الصيد الجائر ـ صيادو أفريقيا يدفعون ثمن ممارساتهم الخاطئة
٢١ مايو ٢٠٢٣دائما ما يسيل لُعاب أي صياد مشهد رؤية شباكه وهي تخرج من البحر مليئة بالأسماك، بيد أن هذا المشهد أصبح نادرا في البلدان الأفريقية المطلة على المحيط الأطلسي حيث أدت ممارسات الصيد الضارة وعمليات الصيد الجائر منذ سنوات إلى تدمير الثروة السمكية والحياة البحرية.
وعلى وقع ذلك، يواجه الصيادون الكثير من الصعاب في صيد الأسماك سواء لكسب قوتهم أو لإطعام عائلاتهم فيما تضطر سفن الصيد العالمية الضخمة إلى اللجوء أساليب مبتكرة وغالبا مدمرة للحفاظ على نشاطهم البحري، لكن هذه الأساليب ليست مستدامة مما يشكل خطرا على البيئة البحرية خاصة مع تفاقم ظاهرة تغير المناخ.
وكانت هذه الأزمة محور نقاش ندوة عقدت على هامش المؤتمر الوزاري المعني بالتعاون في مجال مصايد الأسماك بين الدول الأفريقية المطلة على المحيط الأطلسي المعروف اختصارا بـ "الأتلافكو" في الرباط حيث حاول الحضور استكشاف طرق جديدة لتحقيق التوازن بين الصيد والحفاظ على التنوع البيولوجي.
ويبدو أن واقع الصيادين الأفارقة قاتما مع تأكيد الكثير ومنهم برتن الذي يعمل في صيد الأسماك بدولة بنين على قلة الأسماك.
وقال برتن، الذي يصطاد الأسماك في خليج بنين لأكثر من 30 عامًا، "في إحدى المرات، كنت استطيع محاصرة السمك بالشبكة بعد عشر دقائق من وضع المصابيح المائية تحت الماء".
وأضاف برتن البالغ من العمر 50 عاما، إن صيد الأسماك كان عملا مربحا في الماضي، لكن تغير الأمر خلال السنوات الأخيرة.
تدابير بائسة
وأشار إلى أن الأزمة تفاقمت مع قيام قوارب الصيد الأجنبية الكبيرة بصيد الأسماك التي من المفترض أن تكون قوت يوم رفاقه الذين يخرجون في عرض البحر على متن زوارق ومراكب صغيرة، لكن المنافسة مع السفن الكبيرة تبدو ضربا من المستحيل.
ويبدو أن معاناة الصياد برتن من بنين متكررة في البلدان الأفريقية الأخرى المطلة على المحيط الأطلسي حيث أدت سنوات من الصيد الجائر إلى انخفاض كميات الأسماك التي يتم صيدها بمقدار النصف تقريبا خلال الخمسة عشر عاما الماضية.
وعلى غرار عمليات الصيد الكبيرة في أعالي البحار، يبحث الصيادون في دول مثل غانا عن طرق مبتكرة لصيد الأسماك والحفاظ على أعمالها، بيد أن العديد من الصيادين يلجأؤون إلى ممارسات خطيرة مثل تسميم الأسماك واستخدام الديناميت لقتل الأسماك ليلا.
وفي ذلك، قال برتن "رأيت صيادين في غانا يستخدمون مواد كيميائية مثل مسحوق الصابون فيما يستخدم آخرون وسائل ثقيلة مثل الديناميت حيث يمكنهم الإمساك بالأسماك باستخدام هذه التقنيات".
الصيادون يتحملون بعض المسؤولية
ويؤكد خبراء أن تلك الممارسات تلحق خسائر فادحة بالبيئة فضلا عن كونها مخالفة للقانون فيما باتت هذه الأساليب شائعة وسط مساعي الصيادين تأمين مصدر أرزاقهم خاصة مع عدم قيام الحكومات بالعمل على هذه المشكلة.
وإزاء ذلك، بات الصياديون جزءا من المشكلة جراء ممارسات الصيد الضارة التي يقومون بها.
وفي ذلك، قال رودريغ بيليبي، الباحث المركز الإقليمي لأفريقيا للتميز في المرونة الساحلية في جامعة كيب كوست بغانا، إن استخدام الديناميت والمواد الكيميائية "يدمر البيئة البحرية والمائية ويفاقم الأزمة".
وأضاف في مقابلة مع DW أن هذه الممارسات "تساهم في تدمير الشعاب المرجانية مما يعيق التوازن البيئي البحري الخاص بالشعاب المرجانية ويقضي على السلسلة الغذائية بأكملها. حتى في حالة تضييق السلطات هذه الممارسات غير القانونية، فإن الصيادين يستمرون في إيجاد طرق جديدة لتدمير قاع البحر. إنهم ما زالوا يطورون ممارسات ضارة أخرى لالتقاط ما تبقى من أسماك من قاع البحر".
ورغم أن هناك حقيقة مفادها أن تضاؤل أعداد الأسماك يعد دليلا كافيا على التأثير الكارثي لممارسات الصيد الضارة، إلا أن بيليبي قال إن الصيادين ما زالوا لا يدركون خطورة الأمر ويضربون بالقوانين عرض الحائط.
يشار إلى أن الأمم المتحدة قد ذكرت أن الصيد يعد مصدر رزق قرابة 2.7 مليون شخص في غانا ما يشكل نسبة 10 ٪ من إجمالي التعداد السكاني فيما تعد الأسماك والمأكولات البحرية مصدر 60٪ من البروتين المستهلك في البلاد.
وعلى وقع هذه الأرقام، فإن مشكلة نقص الأسماك تمثل مشكلة غذائية خطيرة.
حلقة مفرغة
واتفق المشاركون في الندوة التي عقدت في الرباط على ضرورة إيجاد حلول وسط تقديرات أن الضرر الناجم عن هذه المشكلة في بلدان غرب أفريقيا الساحلية وحدها يُقدر بقرابة 2.3 مليار دولار على الأقل سنويا.
بدوره، قال عبد الناجي لعمريش، رئيس قسم التعاون وأنظمة المعلومات بالأتلافكو، إن تحسين آليات المراقبة تعد خطوة هامة للبدء في تقييم المشكلة ومعالجتها، مضيفا أنه يتعين على الدول الأفريقية "محاربة أساليب الصيد الضارة وغير القانونية".
وفي السياق ذاته، سلط أمادو تال، رئيس برنامج المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس)، الضوء على قضية أخرى تتمثل في أن الوقوف على الأساليب الضارة بين الصيادين يعد أقل صعوبة من تحديد أحدث أساليب الصيد التي تقوم بها السفن العالمية في عرض المياه الدولية.
وقال إن أنشطة الصيد غير القانونية وغير المصرح بها تعد المشكلة الرئيسية لأنها مسؤولة عن 26 مليون طن من الأسماك التي يتم صيدها سنويا، مضيفا أن هذه الممارسات تقع في أعالي البحار ما يعني أنه من المستحيل مراقبتها نظرا لأنها تقع خارج نطاق السلطات القضائية للدول الساحلية.
وشدد على أنه رغم أن أنشطة الصيد غير القانونية تتم في أعالي البحار، إلا أنها تلحق الكثير من الضرر بالسواحل حيث يتحمل سكان المناطق الساحلية العبء الأكبر للممارسات الصيد الجائر غير القانونية.
وإزاء ذلك، بات الصياديون رهن حلقة مفرغة إذ يحاولون البقاء على نشاطهم حتى عبر ممارسات صيد ضارة فيما باتت الأسماك في مياه المحيط الأطلسي قبالة ساحل غرب إفريقيا لا تسد رمقهم.
كوسيفي تياسو / م. ع