السعودية - أين يكمن مأزق مناخ الاستثمار؟
٤ مارس ٢٠١٨تحاول السلطات السعودية بوسائل وإجراءات شتى جذب الاستثمارات الأجنبية لإنعاش الاقتصاد السعودي الذي يعاني الركود منذ تدهور أسعار النفط عام 2014. آخر هذه الإجراءات تمثلث في تقليص قواعد إصدار تراخيص الاستثمار وتمديد فترة سريان رخص الاستثمارات الأجنبية من سنة واحدة حاليا إلى 5 سنوات مستقبلا. كما وافق مجلس الوزراء السعودي في فبراير/ شباط الفائت 2018 على قانون الإفلاس الذي يتوقع منه مساعدة عشرات الشركات المتعثرة على تسوية أوضاعها المالية ومشكلة الديون المترتبة عليها بالمليارات. وسبق إصدار التشريعات الجديدة اعتقال وتوقيف عشرات الأغنياء والأمراء والمسؤولين في إطار ما يطلق عليه "حملة مكافحة الفساد" التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان شخصيا.
تبعات الضغوط على الميزانية
منذ تدهور أسعار النفط تعرضت الموازنة السعودية لضغوط متزايدة أدت إلى نشوء عجز بحدود 200 مليار دولار خلال السنوات الثلاث الماضية. وتذهب توقعات إلى أن عجز العام الجاري لن يقل عن 50 مليار دولار. وهو الأمر الذي دفع السلطات إلى البدء بسلسلة إجراءات مثل بيع ممتلكات حكومية لتوفير السيولة النقدية، وإلغاء عشرات المشاريع الحكومية، ورفع الدعم عن سلع وخدمات وفرض ضرائب متنوعة آخرها ضريبة قيمة مضافة بنسبة 5 بالمائة.
أما حملة التوقيفات التي شملت أغنياء وأمراء فكانت نتيجتها مصادرة 100 مليار دولار من أموالهم لدعم ميزانية الدولة، حسب تصريح للنائب العام السعودي سعود بن عبدالله المعجب أواخر يناير/ كانون الثاني الماضي. وتتجه الحكومة السعودية إلى تسييل أصول جديدة وبيع جزء من شركات عامة كبيرة على شكل أسهم مثل شركات أرامكو العملاقة. ولا تبعد اتجاهها أيضا إلى اللجوء للاقتراض واصدار سندات بالمليارات من أجل تمويل مشاريع حيوية طرحها الأمير محمد في إطار "رؤية 2030" السعودية التي تهدف إلى تحقيق إصلاحات اقتصادية واجتماعية عميقة تنهي عصر اعتماد المملكة على ريع النفط بشكل أساسي وتحولها إلتى دولة عصرية، حسب أقوال ولي العهد الشاب.
تحديات أبعد من عجز الميزانية
تتجاوز السعودية الحالية عجز الموازنة إلى أعباء أخرى يفرضها تمويل الدور الإقليمي الذي تريد المملكة لعبه في الشرق الأوسط. فحرب اليمن التي تكلفها عدة مليارات من الدولارات هي جزء من هذا الدور. ويفوق الإنفاق العسكري السعودي بحدود 80 مليار دولار سنويا نظيره الروسي أو الأوربي إذا أخذنا كل دولة على حدة. كما أن سكان السعودية يصل الذي يصل إلى 30 مليون نسمة أكثر من نصفهم شباب يعاني القسم الأكبر منهم قلة فرص العمل.
ومن هنا فإن إجراءات مثل فرض الضرائب وبيع الأصول واللجوء إلى الاقتراض لن تساعد على احتواء التحديات القائمة سوى لفترة محدودة، لأن لهذه الإجراءات منابع مالية ناضبة. وعليه فإن الحل مرتبط بجذب مستدام للاسثمارات الخاصة وفي مقدمتها الاستثمارات الأجنبية التي تساعد على بناء اقتصاد يعتمد على صناعات تحويلية وغير مرتهن للإيرادات النفطية. السؤال الذي يطرح نفسه هنا، كيف السبيل إلى مثل هذا الجذب في ظل ضعف القطاع الخاص الذي ارتبط نموه إلى حد كبير بمشاريع الحكومة وعقودها؟ وماذا بشأن دور مناخ الاستثمار الحالي على هذا الصعيد؟
المشكلة ليست فقط في غياب الشفافية
تشكل خطوات التقشف التي تم اتخاذها والتشريعات التي تم إصدارها مؤخرا حطوات هامة على طريق الإصلاح والانفتاح وجعل مناخ الاستثمار أفضل من قبل. غير أنها وعلى أهميتها ما تزال انتقائية وبعيدة عن تقديم الضمانات والحريات المعطاة للمستثمرين في بلدان مجاورة جاذبة للاستثمار كالإمارات مثلا. وعليه فمن المبكر بعد الحديث عن مناخ استثمار جاذب مقارنة ببلدان أخرى، لاسيما وأن منظومة الفساد في السعودية مستفحلة لدرجة أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان اعتبرها "سرطان" أصاب الجسد السعودي. وقال الأمير في مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست أن الحملة التي أطلقها ضد هذه المنظومة هي "علاج بالصدمة" لمنع انتشار هذا المرض.
غير أن السرية التي تمت بها الحملة واقتصارها على أشخاص دون غيرهم يشكلون تهديدا لطموحات بن سلمان السياسية يزيد الشكوك في نجاحها، وهو الأمر الذي يؤيده الكثير من المراقبين والمستثمرين. في هذا السياق يصف رجل أعمال غربي لديه علاقات واسعة مع السعودية لوكالة رويترز ما حصل بأنه "لا يشجع على الاستثمار، بل أن الأمر أضحى برمته كتلة من التناقضات".
وإذا كانت التناقضات من أبرز الشرور التي يخشاها المستثمرون حسب خبرات الدول الناجحة في جذب الاستثمار، فإن غياب الشفافية لا تقل خطرا على أنشطتهم. ومن هنا ولأسباب أخرى تتعلق بأنظمة الكفالة المعقدة والنظم القضائية المستقلة وغياب التعددية السياسية، فإن الحديث عن نظام استثمار سعودي متكامل وجاذب مؤجل إلى حين.