السودان بين فرص السلام واستمرار الإرهاب
بعد سنوات طويلة من الحروب الأهلية المدمرة توصلت الحكومة السودانية برئاسة عمر البشير إلى اتفاق سلام مع الحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان بزعامة جون قرنق. ويأتي الاتفاق الذي تم التوقيع عليه بعد مفاوضات طويلة لينهي فصلاً مظلماً في تاريخ السودان وليسدل الستار على أطول حرب أهلية في تاريخ القارة الإفريقية. فقد استمرت هذه الحرب عقدين من الزمن ووقع ضحيتها أكثر من 1.5 مليون شخص. كما شردت ما يقارب 4 ملايين شخص. وينص الاتفاق الذي وصف بالتاريخي على تقسيم السلطة والثروات النفطية بين الطرفين بالإضافة إلى بعض التغييرات الدستورية التي تمنح الجنوب حق اختيار البقاء أو الانفصال عن الحكومة السودانية بعد فترة انتقالية مدتها 6 سنوات. غير أنه لم يتم الاتفاق بعد على أهم مسألتين كانتا السبب الرئيس في إشعال شرارة الحرب: مسألة تطبيق الشريعة الإسلامية على غير المسلمين والأخرى وهي الأهم مسألة الصراع على مياه نهر النيل.
فرصة للسلام في دارفور أيضاً
ظل إقليم دارفور مهمشاً من قبل حكومة الخرطوم سياسياً واقتصادياً لأكثر من 20 عاماً. ومنذ عقود عديدة تتنازع هناك القبائل من أصول عربية وإفريقية على الموارد الشحيحة. وقد أدى ازدياد الفقر والجوع إلى إرتفاع وتيرة هذا النزاع. واتُّهمت الحكومة السودانية في ثمانينات القرن الماضي بتسليح القبائل العربية بهدف تهجير القبائل الإفريقية منه.
كما اتُّهمت أيضاً بارتكاب جرائم حرب وأعمال تطهير عرقي شردت أكثر من مليون شخص وقتلت الآلاف من الأبرياء. وقد أثار هذا ردود فعل عالمية طالبت الحكومة السودانية بحل مليشاتها المسلحة ووقف أعمال العنف في الإقليم. وترى الأطراف الدولية في تحقيق اتفاق السلام الأخير بين حكومة الخرطوم وجنوب السودان فرصة ذهبية لنقل نموذج هذا الاتفاق إلى باقي مناطق التوتر في السودان وإلى إقليم دارفور على وجه الخصوص.
اهتمام ألماني بارز بالمسألة السودانية
أظهرت ألمانيا والعديد الدول الأوروبية اهتمامها بالمسألة السودانية منذ البداية. وفي هذا الإطار دعت حكومتها إلى إيجاد حل سلمي للأزمة. ولم تسارع الحكومة الألمانية لتقديم مساعدات إنسانية عاجلة لضحايا دارفور وحسب. فقد كانت كذلك من أوائل الحكومات التي طالبت الحكومة السودانية بإنهاء الأزمة عن طريق حل مليشيات الجنجويد العربية المسلحة والكف عن انتهاك حقوق الإنسان وإرهاب موظفي الإغاثة الدولية وتسهيل وصول المعونات إلى المشردين. وعلى ضوء الإتفاق الأخير قالت وكيلة وزارة الخارجية الألمانية في برلين كيرستن مولر: "أن المجتمع الدولي مطالب الآن بمراقبة تطبيق اتفاقية السلام في الجنوب ودعمها".
وأكدت أن"مسألة إعادة تأهيل المليشيات في جنوب السودان وإدماجها في المجتمع السوداني من جديد تشكل تحدياً كبيراً أمام الحكومة السودانية. وأن هذه الأخيرة مطالبة باثبات صدق نواياها في إيجاد سلام عام وشامل في جميع أرجاء السودان. ويتمثل هذا أيضاً بوقف الحرب في إقليم دارفور". وأضافت "إذا لم تحل مشكلة الصراع في إقليم دارفور والمناطق الأخرى، فانه لن تتاح الفرصة أبداً لسلام دائم في السودان".
أهمية الحوار في حل النزاعات
يشكل اتفاق السلام نجاحاً كبيراً لدور الحوار في حل النزاعات الدامية تحت رعاية المجتمع الدولي. ويمكن لذلك أن يكون بمثابة مثال يحتذي لحل نزاعات أخرى شبيهة في أفريقيا والعالم العربي. لكن يبقى التساؤل في كيفية تطبيق هذا الاتفاق على أرض الواقع وفي مدى احترام الطرفين لبنوده. وكان جون غرنق زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان قد أكد عشية توقيع الاتفاقية على ضرورة احترامها. عدا ذلك سيعني الأمر تفكيك السودان على حد قوله. أما العقبة الأخرى التي تشكل عائقاً في وجه تطبيقه فهي تجاهله للأطراف المعارضة الأخرى وانضمام قرنق حليف المتمردين في غرب البلاد لحكومة البشير قبل أن يتم التوصل إلى حلول في مناطق التوتر الأخرى.
المصدر. موقع قنطرة
www.qantara.de