الحروب والأزمات وراء هجرة المسيحيين من دول الشرق الأوسط
٣٠ مايو ٢٠١٠قدرت منظمة كاريتاس عدد المواطنين المسيحيين الذين غادروا العراق منذ غزو القوات الأمريكية لهذا البلد حتى الآن بحوالي 600 ألف شخص، كما اعتبر بطريرك القدس الكاثوليكي فؤاد الطوّال أن عدد المسيحيين في الأردن والأراضي الفلسطينية وإسرائيل أصبح حوالي 400 ألف نسمة، أي ما يمثل فقط نحو اثنين بالمائة من مجموع السكان هناك. وبصرف النظر عن الأسباب ومسببات الهجرة فان بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث يصف هذا التطور بـ "الجرح المؤلم والمخيف" معتبرا في نفس الوقت أن "المسيحيين في المنطقة ليسوا أقلية بحكم العدد، بل هم جزء لا يتجزأ من العالم العربي".
غير أن المفتي العام للجمهورية العربية السورية الشيخ أحمد بدر الدين حسون يشير إلى أنه في الوقت الذي هجر فيه مئات الآلاف من المسيحيين العراق خلال الأعوام الأخيرة بسبب ظروف الحرب، فأن أعداد المسيحيين في سوريا ولبنان ارتفع بشكل ملحوظ خلال السنوات العشر الأخيرة ، كما تضاعف عدد أقباط مصر منذ 1948 حتى اليوم أربع مرات. وتشير الإحصائيات غير الرسمية إلى أن عدد المسيحيين في مصر كان نحو سبعة بالمائة من مجموع السكان عام 2006، بينما يصل عددهم في لبنان إلى حوالي خمسين بالمائة، وفي سوريا إلى حوالي عشرة بالمائة.
الشيخ حسون: ليست هجرة دينية بل هجرة إلى مناطق الأمل
مما لاشك فيه هو أن الحروب والأزمات السياسية في المنطقة تساهم في تقوية الهجرة كما هو الأمر حاليا في العراق أو في الأراضي الفلسطينية. ففي القدس مثلا كان عدد المسيحيين قبل ستين عاما حوالي 30 ألفا من مجموع حوالي 200 ألف، بينما يعيش هناك حاليا فقط حوالي 12 ألف مسيحي من مجموع نحو 740 ألفا حسب إحصاءات الفاتيكان. ويؤكد المفتي العام لسوريا أن ما حدث من هجرة من المنطقة عبر التاريخ لا يمكن وصفه بهجرة دينية. فهي على حد تعبيره "هجرة من مناطق الحروب إلى مناطق الأمل، مثلها مثل هجرة المسلمين الجزائريين منذ الحرب العالمية الأولى والثانية التي هي بهدف البحث عن حياة أفضل". وينطبق هذا أيضا على المسيحيين من سوريا، "فهم لا يهاجرون خوفا على مسيحيتهم بل بحثا عن فرص عمل أفضل". ويضيف المفتي السوري في هذا السياق: "لو دفعت أثمان الأسلحة في مصر والأردن وسوريا ولبنان وفلسطين لتطوير المنطقة لكانت أسبق من أوروبا في صناعتها".
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الكاثوليك يلتقي في الرأي مع المفتي السوري العام عند الحديث عن أسباب الهجرة. ولذا فهو يدعو الشباب إلى البقاء في وطنهم مع المطالبة أيضا بضرورة " توفير فرص العيش والدراسة وتكوين أسرة والحياة لهم في مناخ يعمه السلام"، كما يدعو إلى "ضرورة تضافر كل القوى لأجل الأجيال في المستقبل حتى لا يصبح المسيحيون والمسلمون عرضة للهجرة".
الخوف من قيام دول دينية في المنطقة
مثل هذه الدعوات تأخذ بعدا آخر عندما ينتقد رئيس الأساقفة الكاثوليكي في الموصل باسيلي جورج كازموسا الحكومة العراقية الحالية لعدم قدرتها على حماية المسيحيين في العراق من هجمات المتشددين الإسلاميين. فهو يؤكد أن 200 ألف مسيحي غادروا العراق خلال عام 2009، وأن عددا منهم هاجر إلى سوريا بسبب الأوضاع المتدهورة في وطنهم. وقد تعرض رئيس الأساقفة نفسه للاختطاف من مجهولين عام 2005 ، وكان حظه أفضل من حظ رئيس أساقفة الكلدانيين في العراق باول فرج راهو الذي لقي حتفه بعد اختطافه عام 2008 .
وفي الوقت الذي يؤكد فيه المفتي السوري على أهمية الحوار بين الأديان وانه ليس هناك ما يدعو للخوف منها " باعتبار الدين اختيار إنساني لا إكراه فيه"، فانه يرى في نفس الوقت أن "أحد أسباب الهجرة ناتج عن الخوف من قيام دول دينية في المنطقة". كما أن هذا الخوف يجد أساسه في التطرف الديني الذي تشهده أوروبا والعالم العربي. وفي هذا السياق يرفض المفتي حسون قيام دولة كهذه على أساس أنها أمر خطير على حد تعبيره ويضيف: "يجب أن تقوم الدولة على أساس مدني يجتمع فيه كل أبناء الإنسانية بغض النظر عن أديانهم ومذاهبهم".
ومن هذا المنطلق ينتقد المفتي السوري ما وصفه " بالدعاية التي تقوم بها بعض الأحزاب والأطراف الأوروبية التي تستغل موضوع الهجرة سياسيا للحديث مثلا عن أسلمة أوروبا وإثارة الخوف من الإسلام بهدف الوصول إلى السلطة، ملاحظا بأن "بناء مسجد لا يعني أسلمة أوروبا، كما لا يشير بناء كنيسة في المنطقة العربية إلى تنصيرها". ما يخيف المفتي السوري على حد تعبيره "هو أن يستعمل الإنسان إسلامه أو مسيحيته للاستغلال وقهر الآخرين وظلمهم".
الكاتب: عبد الحي العلمي
مراجعة: ابراهيم محمد