الصراع بين الجارتين السودانيتين - هل يبقى المجتمع الدولي متفرجا؟
١٩ أبريل ٢٠١٢لم يكد يمر عام واحد على ولادة دولة جنوب السودان، فمنذ تموز/ يوليو 2011، تاريخ انفصالها عن السودان، وكلا الدولتين في صراع مستمر. والسبب يكمن في سعي كلا الطرفين إلى السيطرة على الثروات النفطية، حيث يوجد ثلاثة أرباعها في أراضي دولة جنوب السودان. كما يتسبب الوضع غير الواضح لعدد من المناطق الحدودية في اندلاع نزاعات بين البلدين، آخرها عندما سيطرت قوات جنوب السودان الأسبوع الماضي على منطقة هجليج الغنية بالنفط. ولم تتردد حكومة الخرطوم في الرد سريعا، إذ أعلنت عن عزمها استرداد المنطقة بطرق عسكرية وبدأت في شن هجمات جوية عليها. وكل من رئيسي السودان وجنوب السودان يتهمان بعضهما البعض بتصعيد التوتر واتباع طريق الحرب. وما زاد الطين بلة، عندما صوت مطلع هذا الأسبوع نواب البرلمان السوداني بالإجماع على اعتبار دولة جنوب السودان "عدوا" للخرطوم.
مخاوف من اندلاع حرب أهلية
وهو الأمرالذي يزيد من مخاوف المجتمع الدولي من أن يؤدي النزاع القائم بين البلدين إلى اندلاع حرب أهلية. لكن هذا المجتمع الدولي لم يقدم حتى الآن حلولا واقعية وحقيقية للأزمة، كمما يرى بيتر شومان، منسق سابق للأمم المتحدة في جنوب السودان. ويؤكد شومان في حوار خاص مع DW عربية على أن الأزمة الكبيرة بين البلدين قد بدأت العام الماضي عندما سيطرت قوات جنوب السودان على منطقة أبيي الحدودية. ويقول: "لقد فقد المجتمع الدولي مصداقيته عندما لم يحرك ساكنا إزاء هذا الاعتداء". وقد ظهرت قلة الدعم الدولي جليا عندما فشلت المحادثات بين السودان وجنوب السودان. ويشدد شومان في هذا الإطار على أنه كان يتعين على المجتمع الدولي ألاّ يترك مهمة الوساطة بين البلدين للاتحاد الإفريقي لوحده، لافتا إلى أن طرفين اثنين كانا بإمكانها تحقيق نتائج أفضل. "حتى ألمانيا كان بإمكانها فعل المزيد"، على حد تعبير شومان. يذكر أن محادثات الاتحاد الإفريقي قد جرت في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا بقيادة رئيس جنوب إفريقيا السابق ثابو مباكي، قبل وقفها في مطلع أبريل/ نيسان الجاري دون التوصل إلى نتائج تذكر.
وتعد المنطقة الحدودية أبيي أهم سبب نزاع في الصراع القائم بين البلدين، حيث يسعى كل منهما إلى السيطرة على الثروات النفطية للمنطقة. الأمر الذي دفع الأمم المتحدة في تموز/ يوليو الماضي إلى إرسال قوة تتألف من 4500 جندي أثيوبي إلى المنطقة المتنازع عليها. لكن فقط نسبة قليلة جدا من هذه القوة قد وصلت فعلا إلى المنطقة. ويصف جون آشوورث، الذي يجوب البلاد بتكليف من منظمات كنسية مختلفة، قوة السلام هذه بأنها "تقريبا غير مرئية". ويقول: "عددهم قليل جدا، وأعتقد أنه من غير الحكيم أن ينحدر جميع جنود القوة من نفس البلد".
"المدنيون هم الضحية الأولى للصراع"
وتسبب الصراع المستمر في المنطقة إلى فرار المزيد من السكان منها واللجوء إلى مناطق أخرى، فوفقا لمنظمة الإغاثة "لجنة الإنقاذ الدولية" (International Rescue Committee) فإن مخيم اللاجئين Jida في جنوب السودان لوحده يستقبل أكثر من 400 لاجئ يوميا. وتلفت فيفيان تان، من مكتب المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إلى أن جميعهم واجهوا نفس المصير، وتقول: "لقد دمرت قراهم بالقنابل، فيما دارت معارك في الشوارع. الكثير من اللاجئين اضطروا للمشي طويلا حتى يتمكنوا من النجاة بأنفسهم." وتوضح فيفيان تان أن طرق التنقل في المنطقة الحدودية محدودة جدا بسبب المعارك هناك، لافتة إلى أن موسم الأمطار الذي اقترب من شأنه أن يزيد من تعقيد وصعوبة العمل على المنظمات الإنسانية.
وقد تصاعد التوتر الأسبوع الماضي بين السودان وجنوب السودان، عندما احتل الأخير منطقة هيجليج النفطية. وتعتبر المعارك بين الطرفين الأشد منذ إعلان جنوب السودان استقلاله الصيف الماضي. حتى وإن ساهم جنوب السودان في تأجيج نار التوتر مع الجارة الشمالية من خلال احتلال منطقة هيجليج، إلا أن مراقبين يحمّلون الخرطوم المسؤولية الرئيسية في الكارثة الإنسانية التي تهدد بالاندلاع في أي وقت. ويرى أندرو ناتسيوس، خبير في شؤون السودان وجنوب السودان ودرافور، أن عمر البشير يتعمّد استهداف المدنيين لأنه غير قادر على الانتصار على جنوب السودان عسكريا. فيما صرح الرئيس السوداني عمر البشير مؤخرا أن المناوشات الحدودية بين البلدين ترجع إلى هدف "تحرير أهل جنوب السودان من سيطرة الحركة الشعبية لتحرير السودان".
ويشير أندرو ناتسيوس إلى أن هناك من خلال مجلس الأمن والاتحاد الإفريقي سبلا كثيرة لإبلاغ حكومة جنوب السودان عدم قبول المجتمع الدولي لما فعلته في المنطقة. ويقول ناتسيوس: "أعتقد أن لهجتنا لم تكن شديدة بالشكل الكافي". رأي يشاطره فيه الخبير في شؤون السودان جون آشوورث، الذي يعتبر أن للسودان أيضا يدا في تصاعد التوتر ويقول: "أكبر خطأ ارتكبه المجتمع الدولي عندما صدق ما أعلنته حكومة الخرطوم العام الماضي من نوايا حسنة. "ولهذا السبب فقد أصبح الوضع أكثر توترا مما كان عليه من قبل".
أندريه ليزلي / شمس العياري
مراجعة:هبة الله إسماعيل