم حينها المؤمنون المسيحيون في مكان مغلق ولم يقدموا لهم الماء والخبز الناشف لحثهم على انتخاب بابا جديد في اسرع وقت ممكن. ومن يومها ومجمع الكرادلة يشترط الخلوة التامة وغياب أي ضغوط خارجية. وتم ومؤخرا تجهيز مبان جديدة في الفاتيكان لتأمين عزلة "الناخبين الكبار" ولتوفير حد أدنى من الراحة لهم.
ولا يحق للكرادلة أن ينتخبوا أنفسهم، وعليهم أن يقسموا يمينا يتعهدون فيه بالحفاظ على سرية الاقتراع وبالموافقة على النتيجة. وتجري عمليات الاقتراع في الكنيسة السكستينية في دورتين صباحا ودورتين مساء ومن ثم تحرق أوراق الاقتراع والبابا الجديد هو الذي يحصل على ثلثي الأصوات وفي حال فشلت جميع المحاولات, يمكن إجراء اقتراع بالأغلبية المطلقة. وما يتم التوصل إلى نتيجة صالحة يسأل عميد الكرادلة البابا الذي اختير إذا كان يقبل بتعيينه على السدة الباباوية، وفي حال الموافقة يصبح هو البابا على الفور، وتمتد صلاحياته الدينية على الكاثوليك في العالم اجمع. وعندها يقرر البابا الجديد الاسم الذي يختاره لنفسه. ثم يتم إعلان المؤمنين المنتظرين في الخارج عن نتيجة الانتخاب بالدخان الأسود إذا لم يسفر الاقتراع عن تعيين بابا جديد وبالدخان الأبيض إذا عين بابا جديد.