الصحفية النيجيرية أوفوري تتسلم جائزة DW لحرية التعبير
١٤ يونيو ٢٠٢١أشاد المدير العام لمؤسسة DW بيتر ليمبورغ اليوم الاثنين (14 يونيو/ حزيران 2021) بالصحفية النيجيرية قائلا في بيان إن: "توبوري أوفوري واجهت تحديات شديدة خلال أعمالها الاستقصائية عن الإتجار بالشابات وتسفيرهن من أفريقيا إلى أوروبا، ولقد لفتت انتباه السلطات إلى مصير عدة آلاف من الضحايا، وما كانت السلطات ستضطر إلى التحرك لولا عمل الصحفية الشجاعة".
بدورها قالت أوفوري في كلمة شكر: "من الصعب العمل كصحفية في نيجيريا" مشيرة إلى أنه يتعين على المرء هناك أن يكافح من أجل توفير أساس اقتصادي لعمله ومن أجل الوصول إلى المعلومات "وكانت الأبواب تغلق في وجوهنا عندما كنا نوجه أسئلة وكنا نتعرض للمضايقة والترهيب والاعتقال وكنا نوضع خلف القضبان".
وأشارت أوفوري إلى تردي حالة الصحافة الحرة في بلادها وفي الدول الأفريقية المحيطة. يذكر أن دويتشه فيله تمنح الجائزة منذ عام 2015 للأشخاص أو المبادرات التي تقدم دعما بارزا لحقوق الإنسان وحرية الرأي.
وأكد ليمبورغ: "نحن بحاجة إلى صحفيين شجعان من أجل إمداد الناس بمعلومات مستقلة".
المغامرة وخوض التجربة
في معسكر شديد الحراسة ملأت زواياه المظلمة الصرخات، كانت الشابة توبوري أوفوري تسارع للهروب تحت جنح الظلام، فقد تجمدت من أثر الخوف وتلطخت ملابسها بالدماء فيما حدقت عيناها على جثتين قُطعت رأسهما، ونساء شابات من حولها كن يهربن من المكان. فقدت وعيها وسقط على الأرض.
عندما تستعيد توبوري ذكرى تجربتها هذه التي خاضتها قبل سبع سنوات، تملأ الدموع عينيها. كانت الصحافية الاستقصائية توبوري في ذاك الوقت في سن الثالثة والثلاثين وكانت في مهمة سرية داخل دوائر عصابات تجارة الجنس في نيجيريا لمدة سبعة أشهر. وسلطت في تقاريرها الضوء على العصابات الإجرامية المتورطة في الدعارة وتهريب البشر وتجارة الأعضاء البشرية.
قبل شروع توبوري في هذا التحقيق بأسابيع، طُلب منها تسليط الضوء على تجارة الجنس في نيجيريا عن طريق إجراء مقابلات مع بعض الضحايا. وفي مقابلة مع DW، ابتسمت توبوري وهي تستعيد الحوار مع رئيسها في العمل: "الضحايا لا يكتبن على جبينهن أنهن ضحايا، لذا أنتظر قليلا فسيتم الاتجار بي أيضا".
وبالنسبة لتوبوري فإن الأمر لم يكن يحمل أي تردد وهو ما أكدت عليه في حديثها مع DW إذ قالت "يتعين علينا خوض التجربة بأنفسنا وإلا فإن القصة ستكون ضعيفة"، فيما كانت تصفق بيدها للتأكيد على أنها أثناء عملها لا مجال لأي حلول وسط.
وفي ذلك، قال المدير العام لمؤسسة DW بيتر ليمبورغ إن الشجاعة التي تحلت بها توبوري في عملها الصحافي منحها جائزة المؤسسة لحرية الرأي والتعبير لعام 2021. وأضاف ليمبورغ "جائرة حرية الرأي والتعبير تسلط الضوء على أهمية الشفافية في عملنا وتظهر أهمية الشجاعة في مجتمعاتنا. أعتقد أن الجائزة ستساعد توبوري أوفوري للمضي قدما في عملها ونأمل في أن تصب في صالح أمنها".
بين عصابات التهريب
وتقدر منظمة الهجرة الدولية أن 80 بالمائة من الفتيات اللاتي يصلن إلى أوروبا من نيجيريا هن ضحايا محتملين لتجارة الجنس. وكانت إحدى صديقات توبوري واحدة منهن فقد أصيبت بمرض نقص المناعة البشرية (الإيدز) بعد تهريبها إلى أوروبا.
في عام 2013، كان هناك هدف واحد يدفع توبوري للمضي قدما في عملها، يتمثل في معرفة ماذا حدث لصديقتها وفتيات أخريات تعرفهن، وذلك عن طريق كشف القصص الشخصية لآلاف الضحايا اللواتي كان يتم الاتجار بهن وتهريبهن من نيجيريا إلى إيطاليا كل عام.
"كانت لدي ثغرات أردت سدها"، قالت توبوري في مقابلة مع صحيفة " Pulse Nigeria" في نيجيريا. وبمساعدة زملائها في صحيفة Premium Times النيجيرية، تسللت توبوري متخفية داخل دوائر عصابات التجارة بالجنس في نيجيريا لمدة سبعة أشهر، إذ أخفت هويتها وقامت بتغيير ملابسها وشعرها وحتى طريقة حديثها من أجل الدخول في هذه التجربة الجديدة. وقامت توبوري بالتظاهر بأنها تعمل في الدعارة ليأخذها أحد القوادين في البداية إلى لاغوس ومن ثم إلى أبوجا.
وخلال عملها الاستقصائي عام 2013، كان الجانب المظلم من وحشية عمل عصابات تجارة الجنس في نيجيريا واضحا جليا على جسدها وشعرها، إذ تعرضت للضرب ولسوء المعاملة لتدخل على إثرها المستشفى وبالكاد نجت من الموت.
وفي الشهور القليلة من بدء التحقيق الحصفي، حصلت توبوري على الضوء الأخضر من القواد الذي تعمل معه للذهاب إلى إيطاليا بصحبة مجموعة من الفتيات. في البداية تم تهريبهن إلى بينين. وقد أثرت هذه الرحلة عليها فلم تعد تتمكن من مشاهدة أفلام الرعب بعد ذاك اليوم.
وشاهدت توبوري بعينيها ذبح اثنتين من ضحايا تجارة الجنس لبيع أعضائهما في السوق السوداء. وبمجرد وصولها إلى كوتونو كبرى مدن دولة بينين، تمكنت من الهروب بمساعدة زملائها.
كسر الصورة النمطية
نشأت توبوري في لاغوس وهي العاصمة التجارية لنيجيريا وحددت هدفها بأن تصبح صحافية حتى قبل دخولها المدرسة. فكل أسبوع كانت ترسل قصصا وقصائد تكتبها بخط اليد إلى الصحف النيجيرية. وكلما كان يتم رفض نشر هذه القصص، كانت تزداد إصرارا لترسل المزيد في الأسبوع التالي.
وعندما كانت في المدرسة الثانوية، تم اتهام والدة إحدى زميلاتها بالخطأ في قتل زوجها عن طريق السحر. وصرخت توبوري بأن هذا ظلم إلا أن احتجاجها لم يتم التسامح معه.
وتقول توبوري في مقابلة مع DW وهي تهز رأسها في تحد "كنت دائما أسمع: أنت فتاة ويجب أن تبقين صامتة، لكنك تتحدثين كثيرا جدا. كانت هناك حالة غضب بداخلي ولم أتمكن من احتوائها". وهو ما دفعها إلى حبس نفسها في غرفتها البدء بكتابة قصة هذه السيدة بكافة تفاصيلها. وعندما اكتشف والدها ما كتبته من ملاحظات، شجعها لاستغلال قلمها في محاربة الظلم.
وتضيف "في هذه اللحظة قررت ما سوف أقوم به طوال بقية حياتي. أن أكون صوتا لمن لا صوت لهم عبر قوة الكلمة المكتوبة." وباعتبارها صحافية شابة في غرفة الأخبار، كان يتحتم على توبوري كسر الصور النمطية للمرأة في مجال الصحافة في نيجيريا. وتقول "الصحافيات في نيجيريا يقمن فقط بتغطية الأمور المتعلقة بالأسرة أو الأزياء والموضة أو مجال الترفية، فيما التغطيات الصحافية الكبيرة يقوم بها الصحافيون الرجال".
المعركة مستمرة
آثار تجربتها بين عصابات تجارة الجنس لا تزال عالقة في ذهنها ولم تتخلص حتى الآن من الأثار النفسية لتلك التجربة القاسية، إذ لا تزال توبوري تعاني من اكتئاب وحالات من اضطرابات ما بعد الصدمة المعروفة اختصارا بـ PTSD.
وفي مقابلة مع DW قال الصحافي الاستقصائي أنس أريماياو أنس من غانا، إن قدرة توبوري على تحمل هذه الصدمات يدل على أنها صحافية استثنائية. ويضيف "اعتقدنا في مرحلة ما من حياتها المهنية أن الأمر سينتهي، لكنها عادت بقوة بل كانت مدفوعة بالأخطاء التي تراها في المجتمع. تريد توبوري أن تتأكد من أن الفئات الضعيفة والنساء والأطفال يحصلون على قطعة عادلة من الكعكة".
وعقب الانتهاء من تحقيقها الاستقصائي عام 2013، استمرت توبوري في تغطية القضايا الصعبة، إذ قامت بتغطية قصص عن تهريب البشر في ليبيا وسلطت الضوء على وصم العار الذي يطال الأطفال المصابين بالإيذر في نيجيريا. وحالياـ تقوم بالبحث في تورط موظفي سفارات في جرائم تهريب البشر.
وعندما سُئلت فيما إذا كانت تشعر بالندم لأنها عرضت حياتها للخطر بسبب عملها وتحقيقاتها الصحافية، أجابت وبدون أي تردد "لا أشعر بأي ندم على الإطلاق. فقد دفعت التحقيقات البعض لإعادة التفكير. ويمكنني الذهاب إلى السرير والنوم بهدوء، وبالنسبة لي هذه الحياة ذات معنى".
ماري سينا/ م.ع