الطب البشري ومعجزة شفاء الجروح لدى حيوان مكسيكي
٣ مارس ٢٠١١يتراوح طول هذا الحيوان العجيب الشكل، والذي يشبه السحلية، بين 20 و24 سنتيمترا، له فم عريض ورأس دائري الشكل تنبت منه ستة قرون ناعمة الملمس عليها شعيرات. يطلق عليه السكان المحليون اسم أكسولوتل Axolotl والذي يعني "وحش الماء".
هذا الحيوان الوديع يحظى بتقدير شديد في كلية الطب بجامعة هانوفر الألمانية، فهناك معهد متخصص بدراسة مزاياه يُدعى "مركز التجديد الحيوي". من هذه المزايا معاودة أطرافه النمو في حال قطعها وسرعة التئام جراحه وتعافيها. كما يتوقف الجرح عن النزف خلال ثوان قليلة، وحتى الجرح الكبير يلتئم خلال ساعات قليلة. وهذه مزايا يسعى أطباء جراحة الحوادث إلى فك لغزها والتعرف على كيفية فعل قنفذ البحر المكسيكي ذلك.
يعلو الضجيج في مركز التجديد الحيوي بسبب مضخات تنقية الماء والهواء للأحواض التي تعيش فيها قنافذ البحر المكسيكية. لا تتعدى الحرارة في المختبرات الست عشرة درجة، لأن درجة الحرارة المرتفعة تصيب هذه الحيوانات بالأمراض. وتقول الباحثة كريستيانه ألميلينغ التي تسهر على توفير البيئة المناسبة لهذه الحيوانات: "لا يقتصر عملنا في مركز التجديد الحيوي على البحث العلمي فقط، وإنما نقوم بالحفاظ على هذه الأنواع وتربيتها. وينصب اهتمامنا على الأكسولوتل، وهو قنفذ بحر اللون من المكسيك. والعناية بهذا الحيوان سهلة لأنه يقضي حياته في الماء ولا يغادره رغم كونه حيوانا برمائيا. أما الأبحاث المتعلقة بتربيته فقد قطعت شوطا ممتازا".
الأكسولوتل مهدد بالانقراض
يكاد هذا الحيوان العجيب أن ينقرض في المكسيك بسبب التلوث البيئي، ولولا رعاية العلماء له لكان انقرض منذ زمن. لكن في مركز التجديد الحيوي بألمانيا يوجد أكثر من 120 قنفذ بحر، وهذا الحيوان قليل الحركة ويفضل الاختفاء في ركن من حوض الماء، ولا يخطر على بال من يراه أنه يتمتع بمزايا لا توجد لدى الكائنات الحية الأخرى المعروفة لدينا، كما تقول الباحثة كريستينا ألميلينغ : " يعتبر الأكسولوتل معجزة في القدرة على تجديد نفسه، فهو قادر على تجديد أطرافه وحتى أعضائه الداخلية غير الضرورية للحياة، والتي قد تتعرض للأذى عبر حادث ما أو عندما يعضه حيوان آخر، وهذا بالضبط مثير جدا لاهتمامنا". ولمعرفة ما يحدث حين يفقد الأكسولوتل أحد أطرافه، يُجري العلماء تجارب على قطع الأطراف. يُخرج الدكتور بيورن مينغر أحد الحيوانات من حوض الماء ويضعه في حوض منعزل يوجد فيه سائل مخدر، وبعد بضع دقائق يكون الأكسولوتل قد غاب عن الوعي من البنج، ثم يوضع على طاولة الجراحة: "نستخدم تقنية جراحية ونجري بالمشرط عملية بتر. لا نحتاج للاعتناء بموضع البتر لأن الدم يتخثر خلال ثوان، بحيث يمكن للمرء مشاهدة سرعة تخثره وتوقف النزيف. في نهاية المطاف، البتر هو إجراء بسيط".
أدوية لتسريع شفاء البشر
أجرى بيورن مينغر حوالي 300 عملية بتر كجزء من أبحاث نيله شهادة الدكتوراه، و تفاجأ في كل مرة من توقف النزيف خلال جزء من الثانية. إذ يتكون خلال ساعات "نسيج طلائي" جديد في الموضع الذي تم بتره. والنسيج الطلائي هو الاسم الذي يطلق على الخلايا الموجودة في الطبقة العليا من الجلد. وعن ذلك تقول مديرة المختبر كيرستن رايمرز فضلاوي: "يختلف هذا النسيج الطلائي عن الأنسجة المماثلة في الحيوانات الثديية لأنه يؤثر على الأنسجة الموجودة أسفل منه وبذلك يتم تسريع شفاء الجرح. وخلال أسابيع قليلة يتشكل مكان البتر ما يشبه البرعم وتنمو القدم من جديد".
العلماء يهتمون بفهم ما يحدث خلال هذه الفترة، أي من لحظة بتر القدم حتى ظهور قدم جديدة ويراقبون ما يحدث في خلايا حيوان الأكسولوتل، وعن ذلك تقول كيرستن فضلاوي: "نقوم بدراسة المواد التي تتحكم بهذه العملية ونفحص جهاز المناعة لذي يلعب دورا هاما في عملية الشفاء. كما ندرس عوامل النمو أو العوامل الجينية. نأخذ عينة من خلايا الحيوان ونفحص الجينات الفاعلة والنشيطة في النسيج الخلوي".
هناك أنواع من الأسماك قادرة على تجديد ما يُبتر منها، كما تندمل جروحها بسرعة، إلا أن حيوان الأكسولوتل أقرب جينيا من هذه الأسماك إلى الإنسان. لذلك يأمل الباحثون في حل لغز شفائه السريع والاستفادة من ذلك في الطب البشري. ويأمل الدكتور بيورن مينغر في أن يتمكن الأطباء مستقبلا من مساعدة المرضى الذين تصاب مساحات واسعة من جلودهم بأضرار جسيمة، والمرضى الذين يصابون بضمور حاد في العضلات ومشاكل في العظام يعجز الطب حتى اليوم عن شفائها.
ويأمل العلماء في تطوير عقاقير تجعل الإنسان قادرا على فعل ما يقدر قنفذ البحر عليه تلقائيا، وتعجيل شفاء البشر خاصة ضحايا حوادث السير التي تؤدي أحيانا إلى بتر أطراف الشخص المصاب، وتأمل الدكتورة كيرستن فضلاوي تحقيق حلم يبدو اليوم صعب المنال وتقول: "حلمنا هو زيادة قدرة التجدّد لدى الإنسان، وربما حتى القدرة على تجديد الأطراف المبتورة".
ميشائيل إنغل/ عبد الرحمن عثمان
مراجعة: عبده جميل المخلافي