حرب أوكرانيا أم تجار الأزمات؟.. من المسؤول عن جنون الأسعار؟
٩ أبريل ٢٠٢٣قبل شهرين، انتقد الرئيس الأمريكي جو بايدن الأرباح القياسية لشركات النفط الكبرى، متهما إياها باستغلال أزمة موارد الطاقة الأخيرة للتربح فيما عبر البيت الأبيض عن غضبه بسبب الأرباح القياسية التي حققتها "إكسون موبيل" العام الماضي والتي بلغت 56 مليار دولار.
ويرى خبراء أن هذه الأرباح تعد غير مسبوقة ليس فقط لعملاق النفط "إكسون موبيل" فحسب بل لقطاع النفط الغربي بأكمله وذلك بالتزامن مع ارتفاع الأسعار بشكل كبير لم يشهده المستهلكون منذ عقود.
وكان هذا الأمر محل اهتمام من قبل صانعي القرارات السياسية في أوروبا حيث جرى فرض ضرائب مفاجئة على شركات الطاقة.
ورغم تراجع ارتفاع الأسعار مؤخرا عن مستوياتها القياسية، إلا أن منطقة اليورو لا تزال تعاني من ارتفاع مستويات التضخم إذ ارتفعت أسعار المستهلكين بنسبة 6.9٪ في مارس / آذار الماضي عن الفترة ذاتها العام الماضي وهو ما أدى إلى بقاء معدل التضخم الحالي أعلى بأكثر من أربعة أضعاف هدف المركزي الأوروبي البالغ 2 بالمائة.
أسباب التضخم
أدى إعادة فتح الاقتصادات العالمية عقب جائحة كورونا إلى زيادة كبيرة في الطلب، بيد أن هذا جاء رغم استمرار الاضطرابات في سلاسل التوريد جراء عمليات الاغلاقات إبان الجائحة. وقد أسفر ارتفاع الطلب إلى ارتفاع في معدلات التضخم فيما تفاقمت أسعار المستهلكين عقب الغزو الروسي لأوكرانيا مما أدى إلى تصاعد مؤشرات أسعار الطاقة والغذاء.
ورغم انخفاض تداعيات إعادة فتح الاقتصادات وأزمة سلاسل التوريد، إلا أن معدلات التضخم مازالت مرتفعة على نحو لافت فيما ينتاب صانعو القرارات السياسية حالة قلق من أن زيادة الأرباح التي تحققها الشركات ربما تلقي بظلالها على أزمة ارتفاع الأسعار.
ومتحدثا أمام مؤتمر في مدينة فرانكفورت الأسبوع الماضي، عرض فابيو بانيتا عضو المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي، رسما بيانيا أذهل الحاضرين حيث أظهر ارتفاع أرباح الشركات في منطقة اليورو بوتيرة أسرع من ارتفاع الأجور.
وحذر من أن "السلوك الانتهازي للشركات قد يؤخر أيضا انخفاض معدلات التضخم الأساسية. يجب أن نكون أكثر يقظة من شبح مخاطر أن تؤدي دوامات أسعار الأجور إلى استمرار معدلات التضخم الأساسية على وتيرتها الحالية".
وقد ذكرت وكالة رويترز أن شركات السلع الاستهلاكية في منطقة اليورو عززت هوامش التشغيل إلى متوسط 10.7% العام الماضي، بزيادة قدرها الربع مقارنة بعام 2019، قبل الجائحة والحرب في أوكرانيا.
وفي مقابلة مع DW، قالت إيزابيلا ويبر، الاستاذ المساعد في قسم الاقتصاد بجامعة ماساتشوستس أمهيرست في الولايات المتحدة، إن العديد من الشركات في قطاعات بعينها "تمكنت من الاستفادة من حالة الطوارئ العالمية جراء جائحة كورونا وأيضا الحرب في أوكرانيا لأجل رفع الأسعار بطريقة لم تكن لتحدث في الأوقات العادية. فعندما ترتفع الأسعار أكثر من التكاليف، فإنه ينجم عن ذلك زيارة في هوامش الأرباح".
بدوره، قال أولريش كيتر، رئيس الخبراء الاقتصاديين في مصرف "ديكا بنك" الألماني، إن حالة الضبابية وعدم اليقين أثناء جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا دفعت الشركات إلى رفع الأسعار.
وفي مقابلة مع DW، أضاف "الشركات تحاول تحقيق هامش ربح آمن لتفادي تأثير أي زيادة في التكاليف بعد ذلك".
العلاقة بين الأجور والأرباح؟
يشار إلى أن الشركات الأمريكية تسجل في الوقت الحالي أرباحا مرتفعة لم تحققها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وفقا لدراسة حديثة أجرتها ويبر.
وعلى الصعيد الأوروبي، ذكر اقتصاديو البنك المركزي الأوروبي في مارس / آذار الماضي أن "تأثير الأرباح على ضغوط الأسعار المحلية كان استثنائيا من المنظور التاريخي".
وبحسب بيانات البنك، فإن نمو الأرباح تجاوزت نمو الأجور خاصة في قطاعات الزراعة والتصنيع والتجارة والنقل والأغذية والتعدين والمرافق.
ومع مراقبة كيف ساهمت ارتفاع الأرباح الأخيرة في ارتفاع التضخم، قالت ويبر إن اضطرابات سلاسل التوريد قد أحدثت تغيرات في ديناميكيات المنافسة، مضيفة أنه يمكن للمستهلكين عادة التحول إلى موردين آخرين إذا رفعت الشركة الأسعار لزيادة أرباحها.
بيد أن الباحثة الاقتصادية قالت إنه في حالة إدراك كافة الشركات أن "المنافسة لا يمكن أن تخدم قاعدة عملائها، فإن زيادة الأسعار لن تهدد بفقدانها حصتها في السوق كما هو الحال في الوضع المثالي".
هل سينخفض التضخم؟
يتوقع البنك المركزي الأوروبي انخفاض ارتفاع معدلات التضخم في منطقة اليورو في نهاية المطاف مع توقعات أن تصل نسبة انخفاض زيادة الأسعار إلى 2٪ سنويا بحلول عام 2025.
بدوره، قال أولريش كيتر، رئيس الخبراء الاقتصاديين في مصرف "ديكا بنك" الألماني، إن حقيقة أن "ارتفاع الأرباح أكثر من الأجور حتى الآن لا تعني أن هذا يجب أن يكون المسار للمضي قدما".
وقالت ويبر إن قدرة الشركات على تحديد الأسعار يعد بالأمر المقلق ما يعني ضرورة المراجعة، مضيقة أن القوانين التي تحد من الزيادات المفرطة في الأسعار من قبل الشركات يمكن أن تكون جزءا من الحل.
واستشهد في ذلك بالتعديل المقترح على قانون التلاعب في الأسعار بمدينة نيويورك، العاصمة الاقتصادية للولايات المتحدة، حيث ستحظر القواعد على الشركات الاستفادة من أي أزمة لزيارة الأسعار بشكل كبير على السلع الضرورية.
وقال كيتر إنه يتعين على سلطات مكافحة الاحتكار التحقق من احتمالية حدوث أي تلاعب في الأسعار في حالة ظهور شكوك حول مساعي للهيمنة على الأسواق.
يشار إلى أن الحكومة الألمانية قد اتخذت قرارا الأربعاء الماضي يهدف إلى تعزيز جهاز مكافحة الاحتكار فيما كان وزير الاقتصاد روبرت هابيك قد بدأ هذه الخطوة العام الماضي بعد أن بقاء ارتفاع أسعار الطاقة مرتفعة بشكل مطرد.
ماتيس ريتشتمان / م. ع