الرئيس القوي وحاكمة قرطاج - من قصر قرطاج إلى ملاحقين فارين
١٧ يونيو ٢٠١١تبدأ في تونس يوم الاثنين المقبل (20 حزيران / يونيو) محاكمة الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي غيابيا في قضايا تتعلق بامتلاك الأسلحة وحيازة مخدارت وعملة أجنبية عُثر عليها في قصوره بعد الإطاحة به وكذلك محاكمة زوجته ليلى الطرابلسي غيابيا في تهم بالفساد. وكانت ثورة الياسمين أطاحت ببن علي في 14 يناير/ كانون الثاني الماضي، حيث فر مع عائلته إلى السعودية. وستجري محاكمة أخرى لبن علي في وقت لاحق بتهم القتل وتحريض التونسيين على الاقتتال ستنظر فيها محكمة عسكرية. وكانت وزارة العدل التونسية أعلنت أن بن علي سيواجه 93 قضية من بينها 27 عسكرية.
وشاءت الأقدار أن يتحول بن علي، الذي حكم تونس لمدة 23 عاما بيد من حديد وبدون منازع، من رئيس قوي "يفوز" في الانتخابات بنسب تتراوح بين 89 بالمائة و99 بالمائة، إلى رجل ملاحق قضائيا.
من الجيش إلى قصر قرطاج
مسيرة بن علي، الخبير في الأمن العسكري وتقنيات حفظ النظام، قادته من الجيش إلى وزارة الداخلية ثم إلى رئاسة الحكومة ثم قصر الرئاسة في قرطاج بعد أن انقلب في 7 تشرين الثاني/نوفمبر 1987 على الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة الذي قال أطباء انه كان يعاني المرض ويعيش في شبه عزلة في قصره، فيما أطلق عليه البعض "انقلاب طبي" حدث دون إراقة دماء.
وروج بن علي لنفسه صورة بأنه بإزاحة بورقيبة قد "أنقذ" البلاد من السقوط في الهاوية. وبمرور الأيام زاد تصلب نظام بن علي الذي أصبح لا يتسامح مع معارضيه سواء من اليسار أو اليمين وزج بآلاف المعتقلين في تسعينات القرن الماضي، وبسط نظامه هيمنة مطلقة على الإعلام والنقابات. وكل ذلك كان موضع انتقاد خصومه الذين كان اغلبهم في الخارج. وظل يعتبر حتى آخر أيامه من قبل قسم كبير من المجتمع الدولي سدا أمام خطر التطرف الإسلامي مع بعض الانتقادات المحتشمة في كثير من الأحيان لبطء عملية إرساء الديمقراطية والانتهاكات لحقوق الإنسان.
عائلة متواضعة من حمام سوسة
وينحدر بن علي من عائلة متواضعة من مدينة حمام سوسة الساحلية (شرق 130 كلم جنوبي العاصمة). وهو عسكري تلقى تعليمه في مدرسة سان سير العسكرية الفرنسية والمدرسة العليا للاستخبارات والأمن في الولايات المتحدة. وقد نال سريعا رتبة جنرال وعين كاتب دولة للأمن الوطني اثر "انتفاضة الخبز" في 1984 ثم وزيرا للداخلية الذي ضم إليه في أيار/مايو 1987 منصب رئيس الوزراء قبيل إزاحته بورقيبة وتوليه السلطة. وبن علي أب لستة أولاد (خمس بنات وصبي) ثلاثة من زواج أول قبل أن يطلق زوجته الأولى نعيمة الكافي ويتزوج من ليلى الطرابلسي، التي كانت عشيقته لسنوات طويلة. وتعد ليلى الطرابلسي موضع كراهية الشعب التونسي الذي يتهمها بأنها نهبت خيرات البلاد ودمرت اقتصاد البلاد مع أقاربها.
ليلى بن علي ومسيرة "تسلقية"
وعملت ليلى الطرابلسي، التي تنحدر من عائلة متواضعة من تونس العاصمة، حلاَّقة وهي مهنة تعلمتها لكن يبدو أنها لم تمارسها لفترة طويلة. حيث عملت كسكرتيرة وفي عدة مجالات، قبل أن تصبح سيدة تونس الأولى.
ولدت ليلى الطرابلسي، عام 1956 من أب كان يعمل بقَّالا. وبعد زواج دام ثلاث سنوات مع مدير محلي لشركة تأجير سيارات ارتبطت بعلاقتين كانتا محددتين في وصولها إلى قصر قرطاج. وأقامت علاقة مع فريد مختار الصناعي القوي وصهر رئيس الوزراء الأسبق محمد مزالي ما فتح أمامها المجال للاختلاط بالأسر النافذة في العاصمة. لكن العلاقة الأهم كانت في أواسط ثمانينات القرن الماضي حيث أصبحت عشيقة الجنرال زين العابدين بن علي الذي يكبرها ب21 عاما وكان يتولى حينها منصب وزير الداخلية، قبل أن يتزوج بها بعد أن طلق زوجته الأولى.
وأصبحت الشابة التي تنحدر من حي شعبي فقير في العاصمة التونسية "حاكمة" قرطاج كما اطلق عليها الفرنسيان نيكولا بو وكاترين غراسييه في كتابهما "حاكمة قرطاج". ووصف هذا الكتاب ليلى بن علي باعتبارها "محتالة من الدرجة الأولى" تمكنت من وضع يدها مع باقي أفراد أسرتها على قطاعات كاملة من الاقتصاد التونسي. وجاء في برقية دبلوماسية اميركية نقلها موقع ويكيليكس ان "ليلى بن علي واسرتها الموسعة (الطرابلسية) يثيرون غضب التونسيين. وعلاوة على العديد من المزاعم بشان تورطهم في الفساد فان الطرابلسية كثيرا ما يستهدفون بالتجريح بسبب نقص في التربية ووضعهم الاجتماعي المتدني ونهمهم الاستهلاكي".
"أكثر شخصية مكروهة من قبل الشعب"
وجاء في برقية أخرى "أنها أكثر امرأة مكروهة في تونس". وبعد ثلاثة أيام من الإطاحة ببن علي كشف محمد الغنوشي آخر رئيس وزراء في عهد الرئيس المخلوع انه كان لديه "انطباع" بان ليلى هي التي تدير البلاد في الفترة الأخيرة. وكانت ليلى بن علي تشغل منصب "رئيسة" منظمة المرأة العربية منذ آذار/مارس 2009. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2007 دفعت سهى عرفات، أرملة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات والصديقة الحميمة سابقا لليلى، بدورها ثمن تصريحات أدلت بها للسفير الأمريكي في تونس. وكانت سهى عرفات قالت إن بن علي "الذي أوهنه مرض السرطان يفعل كل ما تمليه عليه زوجته" بحسب برقية كشفها ويكيليكس. والنتيجة كانت سحب الجنسية التونسية عن سهى عرفات وطردها من البلاد. وتقول سهير بلحسن التونسية التي ترأس الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان لوكالة فرانس برس إن "هذين الزوجين كانا كريهين وفرضا على الشعب التونسي فترات من الإذلال الكبير".
(ش.ع / رويترز ، أ.ف.ب)
مراجعة: منصف السليمي